عزيزتي الجزيرة
إن تنظيم وإدارة الوقت يعتبر من الوظائف المهمة والأساسية للتنظيم الإداري، إذ إن الوقت هو اندر موارد الفرد سواء كان في أعلى المستويات الإدارية أو كان فرداً عادياً في أي مكان عمل, والوقت لا يمكن أبدا تعويضه أو ادخاره بعدم استعماله ومن المستحيل بل من غير المنطقي أن نحصل على الوقت الذي نحتاجه، كما أن فواته يكلف الكثير من الجهود والطاقات والأموال والفرص، ولهذا يبين المولى عز وجل في كتابه الكريم أن هذه الحياة ما هي إلا فرصة من الزمن أوجدها سبحانه وتعالى بحكمته لابتلاء الإنسان في هذه الأرض بالخير والشر ليمحص الخبيث من الطيب وليميز الصالح من الطالح.
ولهذا فهو يقول عز من قائل (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) سورة الملك, ويذكر سبحانه وتعالى في آيات كريمات أخرى أن هذه الحياة زائلة لا محالة وأن الفرصة الذهبية المتاحة للإنسان هي محدودة الوقت (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) سورة الحديد.
ويقول عز وجل للذين يحاجون ويسألون الله فرصة من الوقت ليتوبوا (قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين، ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون) سورة المؤمنون, ويقول ايضا إن أمور الوجود كلها بميقات وقدر موزون حتى الوفاة وانقضاء الأجل (,,, لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون), ثم يبين المولى القدير جل جلاله أن قيمة الحياة هذه بعد انقضائها وفنائها كأنهم لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها, وفي آية أخرى (كأنها ساعة من نهار)، فالوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، إي إن لم تستغله وتستثمره بقطعه فقد فاتك، والفوات معناه الضياع.
وهكذا نرى أن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام علمنا أننا مسؤولون عن كل صغيرة وكبيرة في حياتنا هذه التي هي كل الوقت المتاح لنا، لذلك دعانا إلى استثمار الأوقات بكل نافع مفيد لأن الإنسان مسؤول يوم القيامة عن (عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن علمه فيما قضاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما انفقه)، أو كما قال عليه الصلاة والسلام,.
ومن هذه القاعدة يقول أحد الصالحين: إن الوقت هو الحياة، وأن حسن إدارة الوقت يعني حسن إدارة الذات، وفي الواقع والحقيقة المعاشة فإن نجاح أو فشل أي عمل من الأعمال يعتمد على مدى فعالية الأفراد في استعمال الوقت المتاح، أي أنه ليس المطلوب المجهود الكبير ولكن المطلوب تحقيق نتائج معينة في الوقت المحدد.
يذكر يوسف محمد القبلان في كتابه (مفاهيم وتطبيقات في السلوك الإداري) وفي معرض مخاطبته لمدير أي منشأة ومستعرضا موهبته الرائعة في محاكاة ومعايشة يوم عمل في حياة إداري (تكون منهمكا في كتابة تقرير، في بداية ساعات العمل، فجأة يرن الهاتف الداخلي وعلى الخط أحد زملائك يسألك عن موعد الاجتماع المقرر لمناقشة خطة العام القادم، ثم تعود لعملك ، ومقاطعة أخرى من مراجع للاستفسار، وآخر لتوقيع خطاب، وتعود مرة أخرى للكتابة، وهاتف خارجي من صديق يدخل معك في تحايا وأمور شخصية، وتتحدث