فن الإلقاء ELOCUTION - SPEECH ا, د,كمال الدين عيد |
هو إحدى أهم وسائل التعبير بالكلمة والكلام, وهو سلاح هام من أسلحة طبقة الممثلين سواء في وسائل الإعلام أو في فنون المسرح والإذاعة والسينما والتلفزيون, ويستعمله القاضي والمحامي ورئيس الدولة في خطاباته للجماهير.
وفي فنون التمثيل، فإن كل حرف من حروف الدور المسرحي يمر عبر فن الإلقاء بدءاً من فن الارتجال وحتى الدور المسرحي المكتوب أو المحرر، وفي كل نوعيات الأدب الدرامي نثرا كان أم شعرا.
لا يعكس الالقاء الكلمات أو الجمل، ولا يتبع التعبير اللغوي في كثير بقدر ما يكشف عما وراء الكلمات وخلف العبارات من معان درامية يقصدها كاتب الدراما، وما نطلق عليه (الفكر المسرحي).
وإذن فالإلقاء على هذه الصورة يخدم قضايا فكرية وثقافية وإعلامية وإنسانية وحضارية قبل أن يكون في خدمة التعبير اللغوي أو وقفا عليه, لذلك يسبق الفهم الإلقاء في المسرح.
والفهم هنا بمعنى سماع الكلمة أو التعبير ثم فهم المعاني المختبئة خلف كل منهما بكل دقة هذا من زاوية الممثل, ونفس المرحلتين (السماع والفهم) من زاوية أخرى عند المتفرج الجالس في صالة الجمهور، إذ يقتضي الأمر استماعا إلى الحوار للانتباه إليه ثم فهم المعاني التي يلقى الممثل بها إحساسا، طبعا بعد اضافة الأحاسيس والانفعالات والاشارات والسكتات والصمتات اللازمة عليها, وهذا الفهم من جانب المتفرج لا يصل تماما أو واضحا إلا إذا خرجت حروف الكلمات ناصعة صافية ممحصة لا تشوبها شائبة، اضافة من القائم بالدور المسرحي بالضغط على بعض الكلمات لإبراز الأهميات في أماكن معينة تنبيها للمتفرج إلى مضامين العمل الفني، وذلك بإحلال هذه الأهميات - عبر فن الإلقاء - داخل إيقاع خاص بها لافتا لنظر المتفرج، وفي استعمال مدرسي تعليمي للنطق والتعبير وحركة الإعراب السليمة.
ولا يعني الاعتناء بكل هذه الجوانب الفنية والمهنية في فن الإلقاء أنها عملية صعبة معقدة, لأن المهم فيها ليس التدرج من مرحلة إلى مرحلة أخرى بكل المقاييس المنصوص عليها نظريا، بقدر ما هو الوصول بفن الإلقاء في الحياة والمسرح إلى مستوى سماعي راق يعبر بالكلمة الواضحة غير المتلعثمة عن حقيقة الموقف الدرامي، والشخصية التي تحتل الزمان والمكان في هذا الموقف.
إن من أهم أهميات الممثل هو تقديم الكلمة والحوار، بمعنى عرضها على أذهان وأسماع الجماهير، ثم اثباتها بعد ذلك تحقيقا عن طريق فن الإلقاء, والالقاء لا يظهر على هذه الصورة كمضمون منطقي أو عقلي، بقدر ما يكون معنى يحمل بين طياته الإحساس والدفعات والشحنات,, هذه الأحاسيس والدفعات والشحنات لا يمكن أن تخرج أو تصل كرسالة واضحة إلا باستعمال الممثل والملقي لطبقات الصوت المختلفة، وتحديده لدرجة التونات Tones في الصوت توزيعا على الجمل والعبارات بمقياس دقيق جدا، وكذا في ملاءمة لموسيقي اللغة، واستقراء للإيقاع المناسب إذ أن الممثل بكل خبرته وجهده مع هذه العناصر يحور مسار الشخصية المسرحية، الدرامية، عاملا على إيجاد (مظهر) Aspect لها بفعل الإلقاء والحوار معاً.
