Sunday 8th August, 1999 G No. 9810جريدة الجزيرة الأحد 26 ,ربيع الثاني 1420 العدد 9810


حوارية السحابة والموسيقا
مناقشة قصتين لـ (محمد المر)

تنبسط التفاصيل في عالم (محمد المر) وتسجل واقعها بتصويرية مكانية تطغى على الفضاء النصي، تنقد واقعها في بنية محكية يتسلسل افقها الزماني متقاطعا مع حوارية الشخوص الكاشفة عن المحيط البيئي كبؤرة يركز عليها (المر) محملا شخوصه الحياد او السلبية او الفعل المقارن العاكس للخلفية الجوانية للمعرفة المتملكة من قبل الشخصية.
فضمن هذه الوحدة الاسية تتحرك الصيغة الحكائية متجاورة مع متنها ومتوازية طردا معه ايضا، فهي لا تنحرف بدوالها، بل، تجعلها افقية مع عناصر القص الاخرى، وهذا ما يتراءى لنا في قصتي (الدب الموسيقي) (1) ، و(سحابة صيف) (2) .
فكيف حرك الراوي/ المر ذاته في بنيته السردية المتداخلة مع الرؤية من خارج ودرامية وصف هذه الرؤية مع الفضاء المكاني,,؟
ينمي القاص (المر) تحولات الصراع بين العالم والذات من خلال القصة الواقعية الملتقطة للحياة المجاورة للنص، والمبثوثة فيه، بحيث تغدو البنية الحكائية والبنية المحاكاتية صيغة كبرى للخطاب، تتوزع الى صيغ صغرى بسيطة، متجاورة خطيا في علاقاتها القائمة بين الاحداث اليومية والوقائع المعاينة من قبل القاص - الشاهد في قصة (الدب الموسيقي)، والقاص - الراصد في قصة (سحابة صيف) المبنية على ركائز جسمت حالة اجتماعية من خلال حوار ديالوجي شابك ما يدور في جوانية الاشخاص (الأم وابنتها وابنها) كما شابك الموضوع (زوج البنت) كشخصية غائبة وضعت من خلال الحوار في مجال تبشيري انطلق منه محور القصة، ليكشف عن طريقة التفكير المنقسمة الى:
أ)- الطريقة الواعية في الدخول على الامور الحياتية وتبيانها وهذا ما تمثله شخصية (جمال) أخ الزوجة.
ب) - الطريقة المستلبة والقاصرة في التعامل مع اللحظة المعاشة وهذا ما تمثله شخصية (حصة) الزوجة والأم.
وضمن هاتين البوتقتين تصارعت افكار الشخصيات حول (خالد) الزوج الذي اضطر للبقاء قرب والدته المريضة، رغم ان زوجته في الايام الاخيرة من شهرها التاسع.
تدور القصة في تحولات قضية اجتماعية يضيئها (محمد المر) مبتدئا بحدث الولادة , فالزوجة تلد وزوجها غائب,, بينما امها واختها الكبرى تجلسان قربها في المستشفى الذي ما ان يدخله اخوها (جمال)، حتى تبدأ اللحظة المسرودة تداعياتها، وتتابعها، وتناميها من خلال الحوار المتدرج بين الاخت واخيها وتدخلات امها التي بدأت تشعل الشرارة السلبية بين البنت وزوجها الذي لم يحضر الولادة ولم يأت ليطمئن عليها حتى الآن:
(قالت والدتها بحنق ساخر: لا يوجد فرعون في هذه الدنيا الا خالد، الزوج الذي ابتليت به هذه المسكينة), ثم يقدم القاص بعض التقاليد والتصرفات التي يقوم بها الزوج حال ولادة زوجته وذلك على لسان حصة التي توافق على كلام امها: (- كيف تنحاز له يا جمال ضد اختك ، انه انسان اناني متكبر متغطرس فاقد لكل احساس وشعور طيب، شهر كامل في ابو ظبي ولم يتصل بي الا مرتين لكي يعنفني ويهينني ويذلني), صفات تتراكم على لسان الزوجة التي تؤكد لها اختها الكبرى بانه لا بد وان يكون مع خطيبته - قريبته تلك التي خطبها قبل ان يتزوج حصة .
