التطبيق والتكامل في التعليم د, عبدالله فهد اللحيدان |
شهد العالم توسعا لا مثيل له في التعليم في القرن العشرين, واختلف المنظرون حول أسباب هذا التوجه, فبعضهم ارجعه الى عوامل اقتصادية تتعلق بحرص دول العالم على التنمية والنمو الاقتصادي والاجتماعي, وارجعه آخرون الى عوامل سياسية تتعلق بظهور الدولة الوطنية وما استتبع ذلك من ظهور مفهوم المواطنة والمواطن الذي له حقوق وعليه واجبات ووجوب الولاء للدولة الوطنية امام تنافس دولي حاد,, والثابت ان دول العالم الثالث اتجهت للتوسع في التعليم بعد الحرب العالمية الثانية من اجل تحقيق كلا الهدفين اللذين يصبان في النهاية لمصلحة الاستقرار والتنمية ولمصلحة الفرد والمجتمع, انما الملاحظ انه وبالرغم من مرور عشرات السنين من التوسع في التعليم لم تتحقق معظم الاهداف الرئيسية من التوسع في التعليم, لقد ازدادت نسبة المتعلمين الى ارقام عالية لكن هذا لم ينعكس على تطور الاقتصاد ولا على استقرار الاحوال السياسية في كثير من دول العالم الثالث,, والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو لماذا لم يؤد التوسع في التعليم الى التنمية المرغوبة؟ لماذا لم يؤد التوسع في التعليم الى تغيير وتحسين سلوكيات ابناء مجتمعات العالم الثالث والى تطوير الاداء الاداري والاقتصادي؟ لا شك ان هذا الفشل او لنقل عدم النجاح الكامل يعود لاسباب عديدة منها الاجتماعي ومنها الاقتصادي ومنها السياسي وغيرها,, ولكن ما يهمنا طرحه هنا هو الجانب التعليمي, وفي هذا الجانب اعتقد ان عدم النجاح نابع من الفصل والفجوة الموجودة بين ما يدرس ويقرأ في الكتب وما يطبق ويجده الانسان في الحياة,, لقد تعود الطالب ان ما يدرسه في المدرسة ليس له علاقة بحياته بشكل مباشر,, فهو قد يدرس مثلا تفصيلات تاريخية لا تمت الى عصره بأي صلة ونتيجة للاستغراق في التفاصيل والاسماء والتواريخ تجد الطالب قد فقد الصورة الكلية وبالتالي تحولت مادة التاريخ على سبيل المثال - وهي من اهم المواد في التنشئة السياسية والاجتماعية - الى اسماء وارقام ليس لها علاقة او لا يدرك الطالب علاقاتها بحاضره.
أمر آخر وهو عدم وجود انسجام وتكامل بين المواد التي يدرسها الطالب داخل المدرسة، اي ان المشكلة ليست فقط في انفصال المدرسة عن الواقع بل هي انفصال الدرس والحصص والمواد عن بعضها البعض، فعلى سبيل المثال هناك فصل بين مادتي التجويد والتلاوة,, فتجد الطالب يدرس قواعد التجويد ويختبر فيها على انها مادة منفصلة، كذلك يدرس تلاوة وحفظ القرآن الكريم على انه مادة اخرى لا علاقة لها بالاولى, ونتج عن هذا مشكلة اخرى وهي ان فصل التجويد كمادة مستقلة يجعل مؤلف الكتاب والموجه والمدرس يضطرون للدخول في تفصيلات قد لا يحتاجها الا الطالب المتخصص لملء الفراغ ولكي يكون لهذه المادة منهج وكتاب, وهذا يحدث ايضا في تدريس اللغة العربية حيث يتم تدريس مادة القواعد كمادة منفصلة مما يعني الدخول في تفصيلات لا تهم الا الطالب المتقدم والمتخصص, وكذلك تجد الطالب لا يطبق ما درسه من قواعد للغة العربية عند القراءة والكتابة ناهيك عن الحديث, وفي اعتقادي ان معاهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها قد نجحت في تعليم غير العرب قواعد العربية من خلال القراءة والكتابة اكثر من تدريسها للقواعد وتفصيلاتها, ومن خلال القراءة والكتابة يتعلم الطالب ليس فقط قواعد اللغة العربية بل ايضا يكتسب معلومات ثقافية عامة واطلاعا جيدا على مواضيع مختلفة, لعل الامثلة التي سقناها تتعلق بمواد التربية الاسلامية واللغة العربية والتاريخ وهي المهمة في اعداد المواطن الصالح الذي اذا تزود بالعلوم الطبيعية والادارية والرياضية تتحقق اهداف التعليم بالكامل ولا شك ان التطبيق هام في هذه العلوم ايضا، وهذا لا يبدو ان هناك اختلافاً عليه.
إن ما نحتاجه الآن هو الانتقال من مرحلة التلقين الى مرحلة التطبيق, ان المعلومات النظرية التي نتلقاها سننساها اذا لم نطبقها,, ان خلق المواطن الصالح لا يتم من خلال تخصيص مادة للتربية الوطنية يتلقى الطالب من خلالها مزيدا من الاسماء والارقام بل يتم من خلال اعادة تصميم مادة التاريخ لتركز على الصورة الكلية لتاريخنا منذ بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وحتى الوقت الحالي, التركيز على الصورة الكلية والمراحل الاساسية اكثر من التركيز على اسماء وارقام, وبذلك تتحول مادة التاريخ الى دراسة لوقتنا الحالي من خلال فهم الخلفية التاريخية له، كما ان دمج مواد اللغة العربية مع بعضها البعض سيجعل الطالب يطبق قواعد اللغة على القراءة والكتابة والتحدث مما سينتج اطباء ومهندسين واداريين وفنيين اقدر على التعبير بل اقدر على الفهم والتفهيم والابتكار عن ذي قبل.
|
|
|