معه مجاملة وأنت تحترق من الداخل، ثم تنتهي المكالمة بطريقة طبيعية أو تنهيها بأسلوبك الخاص، وقبل أن تستأنف الكتابة تجد أن جزءاً كبيراً من الساعة قد مضى وأنت لم تنجز شيئاً يذكر، وتلقي نظرة على مكتبك لتجده مليئا بالأوراق والمعاملات التي تحتاج إلى إجراء معين، تحتار في أمرك، هل تدرسها، أم تستمر في الكتابة، أم تقوم بجولة على الموظفين، وتؤجل الكتابة للفترة المسائية التي سوف تستخدمها مضطراً، في هذه اللحظة الحائرة تتذكر أن عليك إعداد خطاب عاجل، وإجراء مكالمات هاتفية مهمة، فتضع التقرير جانباً وتبدأ في إعداد الخطاب، تعد خطابا ثم تجري مكالمة، وبينما أنت منسجم في أداء هذه المهمة الطارئة، يدخل عليك السكرتير ويخبرك أن هناك مجموعة من المراجعين يريدون مقابلتك، فتسمح لهم بالدخول، وتبدأ طرح الموضوع، أثناء ذلك يرن جرس الهاتف الداخلي، تقطع حديثك, ترفع السماعة، تجده أحد رؤساء الأقسام يسألك عن أمر هام يتعلق بالعمل، وأثناء المحادثة والمراجعون واقفون ينتظرون، يرن جرس الهاتف الخارجي، وأنت لا زلت مع زميلك على الهاتف الداخلي، ماذا تفعل؟ تنهي المكالمة الداخلية، وترد على الخارجية وبعد أن تنتهي وتعود لمراجعيك، يطرق الباب فتتجاهل ولكن الطارق يدخل ويقول (لحظة واحدة لو سمحت هل استطيع أن أفعل كذا) فترد: نعم.
وتعود إلى مراجعيك، وتسمع الهاتف الداخلي فتقرر ألا ترد وأن تستمر مع المراجعين حتى النهاية,, تعود إلى أوراقك!! بماذا تبدأ؟ يدخل السكرتير ويقول (لديك الآن اجتماع)!! يبدأ الاجتماع، وبعد فترة بسيطة، تأتي مكالمة هاتفية مهمة، وتعود لزملائك في الاجتماع وتقول لهم (أين كنا!! ويستمر الاجتماع، ويدخل السكرتير ويقول (أن لديه شخصاً يصر على الدخول ولو للحظة واحدة) فتقرر الخروج إليه لمقابلته خارج المكتب، وتعود للاجتماع وتحاول بصعوبة الانتهاء منه بدون مقاطعة، تخرج من الاجتماع منهكا لتجد في انتظارك أوراقا إضافية، ومكالمات تحتاج إلى الإجابة والرد؟ ما العمل؟
أمامك عدة موضوعات كلها تستحق النظر، فأي الموضوعات له الأولوية، تختار إحداها وتبدأ به، ولكن صديقا عزيزيا يشرفك بزيارة مفاجئة غير متوقعة فهل تستطيع رفض مقابلته؟ تجلس معه بعض الوقت على أمل أن تكمل العمل في صباح الغد!! تأتي في الصباح مبكرا ونشطا ومتحمسا لإنهاء الأعمال المتأخرة لديك، ولكنك تكتشف أنك مرتبط هذا اليوم باجتماعين متتاليين، إذا فليس أمامك فرصة لإنهاء ما لديك من أعمال متأخرة، ثم متى ستعد خطة إدارتك العام القادم؟ وهل أنهيت التقرير المطلوب منك والمهم جدا؟
تثور هذه الأسئلة في ذهنك، تحاصرك، حينها تبدأ في الشعور بأنك تداوم بدون عمل يذكر، ويقطع حيرتك زيارة أحد زملائك ليبدأ معك حديثا يستمر حتى يحين موعد اجتماع آخر، وهكذا هو يومك، هدر للجهد والطاقة ومن ثم الوقت الذي تحتاجه فعلا.
استخلص من مشاركتي هذه أن الوقت هو أثمن ما نملك في حياتنا فإن تم استغلاله بالشكل المطلوب والمنظم فإن الحياة ستكون كذلك منظمة وجميلة وإن تركناه يعبث بحياتنا دون تنظيم فسوف ينعكس ذلك عليها بالفوضوية وقلة الانتاج وربما المرض وقانا الله وإياكم شر ذلك والله الهادي سواء السبيل.
فهد صالح الجطيلي - بريدة