للدكتور علي الراعي صدر كتاب القصة القصيرة في الأدب المعاصر وذلك عن سلسلة كتاب الهلال وقد قدمه الناقد فاروق عبدالقادر، اذ اعتبر الكتاب سياحة ممتعة في فن القصة القصيرة وأن أول ما يلفت النظر في هذا الكتاب أنه يتناول اجيالا متعاقبة من كتابها في مصر من نجيب محفوظ وشكري عباد ويوسف الشاروني ويوسف جوهر الى آخر الأجيال التي اجتذبها هذا الفن الجميل، جيل هناء عطية وأحمد أبو خنيجر وسواهما، مرورا ضروريا بجيلين يتوسطانهما: جيل يمثله حق التمثيل ابو المعاطي ابو النجا وبهاء طاهر، وثان يمثله التالون: محمد البساطي وابراهيم اصلان وعبدالكريم قاسم، ثم من لحق بهم: سعيد الكفراوي ويوسف ابو رية ومحمود الورداني والمنسي قنديل ومحمد المخزنجي, وثاني ما يلفت في كتاب الراعي اهتمامه بمتابعة هذا الفن عند مبدعيه من العروبة وهو خط رئيسي ثابت في أعماله الأخرى بحسب عبدالقادر: انه يبتهج ابتهاجا حقيقيا حين تلفت نظره قصص كاتب سعودي شاب (حسين علي حسين) ثم هو يمعن النظر في قصص كاتبة بحرينية، أما القاص السوري فهو يشغل عنده أعز مكان,, يفرد له ثلاث مقالات حيث كتب عنه: هو كاتب لامع لانه قاص متفرد لم يسبق لغيره ان وضع في قصصه كل هذا القدر من الغضب المكتوم والمعلن، كل هذه السخرية المرة, كل هذا الهجاء القاسي، الطيب القلب- ثم قبل كل شيء وبعد كل شيء كل هذا الشجن العميق، كل هذا الأسى، لأن البشر رغم ملايين السنين التي انقضت منذ بدء الخليقة لا يزالون على هذا الحال البغيض المتدني الذي نراهم عليه: الشر في العالم اصيل باق، والخير طارىء نادر الانتظار .
ومما يلاحظ ايضا في هذا الكتاب: منهج الناقد في تناوله لموضوعاته وهو منهج يلتزم به في هذا الكتاب وسواه من أعماله يقول فاروق عبدالقادر نستطيع أن نجمل ملامحه في عبارات قليلة: إن النقد الحقيقي يصدر عن الحب، لا عن البغض او التعالي، والناقد الجدير بهذه الصفة هو من يقترب من موضوع عمله بتواضع، ورغبة صادقة في تلمس مواطن الجمال والقوة قبل تقصي مواضع الضعف, وفي مقدمته يبدي الناقد الراحل انزعاجه من تلك الادعاءات التي تقول ان هذا الفن الجميل (القصة) قد مات في العالم فيقول ازعجني هذا الحديث لاسباب كثيرة وسألت نفسي: أتكون القصة قد ماتت في غفلة منا جميعا؟ ماتت بلا احتفال ودفنت في مقابر الصدقة؟,, ولم أصدق ان هذ أمر ممكن الحدوث, قلت لنفسي: انه ما من فن يموت تتغير الساحة الأدبية، يطرأ عليها بين الحين والحين وافد جديد, يطالب بحقه في الوجود فتسرع الفنون جميعا الى افساح مكان له بين صفوفها، تستقبله راضية أو كارهة ثم لا تلبث أن تتفاعل معه، ويتفاعل معها ويعيش الجديد مع القديم.
ويرى الناقد ان القصة لم تمت ولا هي سوف تموت وهو يقرر هذا بعد ان قام بسياحة في القصة قرأ فيها قصصا لاجيال متعاقبة من الكتاب في مصر، وبعض أجزاء الوطن العربي، علاوة على قصص الكاتب الكولومبي المعروف: جابرييل جارثياماركيز.
وفي هذا الكتاب يتناول الدكتور الراعي الكثير من الأسماء المصرية والعربية من أمثال: زكريا تامر، حسين علي حسين، فوزية رشيد، نجيب محفوظ، سعيد كفراوي، محمود الورداني، المنسي قنديل، ابو المعاطي ابو النجا، محمد المخزنجي، محمد البساطي، ابراهيم اصلان، عبدالعال الحمامعي، هناء عطية، يوسف ابو رية عبدالحكيم قاسم، اعتدال عثمان، يوسف جوهر، صلاح عبدالسيد، شكري عياد، احمد ابراهيم الفقيه، بهاء طاهر وآخرين.
في مقالته النقدية عن القاص السعودي حسين علي حسين يذكر: ترنيمة الرجل المطارد أول عمل قصصي يصل إليّ من داخل السعودية: اثنتا عشرة قصة للأديب السعودي الشاب حسين علي حسين كتبها ما بين 1973 1981 وسجل فيها منذ بدأ الكتابة تقدما مطردا في اختيار الموضوع والسيطرة عليه وإحكام صلته بالناس وآلام الناس.
وفي مكان آخر من المقالة يقول: هذا التململ هذا التوتر هذا القلق هذا الاحتجاج، هي كلها علامات الحياة في هذه المجموعة القصصية التي تلفت النظر, وهي دليل على ان نبضات مبشرة قد أخذت تسمع في جسد الأدب السعودي الذي يكتبه الشباب, ان انتقال الأدب السعودي من مرحلة الشعر وحسب الى مرحلة أخرى مهمة في كل أدب ناهض مرحلة الفن القصصي انما هو مؤشر واضح على بداية اتساع في الأفق، وتطلع الى الأعمق والأكثر التصاقا بحياة الفرد وحياة الناس معا, واني لأرجو ان يكون الى جوار حسين علي حسين شباب سعوديون آخرون يكتبون القصة، ويقرأون ما كتبه اعلامها، ويتقدمون في الوقت المناسب لكتابة الرواية والمسرحية.
أحمد زين