ليست أفكار النقد، غالبا، مثل أفكار الابداع، يمكن ان تحسب ضمن توارد الخواطر المتشابهة، إذ لا بأس من وجود هذه الحالة في الابداع، وهي الحالة التي تعني التوارد في الفكرة العامة، لا وقع الحافر على الحافر كما يقولون، حتى تغدو الحالة مرضية انتحال أو سرقة,.
ولما كان النقد وما زال، في غير جانبه الانطباعي التذوقي، عملية مثاقفة وتفاعل، فإنه لا مجال للقول بوجود صياغة التوارد هذه، لأن الناقد مثقف، يكتب من وعيه الثقافي، وكتابته كتابة ثقافية، وهو في ذلك على عكس الشاعر او القاص,, اللذين يكتبان من واقع تجربة مثقفة، وبالتالي يمكن ان تتشابه تجارب كثيرة بين الشعراء، تشابها في مخزونية اللغة والافكار بعضها مع بعض، كما تشابهت القصائد الجاهلية فيما بينها في المقدمة والرحلة والغرض، مع بقاء الخصوصيات الاسلوبية الفارقة بين شاعر وآخر تيمة مركزية.
ما اكتشفته مؤخراً حالة انتحال او سرقة او وقع الحافر على الحافر، ولا مجال للقول بالتناص هنا، لأخذ هذه الحالة من جهة حسن النية والتوارد,.
لقد جاءت هذه الحالة بين ناقدتين نسويتين، احداهما رشيدة بن مسعود صاحبة كتاب المرأة والكتابة، سؤال الخصوصية بلاغة الخطاب المنشور عام 1994م، والذي هو في الاصل رسالة دبلوم دراسات عليا، نوقش عام 1987، وأخراهما سوسن ناجي مؤلفة كتاب صورة الرجل في القصص النسائي المنشور عام 1995م، والذي نوقش لنيل درجة الدكتوراه قبيل تاريخ النشر، علما بأن الباحثة نفسها حصلت على درجة الماجستير عام 1987 ببحث عنوانه المرأة في المرآة دراسة نقدية للرواية النسائية في مصر وهو كتاب نشر عام 1989 على ذمة ما أشارت إليه سعاد المانع.
ولأنني لم أحصل بعد على كتابي سوسن ناجي، فإن المقارنة ستكون بين كتاب رشيدة بن مسعود وبين مقال لخصت فيه سوسن ناجي بحثها المذكور صورة الرجل في القصص النسائي ونشرته في مجلة ابداع عام 1993م.
ومجال المقارنة سيقتصر على استخلاص كل منهما لخصائص الكتابة النسوية، حيث اعتقد ان الاخيرة سوسن ناجي، انتحلت افكار الاولى رشيدة بن مسعود ، ودلستها، وكانت مسائل التشابه بينهما كبيرة الى حد السرقة، وسأكتفي بايراد نموذجين من النماذج المتشابهة بينهما، على سبيل التمثيل.
أولا : تقول رشيدة بن مسعود بأسلوب نقدي علمي: (الاضافة الثانية التي يقدمها لنا جاكبسون عند تعريفه لعناصر الخطاب ووظائفه تتمثل فيما يسميه بالوظيفة التعبيرية او الانفعالية التي تمكن المتكلم أي المرسل من اعطاء انطباع عن حالته سواء كانت واقعية او متخيلة بالنسبة لهذه الوظيفة التعبيرية يقع التأكيد على دور المرسل، وهذا ما يجعلنا نصل إلى خلاصة، وهي ان الكتابة النسائية - وهذا رأي عام - تتميز بحضور مرتفع نسبيا لدور المرسل، يعني هذا ان الوظيفة التعبيرية حاضرة كشكل ذي دلالة كبرى,.
