حين تبدأ الدماء في التجمد شيئاً فشيئا، ويبدأ الذوق في لهفة، إلى تجاوز ظله، وتكون الجلسة غارقة في أحلام مبهمة، بعضها متكسر، وبعضها يستطيع المشيء على عصا، أما الثالث فيحاول تعلم الرفيف,, حينذاك تضطرم الحاجة إلى الشعر، فتسمع من الجهات كلها كلمة (سماع) متكررة وصاخبة.
في مثل هذا المدى على الشاعر (أو الشعراء) أن يأخذ هراوة ويهوي بها على رأس حظه العاثر، هذا الحظ الذي ساقه إلى أن يقرأ الشعر في هذا الجو.
أول ما يحرق جزءا من الشاعر هو أنه يقرأ رغما عنه، أما الذي يحرق البقية الباقية من أعصابه، واعتزازه بفنه، فهو أن الشعر لئيم إلى حد مذهل.
لؤم الشعر نلمسه لمسا حين نبدأ القراءة ثم نحدق في الوجوه جيدا، هنا نجد العجب العجاب بقضه وقضيضه، نرى أن بعض الوجوه راحت مع الشعر في عناق ملتهب، أما بعضها الآخر فهو لا يفرق بين كلمات الشعر وبين حفنة من الحجارة, وهنا يأتي لؤم الشعر، إذ يترك على مثل هذه الوجوه طبقة راكدة من الظلام الحجري، تصمت تحت الملامح صمتاً بارداً كالموت.
أعرف جيداً ما يفعله الشعر الذي لا يفهم في الوجوه، فقد مررت - ولا أزال - بالتجربة مرتين:
مرة حين أقرأ أنا, وهذه أعتقد أن كل شاعر قد مر بها، ومرة حين يقرأ عليّ شعر لا أفهمه: إما لعمقه وتحجب مواقع الفتنة فيه، أو لأنه خبط عشواء.
هنا تحط على وجهي طبيعة الصخور، أو سبات الماء الآسن، فأحرج أمام نفسي، وألعن الشعر والشعراء، بادئاً بالمهلهل.
هل يقبل وصف الشعر باللؤم؟
هذا ما سوف يرفضه الشعراء اللؤماء.
|