طبيعي أن نفرق بين المضمون المنطقي والمضمون الحركي في فن الإلقاء، على الأقل على المستوى النظري, لكننا على المستوى العملي التطبيقي في المسرح لا يمكن لنا ذلك، إذ لا سبيل ولا طريق إليه, لأننا نتبين أن المضمونين (المنطقي والحركي) متضافران في العمل الفني مع بعضهما البعض، وفي أنحاء لا يتجزأ، وما هو واقع فن الإلقاء في العملية المسرحية.
إن تصور الممثل الملقي لإيضاح أفكار أو حوار منطقي وحركي يسير بطريقة غير مباشرة أو فجة، بينما يسعى الالقاء في صورته النهائية إلى تقرير وتحديد شكل وإطار شخصية الملقي.
وعلى ذلك فإن بعض الإضافات في الالقاء كتمثيل شخصية قروية أو شخصية صعيدية من جنوب مصر باستعمال لهجة خاصة في الالقاء يضفي قربا على الشخصية في نهاية الأمر.
يتخذ فن الالقاء مداه وتدريباته في جلسات التدريب الأولي في المسرح بدرجة كبيرة، وبدرجة أقل كلما تقدمت التدريبات المسرحية, وهو في مراحله الأولى يلقي بالعبء الكثير على الممثلين، فإذا لم يستعمل الممثل الوسائل السمعية (الأكوستيكية) Acoustics للربط بين المضمون المنطقي والمضمون الحركي في فن الإلقاء، ومستنداً في فهمه إلى الحقيقة النظرية لهما، فاته الكثير من التقدم والتطور في دوره، بمعنى أن عليه أن يترك الالقاء المكرر والمتكرر وينأى بنفسه عن شكل الكليشيهات القديمة المبتذلة، ليحاول فهم الدور من جديد بحسب مقومات الشخصية، وكذلك الدخول في إهاب شخصيته المسرحية عبر فن الالقاء وبه، وذلك باختيار خطوات علمية عصرية في مراحل الفهم والتشريح والتحليل، ثم التطبيق في النهاية.
يتضح من المهام الملقاة على عاتق الممثل فيما يختص بمراحل وخطوات فن الالقاء أن الخلط بيد فني الالقاء والتمثيل ليس مستحسنا من البداية.
بمعنى أن متطلبات وحاجات الممثل في فن الالقاء يجب أن يتم التدريب فيها على حده دون خلط النوعين (التمثيل والالقاء), حتى إذا ما تقدم الممثل بالتدريبات إلى الأمام انتقل من الالقاء إلى مرحلة التمثيل، بلا صراعات أو أفكار تشتت من عمل الممثل أو تخلط مراحله.
وفن الالقاء ليس وقفا على المسرح بمعناه الدرامي التقليدي المعروف, فقد لجأت مسارح أوروبا في السبيعينيات إلى تخصيص ليلة كاملة تساوي زمن العرض المسرحي ليلقي فيها ممثل واحد القاء سليما ديوانا من الشعر أو مختارات من القصائد الشعرية وأحيانا النثرية, كما أن فن الإلقاء نفسه أصبح مادة علمية أساسية تدرس في أقسام الإعلام ومعاهد الفنون وأكاديمياتها, بل إنه كعلم قد تفرع أخيرا إلى مادتين هما الإلقاء النظري والإلقاء العملي, في المادة النظرية الأولى يتعرف الدارس على طريقة انتاج الكلام,, مراحل العملية الكلامية والجهاز التنفسي وعمله، والحنجرة فالممر الصوتي كما يدرس (نظريا) تقسيم الأصوات وتعريفاتها وتصنيفاتها، ثم يتعامل مع شروط فن الإلقاء وأحكام التجويد فيه، فالوقف وأنواعه, أما فن الالقاء العملي فهو ما يختص بتطبيق الجوانب النظرية في العمل والدور المسرحي والمسرحية.
|
|
|