وتقول سوسن ناجي متشابهة مع رشيدة بن مسعود من غير اشارة مرجعية، وبأسلوب تدليسي: (وتتبلور سمات هذه العلاقة الجدلية بين المرأة والرجل عبر عدة محاور ابرزها الوظيفة التعبيرية التي تمكن المتكلم في النص من اعطاء انطباع عن حالته، مما يشكل في النهاية خاصية تتميز بها كتابة المرأة القصصية الا وهي الحضور المرتفع لدور المرسل الذات الكاتبة المتكلم في النص, وهذا يعني ان هذه الوظيفة التعبيرية حاضرة كشكل له دلالة كبرى .
ثانيا: تقول رشيدة بن مسعود: هذه الوظيفة اللغوية تظهر في كثير من التعابير غير الدقيقة التي تصف المرأة بالثرثرة، وتتمثل على مستوى الكتابة في الاطناب والتكرار الممل، ذلك لان الغاية من هذه الوظيفة حسب جاكبسون هي تمتين التواصل , ويمكننا ان نفسر حضور هذه الوظيفة في القصص النسائية برغبة الكاتبة في الخروج من العزلة، وفتح الحوار مع الآخر، لكن في إطار الحدود التي يسمح بها حجم اللغة المتاح لها استخدامه، فحسب الين شوولتر ليست المشكلة ان اللغة لا تكفي للتعبير عن الوعي النسائي، ولكنها في كون النساء حرمن من استعمال كامل المصادر اللغوية، وأرغمن على الصمت او على التلطف او الاطناب في التعبير .
وتقول سوسن ناجي: وأخيراً نضيف خاصية اخرى من خاصيات الكتابة النسائية تمكن الكاتبة من التواصل وإقامة علاقات حميمة بينها والعالم، او بينها والآخر الرجل خاصة وتتمثل هذه الوظيفة اللغوية على مستوى الكتابة في التكرار والاطناب ,,, وعلى مستوى المكان يهدف فعل الخروج عن المكان إلى كسر نطاق العزلة، وإيجاد حوار مع الآخر، في الحدود التي يسمح بها حجم اللغة المتاح لهن استخدامه، وفي ذلك تقول إلين شوالتر: ليست المشكلة ان اللغة لا تكفي للتعبير عن الوعي النسائي، ولكنها في كون ان النساء، حرمن من استعمال كامل المصادر اللغوية، وأرغمن على الصمت، او على الاطناب في التعبير .
ولا أريد ان اتابع المهزلة التي مارستها سوسن ناجي في كتابتها او سرقتها لافكار رشيدة بن مسعود، لان السرقة واضحة وضوح الشمس، والتدليس قمر في ليل داج، وسأكتفي فقط بالاشارة إلى التدليس في ثلاث نقاط من خلال النص المقتبس:
1- قالت رشيدة بن مسعود: الين شوولتر، وهو اسمها المكتوب بالعربية، كما هو في النص المترجم لالين شولتر في حين قالت سوسن ناجي الين شوالتر، حيث حذفت الواو ووضعت مكانها الألف، وهذه الكتابة الخاطئة للاسم، إذ لو قالت شولتر، او شولترز لصح الاسم، لكنها اتت بتدليس.
2- وفي النص الاصلي الذي اقتبسته رشيدة بن مسعود كون النساء وهو التعبير اللغوي الصحيح، ولكن سوسن ناجي جعلته ركيكا عندما اضافت أن تدليسا فقالت كون ان النساء.
3- وفي النص الاصلي الذي اقتبسته رشيدة بن مسعود وأرغمن على الصمت، او على التلطف او الاطناب في التعبير ,ولما دلست سوسن ناجي حذفت التلطف دون اي مبرر، علما بأن التلطف بالذات مرحلة وسطى بين الصمت والاطناب وهي من جوهر النص الذي يحمل قيمة التثليث كما هو في نص شوولتر، فجعلته سوسن ناجي تدليسا في ثنائية متضادة بلا مبرر!!
والامر سيطول لو تتبعت التدليس، وما أشرت إليه غيض من فيض!! والحالة بحد ذاتها سرقة غبية!!
|