عن عمر ناهز الثالثة والسبعين عاماً رحل الشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي الثلاثاء الماضي تاركاً خمسة عقود من التجارب، والتجديد في الشعر العربي الحديث.
بموت الشاعر البياتي تفقد الساحة الشعرية في الوطن العربي أبرز مؤسسي حركة التجديد فهو شاعر التجديد الأول والذي استطاع ان يتمرد على الجملة الكلاسيكية والهدير اللغوي.
مات البياتي بمنزله المؤقت في مدينة دمشق فكانت هذه المدينة - كما يقول اصدقاؤه - انها هي اول مدينة تستقبله منفياً,, وهي آخر مدينة تعانقه الى الأبد.
ويعد الشاعر عبد الوهاب البياتي قمر شيراز مردد اغاني المنافي بعد الشاعر العراقي الراحل محمد مهدي الجواهري بل انه عملاق شعر الحزن الذي تجسد في جملة من مقولاته ودواوينه,, بل انه لم يقف عند الشعر اذ ترجم العديد من الاعمال الشعرية والأدبية ليترك حضوراً مميزاً في الحياة الثقافية في الوطن العربي.
وترجمت أعمال البياتي الشعرية - وهي عشرون ديواناً - الى عدة لغات عالمية كان للانجليزية والفرنسية النصيب الاكبر.
نال الراحل البياتي جوائز عديدة آخرها جائزة سلطان العويس في خدمة الشعر العربي الحديث,, وفنونه,, واسس في القاهرة جائزة البياتي في الشعر وهي شبه سنوية تحمل اسمه.
تنقل الشاعر عبد الوهاب البياتي بين عدة دول وعواصم بين روسيا وإسبانيا وفرنسا والمانيا والاردن وسوريا فكان منذ الطفولة مولعا بحياة الغربة والغرباء,, يمتص من فيض حزن الفقد مرارة الفراق فكان يصور المشهد تلو الآخر عن مدن بعيدة عن بغداد,, عن اناس ملثمين بالسواد وبالوشم يقبلون عن هذه المدينة التي كانت تهفو اليها قوافل الزائرين,, ليصوغ من هذه الرؤية الايدولوجية والتراثية شعراً سكن عقل الانسان العربي وتمثل في ديوانه أباريق مهشمة بغداد عام 1954م.
وقبل ان يرحل الشاعر البياتي صدر له ديوان جديد عن دار الكنوز الادبية هذا العام 1999م جاء بعنوان تحولات عائشة وسبقه ديوان الموت في الحياة قبل أشهر قليلة.
رحم الله شاعرنا البياتي الذي سجل غيابه بعد شعراء عمالقة تركوا الساحة الثقافية نزار قباني، بلند الحيدري، ومحمد مهدي الجواهري وآخرين سجلوا حضورهم القوي والفاعل في ذاكرة الشعر العربي,, وقبل هؤلاء جميعاً رحل شاعر المنافي بدر شاكر السياب وجلل سواد الموت صفحة البياتي رحمهم الله جميعاً.
عبد الحفيظ الشمري