وتزداد الاشكالية النفسية ويتوتر الحوار، ويتدخل القاص بين دلالة واخرى ليصف المحيط وحركية الفعل لشخوصه، والتفاصيل المرافقة التي لم تتخل عن مباشريتها,, كل ذلك الى ان يدخل خالد فينعطف التحاور ومجرى السرد والحدث الى مسافة معاكسة توحي بمحبة الزوج للطفل وامه التي تنقض كلامها السابق فتغيرة بشكل واضح, فما بين احتجاجها على كلام اخيها حين قال ان الطفل يشبه والده، وما بين حضور الزوج، نرى ان فكرة الشبه تأخذ منحيين: السلبي/ الاحتجاج، والايجابي: (قالت وهي تشير الى طفلها بلفافته الزرقاء: انه نائم، أليس جميلا؟,, انه يشبهك).
وهكذا ما بين تغييب الزوج وحضوره يظهر لنا القاص المؤثرات الخارجية (المتمثلة هنا بمقولات الاهل) وكيفية فاعليتها في البنى النفسية للشخصية المحور (الزوجة) التي تحذف تلك المؤثرات عند دخول زوجها,, ومن هنا جاء العنوان (سحابة صيف) ليشير الى ما حدث وتراكب في الجمل والمشاهد قبل دخول خالد والاشارة الى زوال دلالات ما قبل الدخول، مرتكزا على اشارات ما بعد فعل الدخول، ومحولها الى اللحظة الحاضرة المشحونة بظلال الوجدان والعاطفة المتبادلة بين الزوجين: اندمج الزوجان في حديث حنون وهامس,، ارادت الام ان تقول شيئا، ولكن جمال سحبها واخته، وخرجوا جميعا من الحجرة الصغيرة واغلقوا الباب وراءهم).
اذا، (سحابة صيف) قصة حاولت ان تحكي واقعا من خلال استنادها على اعادة ترتيبه، اعادة لم تبتعد عن لحظة الواقع الا لتصف دلالاتها بافقية زمكانية تعامدت مع الدلالات النفسية لتكسر رتابة المباشرة وتنزوي معها الى مسافتها الداخلية الصحيحة، تلك المسافة التي رصدها القاص عبر التواءات الديالوج، مما جعل من الحوار عنصرا اساسيا حاملا للحدث الموصف.
ولنا ان نقول بان سحابة صيف (القصة - الحوار)، نص لم يخرج ابعاده عن احاديثها، بل حايث السرد المروي من خلال الرواي المرتب للتفاصيل، ويبرز ذلك خاصة في خاتمة القصة.
لكن ماذا عن قصة (الدب الموسيقي) التي اشتركت بجانب مع اسلوبية القاص محمد المر في سحابة صيف ,,؟
منذ الدوال الاولى للقصة، يجد القارىء نفسه في مكانية واقعية واضحة (المشفى) وتحديدا صالة الاستقبال التي يشرح فيها القاص واقعة بكاء الطفل، متوسلا في رواية القصة ضمير المتكلم المسرود ذاتيا من ذات الراوي وذات ضميره المتحولة مع تفاصيل السرد الى (الجريدة) كوسيلة تقنية اضافها (المر) الى افقه الوصفي الدقيق المتركب من قراءة الجريدة ووصف صالة الاستقبال ووصف حالة الطفل الصغير المتوتر والذي لم يفهم عليه الكبار (الممرضات والعاملون في المشفى),, حيث يتشخص الضجيج العائد بمصدره الى الطفل الذي لم يتآلف الا مع الطفلة ولعبتها (الدب الموسيقي)، الرمز الذي ارتكز عليه (المر) موضحا هدفه من خلاله، حيث الطفولة هي القادرة على اختراق الطفولة اكثر من أي محاولة اخرى,, على هذه الخلفية نهضت القصة الملتقطة لتفاصيل الواقع بوصفه وسرده، ودقتهما المنشغلة كبنية قصصية لم تخرج عن عناصرها الاعتيادية الا في بؤرة الحالة النفسية للطفل كفضاء متحرك داخل الفضاء المكاني الثابت، اما الحيز ما بين الفضاءين، فقد شكل فضاء بيئيا يعكس اللحظة المعاشة بكامل محليتها من خلال القاص الشاهد على شخوصه (الممرضة الفلبينية، الموظفة - الفيلة، الموظفة الهدهد، الطفل المتوتر، الطفلة الصغيرة ولعبتها وجدتها، رئيسة الموظفات، موظف قسم العلاقات العامة,,).
