أيها المؤمنون: لقد تطاول أهل الباطل المستكبرون من قوم نوح - عليه السلام - على نبيهم نوح والمؤمنين معه، فقالوا: (ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين)، (وقالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فاتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين)، (وأصروا واستكبروا استبكارا)، (وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيراً)، وقالوا: (لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين)، (فدعا ربه أني مغلوب فانتصر* ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر * وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر* وحملناه على ذات ألواح ودسر * تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر * ولقد تركناها آية فهل من مدكر).
عباد الله: ولقد تطاول فرعون وملؤه المستكبرون، وساموا بني إسرائيل سوء العذاب، يقتل أبناءهم، ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين، فلما جاءهم موسى - عليه السلام - يدعوهم الى الإيمان ورفع الاستعباد والقتل عن بني إسرائيل وأتاهم بالآيات البينات، والحجج الواضحات، والبراهين القاطعات، لج فرعون وملؤه في باطلهم، واستعلوا على مستضعفيهم وذوي الحق فيهم، يتهددون ويتوعدون، ويتمالؤون ويمكرون، وزعموا أن ما جاءهم به موسى سحر يفترى فقالوا: (فاجعل بيننا وبينك موعداً لا نخلفه نحن ولا أنت مكاناً سوى* قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى* فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى) فكان من شأنهم ما بينه الله بقول: (فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى* فأوجس في نفسه خيفة موسى* قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى* وألق ما في يمينك تلقف ماصنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى* فألقى السحرة سجداً قالوا آمنا برب هارون وموسى).
معشر المسلمين: ولقد استمرت جولات الصراع بين الحق والباطل حتى أظهر الله الحق، وأزهق الباطل بقوله سبحانه: (فأتبعوهم مشرقين* فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين* فأوحينا الى موسى ان اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم* وأزلفنا ثم الآخرين * وأنجينا موسى ومن معه أجمعين* ثم أغرقنا الآخرين* إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين* وإن ربك لهو العزيز الرحيم)، وقال تعالى: (فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين* واورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون).
وهكذا تحقق وعد الله بنصر أوليائه وانتقامه من أعدائه، فحقت كلمته، وعظمت على أوليائه نعمته، وتحققت في أعدائه نقمته وعقوبته، وتحقق للعيان ان الله تعالى هو الملك الديان، عظيم السلطان جليل الإحسان.
ولقد صدق الله تعالى لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين معه وعده، فنصر عبده، وأعز جنده، وهزم الاحزاب وحده، وأظهر الدين، ونصر المؤمنين، وأذل الشرك والمشركين، وانتقم من المجرمين، ولا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم حتى ياتي الله بأمره، فاستعينوا بالله، واصبروا، إن الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الهدى والبيان، أقول قولي هذا واستغفر الله للجميع من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم، انه هو الغفور الرحيم.