Friday 13th August, 1999 G No. 9815جريدة الجزيرة الجمعة 2 ,جمادى الاولى 1420 العدد 9815


فاعتبروا ياأولي الأبصار
معنى السعادة
الشيخ/ عبدالرحمن بن سعد الزير*

السعادة غاية ينشدها الجميع بيد أنهم يختلفون في معناها وفي الطريق الموصل إليها اختلافا كثيرا فمن الناس من يرى السعادة في جمع المال ومن الناس من يراها في الانهماك في متاع الحياة الدنيا من طعام وشراب ومنام ومنهم من يراها في الوجاهة بين الناس والتسلط عليهم والعلو في الارض.
وبين هؤلاء وأولئك أقوام يرون السعادة في اتباع الهوى والتحلل من معاني الشرف والفضيلة.
وفي نهاية المطاف يكتشف هؤلاء البؤساء أنهم كانوا يلهثون خلف السراب وأن تلك الوسائل لم تحقق لهم شيئا من السعادة بل زادت من شقاوتهم لأن السعادة الحقة والطمأنينة الحقيقية هي منحة من عند الله الذي خلق الإنسان وخلق الحياة.
فالطريق إليها أن يعمر قلب الانسان بنور الله وبذكر الله (ألابذكر الله تطمئن القلوب).
ومهما انغمس الإنسان في متاع الحياة الدنيا فإنه لن يهنأ باله ولن يشعر بمعنى السعادة طالما كان بعيدا عن الله غافلا عن غايته التي خلق من أجلها, ولعل الحكايتين التاليتين توضحان هذه الحقيقة.
الحكاية الأولى:-
يحكى أن أحد الأوروبيين البعيدين عن الله المعرضين عن الأهواء كان يمارس عددا من الأنشطة في آن واحد، فكان يعمل في الصباح مهندسا وبعد الظهر بائعا وفي المساء مغنيا وراقصا وفي يوم من الأيام وهو في خضم هذه الأعمال قفزت إلى ذهنه الأسئلة:
-لماذا أتعب كل هذا التعب وأشقى كل هذا الشقاء؟
وكانت الإجابة من اجل أن أجمع أكبر قدر من المال.
-ولماذا أجمع المال؟
قال: من اجل أن آكل وأشرب وأنام.
-وتتابعت الأسئلة؟
ولماذا آكل وأشرب وأنام؟
قال: من أجل أن أعيش.
-ولماذا أعيش؟
ظل يعصر ذهنه ويبحث عن إجابة لهذاالسؤال فلم يجد إلا إجابة واحدة,,, أعيش لكي أموت!!!
فسخر من نفسه قائلا:
أتعب كل هذا التعب وأشقى كل هذا الشقاء لا لشيء إلا لانتظار الموت!!!
من الآن يمكن ان أحتسي سما أو أن اقطع شريانا في جسدي لأصل الى هذه الغاية.
الحكاية الثانية:
يحكى أن إبراهيم بن أدهم -وكان من ابناء الملوك- كان يتبع صيدا له ذات يوم فسمع هاتفا يسأله,, ياإبراهيم ألهذا خلقت؟ أم بهذا امرت؟
ما أن سمع الرجل هذا الهاتف حتى عاد إلى نفسه يصلحها ويقويها ويردها إلى قول الله عز وجل وماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدون الذاريات آية 56.
وما هي إلا أيام قلائل حتى اطمأن قلبه وارتاحت نفسه وذهب عنه مرضه الذي حار فيه الأطباء وقال القولة الشهيرة نحن في سعادة لو علمها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف .
وهكذا وصل هذا الرجل الى السعادة التي ربما لم يذق لها طعما وهو يرفل في النعم ويأمر القوم والحشم في قصور آبائه وأجداده.
فالسعادة الحقيقية في القرب من الله وطاعته واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم والتزام ما أمر الله عز وجل به, والمسلمون هم أسعد الناس في هذه الحياة والطريق الموصل لسعادة الدنيا قبل الآخرة أوله عبادة وطاعة وسير على الصراط المستقيم وآخره نعيم مقيم في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
سأل رجل ابن مسعود رضي الله عنه ما الصراط المستقيم؟
قال: تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه وطرفه في الجنة.
قال تعالى وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه الانعام آية 153.
فالإسلام دعوة للسعادة في الدنيا قبل الآخرة.
وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها هود آية 108.
والجنة هي دار السعادة ودار السلام.
والله يدعو إلى دار السلام يونس آية 25.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : مثلي ومثل ما جئت به كمثل سيد بنى دارا ثم صنع مأدبة وأرسل داعيا فمن أجاب دخل الدار وأكل من المأدبة ,, والله هو السيد والدار الإسلام والمأدبة الجنة والداعي محمد صلى الله عليه وسلم.