عانت القصة من استطالة وصفية لدقائق الامور، بحيث اتت قصة تسجيلية، نقلت بامانة شديدة ما جرى في صالة الاستقبال، لولا الاستناد على البعد النفسي الذي اضاف للمتن المحاكاتي دلالات ساعدت على تنامي الصراع القائم بين سيطرة المكان كفضاء، وبين الذات الراوية كمتكلم مراقب لما يجري، وذلك ضمن حالة متذمرة وسلبية بحيث لم يشارك في محاولة اسكات الطفل، مما جعل الراوية، شخصية ناقلة للاحداث ، ومن خلالها مرت توصيفات البنية المكتوبة التي استقرت في خاتمة القصة: (اثناء انتشار الموظفات للبحث عن اهل الطفل الاسمر الذي استمر في صراخه المنغم وانشغال رئيسة الموظفات والموظفة/ الهدهد مع المراجعين الكثر، كانت الطفلة الصغيرة التي تجلس مع جدتها قد اخرجت من الكيس الذي كان في يدها لعبة على شكل دب يحمل مجموعة من الآلات الموسيقية، نظرت الطفلة الى جدتها، كانت المرأة العجوز تهنأ بغفوة على كرسيها غير عابئة بصوت المكنسة الكهربائية او بصراخ الشيطان الصغير، نزلت الطفلة عن كرسيها ومشت حتى وصلت بالقرب من مصدر الازعاج والمشاكل، جلست على ارضية المستشفى الرخامية، وبعد ان ملأت الدب بوساطة المفتاح الحديدي الموجود في ظهره وضعته على الارض، اخذ يمشي حولها وهو يحرك رأسه ويدق طبله وصاجاته وينفخ بوقه ويهز ذيله، اخذ الطفل الباكي ينظر الى جارته الصغيرة وهي تلعب مع دبها، بدأ صوت بكائه يهبط تدريجيا، الطبقة العالية لصوت بكائه والتوتر النفسي المصاحب له لم يكن من الممكن ان يتوقفا عن البكاء والصياح، وجلس مع جارته الصغيرة وأخذ يشاركها في لعبها مع الدب الموسيقي وهما يمرحان بسرور واضح).
للقارىء الحصيف ان يكتشف كيف لخصت القصة نفسها في هذه الخاتمة، فلو استغنى القاص عن بعض الاستطالات السردية والوصفية المحشوة في وسط القصة، لكانت النتيجة نصا تكاملت وقائعه وابتعدت بضجيجها المباشر الى اضافة صمت مشحون بتوتر الطفل النفسي المهمل من قبل اهله، ولاختصرت تصوير الجزئيات وسحبت من فضائها الشروح والتفسيرات وحالة الملل التي اضجرت الذات الساردة والتي كانت البوتقة لتوصيل هذا الضجر وعدوى الضجيج الى القارىء.
(1)- كتاب في جريدة رقم 5 / آذار 1998/ محمد المر/ الدب الموسيقي/ ص 7.
(2) - مجلة الآداب/ العدد (1 -2) 1998/ السنة 46/ ص 103/ محمد المر/ سحابة صيف.
غالية خوجة

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved