- الموت,, قصيدة الشعراء الأخيرة.
- في ذاكرة الشاعر تغفو القصيدة الحلم.
- القصيدة التي تعجز أدواتنا عن كتابتها.
- القصيدة التي تدغدغ أحلام الشعراء الذين يبحثون عن التميز.
- القصيدة التي تظل مدى الحياة تلوح بالوعد الجميل الذي لا يتحقق إلا عند اعلان موت الشاعر,,!
***
- إنها قصيدة السراب الذي يلاحقه المبدعون في كل اتجاه.
- قصيدة الأمل البعيد الذي لايصل إليه مشوار الحياة القصير.
- حتى إذا داهم الموت شاعراً متميزاً,, كان بمثابة القصيدة الخاتمة.
***
- كم هو جميل موت الشعراء,, والمبدعين,,!
- إنه يفجر الحزن الذي يعد أقوى محركٍ لطاقات الابداع في دواخلنا,, كما يفجر شلالات الوفاء الحبيسة في الصدور.
- أرأيتم كيف تتداعى الكلمات,, والقصائد,, وحفلات التأبين؟!,, وكيف ينبجس الصدق في هذه الآليات والفعاليات على اثر رحيل الشاعر؟!
- أرأيتم كيف يرحل الشعراء واقفين كالاشجار,, ومتدفقين كالشلالات,, وملتهبين كالبراكين,, ومغردين كطيور الزينة؟!.
- هكذا رحل الشاعر البياتي,, وهكذا كان غيابه,, وهكذا شيَّعوه.
- لقد وجدوه جالسا على الكرسي,, مغمض العينين,, يلمُّ شتات المقطع الأخير من قصيدته الحلم,, القصيدة الخاتمة,, الموت الجميل,.
***
- لا تحزني - ياسناء - فالموت صديق الشعراء,, إنه يرفق بهم,, ويترك لهم الفرصة لكتابة قصائدهم الأخيرة,, ويخلِّد ذكراهم,, وعطاءاتهم إلى الابد.
- لا تحزني - يا سناء - فلقد كان شاعرك مشرداً,, ومنفياً,, ومطارداً.
- أما الآن فقد أنهى كل تلك العذابات,, وانتصر على تلك الاشباح,, وارتمى في احضان الراحة الابدية.
- فالموت قصيدة النصر التي يكتبها الشعراء في آخر مشوار الهزيمة.
- إنه قصيدة المنفى الاخير للشعراء الذين تنفيهم اوطانهم من دوائرها الضيقة إلى بوابات الابداع المشرعة,, وإلى ساحات النصر على الطغاة.
***
- عبدالوهاب البياتي لم يمت,, لكنه لملم اوراقه، وغادر هذا الزمن الرديء.
- إنه من فئة الطيور المهاجرة التي لا تكفُّ عن الغناء,, ولا تكفُّ عن الرحيل.
- لقد نفَّذ رحلته الاخيرة إلى دار الخلود,, ولن يواجه - بعد اليوم - حسَّاده,, والناقمين منه,, والحاقدين عليه.
- وهذا - في حد ذاته - حلم كل الغرباء الذين يرميهم القدر في اوساط المجتمعات المادية والفارغة التي لا تقدر قيمة الابداع والمبدعين.
- أولئك الذين صرخ احد أجدادهم بعدما اعيته الحيلة,, وأعجزته المحاولة في شفاء عالمه المتخلِّف الرخيص، قائلا:
فيا نفس جدي,, فالحياة رخيصة
ويا موت,, زُر,, إنَّ الزمان بخيلُ
- كما صرخ أحد معاصريهم بهذا الحداء الجميل:
وحيداً,, ستمضي
سينفض عنك الذين ارتموا
في بريق خطاك
سينفضُّ كلُّ الذين ارتووا
من صهيل خطاك
- وحيداً,, ستمضي
كأن لم تكن برقهم,.
كأن لم تُقسِّم - هنا - جبة القلب
ما بينهم,.
كأن لم تكن فيئهم - ذات عصفٍ -
سماك.
- وحيداً,, ستمضي
فادّخر ساعة للهبوب
وانتبذ ساعة للهلاك.
***
- أما نحن - يا عبدالوهاب,,!
فلن ننساك,, وسوف نتعلق بأهداب وصيتك الأخيرة,, وبأغصان قصيدتك الحلم حتى الرمق الاخير.
- لكي نحيا من جديد مثلما انت الآن,، ولكي ننتصر على اعدائنا,, وأحزاننا,, وعلى أنفسنا مثلما انتصرت,، ولكي نختم رحلة الشقاء,, والنفي,, والاغتراب مثلك.
- يا عبدالوهاب,,!
يقول جدُّك (دعبل الخزاعي):
يموت رديء الشعر من قبل اهله
وجيده يبقى,, وإن مات قائله
- إن كل الشعراء المتميزين ضد الكسر,, وضد الغناء,, وضد التغييب.
- فالموت - بالنسبة لهم - حياة,, وانتصار,, وخلود.
- ألم تر إلى الذين اعلنوا عن وجودهم المستديم، وحضورهم الفاعل مع كل الاجيال,, وفي كل البقاع والمناسبات، بمجرد اعلان موتهم,,؟!
- إنهم يعيشون بيننا، ويمارسون ابداعاتهم وتأثيرهم، رغم ان اجسادهم مغيبة في باطن الارض منذ آلاف السنين.
- أنت - يا عبدالوهاب - واحد من أولئك الذين ينتمون إلى هذه الفصيلة من البشر التي تولد,, وتحيا,, وتموت، وتبقى راسخة في اذهان الاجيال، وفي ذاكرة التاريخ.
- لقد كنت - طيلة السنوات التي امضيتها على هذا الكوكب - تنفخ من روحك في قصائدك,, وكتاباتك,, ومواقفك,, وتجاربك,, وانكساراتك,.
- حتى لم يبق من روحك بقية في جسدك,, وهكذا يغادر المتميزون,, الذين ينظرون إلى الحياة باعتبارها موتا بطيئا,, وينظرون إلى الموت باعتباره بوابة للخلود.
|