والذين لم يستجيبوا للداعي صلى الله عليه وسلم هم التعساء وهم الأشقياء وهم الموتى وإن كانوا في عداد الأحياء والله عز وجل يخاطب عباده المؤمنين:
ياأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم الأنفال آية 24.
فالاستجابة لله وللرسول صلى الله عليه وسلم والالتزام بكتاب الله والاعتزاز بدين الله هي الحياة الحقيقية الموصلة للحياة الأبدية وللسعادة السرمدية.
وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون العنكبوت آية 64.
فالإسلام حياة والكفر موت، والقرآن حياة والاعراض عنه موت وعمى وشقاء، كيف لا والمعرضون عن ذكر الله يعيشون في ضنك وبؤس قال سبحانه ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى طه آية 124.
إن الناظر في أحوال الأمم حاضرها وغابرها ليجد أن الضنك والمعيشة النكدة ملازمة للاعراض عن الله وعن دين الله، وإلا فما معنى أن تصل نسبة الانتحار منتهاها في بلاد الترف والرقي المادي والتقدم الحضاري ما دامت بعيدة عن الإيمان بالله والاتباع لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, ورب العالمين يقول ومن يؤمن بالله يهد قلبه التغابن آية 11.
من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون النحل آية 97.
إن الإنسان عندما ينسلخ من الإيمان بالله عز وجل الذي خلقه وسواه ورزقه وأعطاه يهوي بنفسه في دركات السوائم ومهما تقلب في المنام والطعام والشراب فإن النار مثوى له,
والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم محمد آية 12.
ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لايفقهون بها ولهم أعين لايبصرون بها ولهم آذان لايسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون الأعراف آية 179.
كذلك فإن الإنسان إذا أعرض عن الله وغفل عن غايته في هذه الحياة فإنه يعيش في شبهات وظلمات وشك وضلال لايعلم مداه إلا الله، واسمع لهذا الشاعر البائس:
جئت لاأعلم من أين,, ولكني أتيت
وسأبقى سائرا,, إن شئت هذا أم أبيت؟
هكذا يعيش البؤساء الأشقياء البعيدون عن الله بعد ان اعرضوا عن السعادة وعن النور الذي جاء من عند الله أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس الأنعام آية 122.
ومن النور الذي جاء فيه أيضا هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا، إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا الإنسان الآيتان 1 ،2.
أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لاترجعون المؤمنون آية 115.
وماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدون الذاريات الآية 56.
ومهما امتلك الإنسان من الدنيا ومهما علا رصيده فوق هذا التراب فإن الحسرة في انتظاره إذا كان من أصحاب الشمال وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول ياليتني لم أوتَ كتابيه، ولم أدر ما حسابيه، ياليتها كانت القاضية، ما أغنى عني ماليه، هلك عني سلطانيه الحاقة آيات 25 - 29.
فهل جلب له المال والسلطان شيئا من السعادة؟
للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد الرعد آية 18.
إن السعادة الحقيقية هي في الحياة في كنف الله, وإن الإيمان بالله عز وجل والاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم يجعل الإنسان يترقى في مدارج الكمال حتى يكون أهلاً للسعادة الأبدية في جوار الله عز وجل في مقعد صدق عند مليك مقتدر,وأنى للجاحدين والمعرضين عن الله أن يكونوا سعداء في الدنيا فضلا أن يكون لهم نصيب منها يوم يقوم الناس لرب العالمين.
إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لايموت فيها ولايحيا، ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى، جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى
جعلنا الله وإياكم ممن سبقت لهم السعادة ووفقنا لما يحب ويرضى, والحمدلله رب العالمين.

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
أفاق اسلامية
عزيزتي
الرياضية
شرفات
العالم اليوم
تراث الجزيرة
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved