Thursday 5th August, 1999 G No. 9807جريدة الجزيرة الخميس 23 ,ربيع الثاني 1420 العدد 9807


قراءة الرواية
مدخل إلى تقنيات التفسير

تأليف: روجر ب,هينكل
ترجمة: د, صلاح رزق - عرض : د, مصطفى رجب
صدر نهاية شهر مايو 1999 عن سلسلة آفاق الترجمة التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة كتاب قراءة الرواية لأستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة براون روجر هينكل، وهذا الكتاب يقدم لنا منهجاً محكماً ومدخلاً للتقنيات الرئيسية في تفسير القصة, فالتقنيات النقدية المقدمة في هذا الكتاب يمكن تطبيقها على كل رواية نقرؤها: ما الذي نبحث عنه؟ ما الذي ينبغي التقاطه وتدوينه؟ كيف نحدد التيمات الهامة في النص؟ يجيبنا المؤلف على كل هذه الأسئلة وأكثر منها بين دفتي الكتاب الذي بين أيدينا, ويتكون الكتاب من 335 صفحة من القطع المتوسط ويضم بين دفتيه سبعة فصول يسبقها تعريف بالمؤلف ومقدمة للمؤلف وتقديم للمترجم.
وتبدأ الفصول بفصل عنوانه كيف نقرأ الرواية؟ وفي هذا الفصل يقدم لنا المؤلف مدخلاً جميلاً حتى يتسنى لنا أن نقرأ العمل الأدبي قراءة صحية صحيحة، فالهدف من وراء هذا الفصل -وأيضاً الكتاب ككل- هو أن يمد لنا يد العون من أجل أن نصبح قراء محنكين للأعمال الأدبية.
ويطرح لنا المؤلف تصوراً منهجياً لقراءة الرواية قراءة من شأنها أن تعيننا على استمداد اقصى ما يمكن استمداده من العمل المقروء.
ولا شك أن مما يزيد متعتنا بقراءة رواية أن نستبين المرامي الكامنة وراء ذلك النسق الخاص للحدث، ونلمس الآثار التي أثمرها نمو الأحداث على هذا النحو، لأننا سوف ندرك حينئذ ما كنا ننشده من وراء متابعتنا لأحداث الرواية بطريقة أشد جلاء، ونحسه على نحو أعمق.
فمما يعظم تقديرنا للرواية ويزيدنا بها إعجاباً أن نطرح رسالتها من خلال منظور أوضح، ولو لجأنا إلى إحدى الروايات التي نهرب من خلالها إلى عالم خيالي نغرق فيه أنفسنا حين تبدو الحياة من حولنا معتمة خانقة لا تكاد تحتمل، فإننا سوف نكتشف أن الرحلة عبر الخيال أكثر إثارة وتقبلاً، حيث نجد أنفسنا -لاشعورياً- متجاورين تماماً كما هو شأننا بعد دراسة البنية الخاصة بإحدى الروايات مع الوسائل الفعالة التي يستخدمها روائي حاذق, كي يفجر تزوعاتنا الخفية ويستثير مخاوفنا ورغباتنا الدفينة, ويضرب لنا المؤلف مثلا على ذلك رواية أليس في بلاد العجائب .
ولو أننا تنبهنا إلى أن هذه الرواية تجسد عملية الحلم الإنساني، وأن الشخوص الروائية يمكن أن تمثل مخاوف المؤلف ومفاهيمه وأخطاءه، وأن مشاعر الخشية من الجنون والانفلات من المسؤولية تتنامى بوضوح خلال الكتاب، إذا وعينا ذلك كله، فإن رحلتنا مع بلاد العجائب سوف تقودنا إلى دلالات شخصية خطيرة, وإذ ذاك لن نرضى لأنفسنا أن نكون كسولين سلبيين لا نستطيع تحديد القوى والمغريات وضروب المستحيل التي تجتذبنا,, وعندئذ نذخل عالم العجائب عارفين مم نهرب إلى ذلك العالم وما الذي يجذبنا إليه.
ويتضح أن نقطة تركيز المؤلف منصبة على تلك العلاقة التي ينسجها القراء وينمونها مع المؤلف ومادته المقدمة، كما تنصب على الأدوات التي يستخدمها الكاتب الماهر في تشكيل تلك العلاقة وثمة خصيصة مميزة للرواية باعتبارها شكلاً فنياً تتمثل في كونها تتطلب نوعاً من الحركة الترددية دخولاً وخروجاً في العالم الروائي, ويحدث أحياناً أن ننغمس في أحد الكتب كي نفقد أنفسنا خلاله، كي نهرب بأنفسنا بعيداً عن عالمنا اليومي ورتابة أحداثه المتكررة الجامدة حيث نضطر دائماً إلى اتخاذ قرارات أخلاقية، وحيث نضطر دوماً إلى ضروب من المواءمة والتكيف ومراعاة رغبات الآخرين ومطالبهم.
وفي الفصل الثاني الذي بعنوان أنواع الرواية يقدم لنا المؤلف أنماطا روائية مختلفة، وحاول تبيين قيمتها التاريخية وتحديد نوعها، ويقترح أربعة أنواع أو أنماط رئيسية هي:
1- الرواية الاجتماعية 2- الرواية النفسية 3- الرواية الرمزية 4- الرواية الرومانسية الجديدة.
فقد يكون الاهتمام في بعض الروايات منصباً على النمط العقلي والشعوري لشخص ما، وقد ينصرف الاهتمام في روايات أخرى إلى الطبيعة الخاصة بمجتمع ما، أو العناية بفكرة فلسفية مجردة, وثمة روايات تكون واقعية حيث تبلغ الشخصيات فيها درجة من التعقيد تؤهلهم لأن يكونوا شبيهين بالأشخاص الحقيقيين في الحياة من حولنا, في حين أن روايات أخرى تركز على العالم الداخلي الذي يبدو خارقاً للطبيعة أو غير سوي على نحو ما ولو أننا سلكنا إلى جميع الروايات مدخلاً واحداً متوقعين أن يكون الاهتمام منصباً على أشياء محددة بأعينها في كل مرة، فلسوف نجد أنفسنا مستغرقين فيما لا طائل وراءه.
وفي الفصل الثالث البناء والحبكة حدد المؤلف بإيجاز القوى الفعالة التي يمكننا استناداً إلى الاختبار التطبيقي للأسس البنائية واكتشافها في كل رواية تقريباً,, وكلما اتسعت دائرة قراءتنا اكتسبنا إدراكاً أعظم لطبيعة العوالم الخيالية المتنوعة، وازداد رصيدنا المعرفي الخاص بأنماط القصة وأنواعها المختلفة خصوبة وثراء، وأصبحنا أكثر حساسية تجاه أي محاولة للتلاعب بتوقعاتنا ورغباتنا من أجل الشخصيات القصصية, ومثل تلك العوامل حرية بأن ترشد استجاباتنا وتقودها لا شعورياً في جميع الروايات.
وفي الفصل الرابع السرد ومنظور القصّ يتناول المؤلف المنظور القصصي وطريقة سرده بدراسة مستفيضة فمن الوارد أن نواجه -في شأن الرواية- صعوبة في إدراك بواعث شخصياتها وعواطفهم، أو تبيّن صورة واضحة لما يحدث بالفعل، ذلك لأن المؤلف يكون قد نهض بمهمته في بلورة الأحداث، وحدد لنا من بينها -ومن بين ضروب الأفكار والمشاعر المقترنة بها- ما يعد أكثر دلالة وتشويقاً, ونادراً ما يقحم الراوي بعض الأحداث التي تبدو غير ذات صلة بالموضوع أو بعض العناصر المبددة للانتباه ولذا يعرض علينا - أو على الأقل يعطينا بعض الاقتراحات المعينة - ما نحتاج إلى معرفته لتحقيق فهم أكمل للحياة المقدمة خلال الرواية, ومع ذلك فإن هذا لا يعد القاعدة المطردة في كل الأحوال، لأن الروائيين المحدثين يعمدون إلى تصعيب الأشياء التي من شأنها أن تكشف الطبائع الحقيقية لشخوصهم، أو تلك التي يفترض انها حدثت بالفعل, ويبدو أنهم يرمون -عمداً- إلى تشكيلنا بحيث نتواءم مع الغموض والالتباس.
وفي الفصل الخامس الشخصيات الروائية يذهب المؤلف إلى ما نتوقعه ونرجوه مما يمكن أن يصدر عن بعض الشخصيات الرئيسية في الروايات يشكل أحد أسس بناء هذا الجنس الأدبي.
فغاية الرواية -باعتبارها تعبيراً فنياً- هي تجسيد الحياة الإنسانية على نحو أعمق وأخصب، على حين أن بعض ضروب التعبير الفني الأخرى تتجه إلى منظور واحد شأن اللون في الرسم والتوترات المثيرة في الموسيقى، فضلاً عن أن بعض اشكال التعبير الأدبي الأخرى- كما هو الشأن في الشعر- قد تعني باللغة قدر عنايتها بفهم الحياة الإنسانية.
ومن ثم كان التشخيص هو محور التجربة الروائية، وكانت الغاية الأساسية من إبداع الشخصيات الروائيةهي أن تمكننا من فهم البشر ومعايشتهم, وهناك عدة عناصر تشخيصية تيسر للمؤلفين توصيل خصائصهما الإنسانية وتأخذ بأيدي القراء نحو فهم المضامين الإنسانية لتلك الروايات وهذه العناصر -التي ذكرها المؤلف- هي:
- مدى تعقيد التشخيص.
- مدى الاهتمام الذي تستأثر به بعض الشخصيات.
- مدى العمق الشخصي الذي يبدو أن إحدى الشخصيات تجسده.
إن الشخصيات الرئيسية في الرواية ترسم وتمنح تميزها من خلال هذه الوسائل, فيبدو من الطبيعي ان يستثير الناس المعقدون اهتمام القراء وأن يكونوا شغوفين بمعرفة ما يجعلهم مثيرين للالتفات أو مميزين عن سواهم, فإحدى ميزات الرواية -كما يقول المؤلف- تكمن في أنها تتفوق على الحياة الحقيقية في القدرة على اجتذاب القراء إلى أعماق وعي الناس الذي قد لا نجد سبيلاً آخر لفهمهم فهماً كاملاً, إن اهتمامنا ينصرف بقوة إلى الشخصيات المعقدة لأن تجربتنا عبر القراءة والعالم مطروح تقودنا إلى أن نتوقع من الأحداث أن تحقق تغيراً من نوع ما في الشخصية، وأن الناس المعقدين الذين ترتد تصرفاتهم إلى مجموعة متداخلة ومركبة من الدوافع والعواطف هم مظنة التعرض لأبرز التغيرات الملحوظة.
وفي الفصل السادس المشهد يذكر المؤلف أن أكبر إغواء يمكن أن يتعرض له التفسير الأدبي للقصة يتمثل في فرط الانشغال بالعالم الأسمى للأفكار, والصورة الكلاسيكية للمناقشة الجادة حول الأعمال القصصية العظيمة في الأدب الغربي تتمثل في مجموعة من القراء الذي تجمعوا حول مائدة مكتظة وراحوا يتجادلون في حماسة وحدة حتى ساعات الليل المتأخرة حول المعنى في بعض الروايات.
وغاية المؤلف من هذا الفصل كما يبدو واضحاً تتمثل في جعل القارىء يستبين ما يمكن أن يتعلمه من طرح اسئلة مباشرة صريحة حول محتوى الوقائع أو الأحداث الفردية في هذه الرواية أو تلك.
إن الأخلاق والدين والفلسفة والطبيعة الإنسانية والحب والموت وتفسخ الحضارة الغربية، وهي العناوين الكبرى التي تشغل الروائيين العظام، هي ما نحب أن نستخلصه من الكتب ونلهج بالحديث عنه وغالباً ما تتخذ المناقشات الدراسية من حول الأدب لنفسها تلك الوجهة حيث تصبح -عند نجاحها- نوعاً من التفاعل الذهني المثير للإعجاب.
فالمشهد يدعم المضامين الأخرى في الرواية حيث يرتد إلى الخلف كي يستدعي أحد المشاهد التي تسهم بنصيب كبير في بلورة معنى العمل, ويسير المشهد -على نحو لولبي- ليلمح إلى ما تعني به الرواية من قيم صورية ودلالية، واعتماداً على مثل هذا الحدث من أحداث الذروة يمكننا تتبع المسارات اللولبية, إن المشهد الذي ينتمي إلى هذا النوع لا يقدم اختباراً جدياً للشخصيات، أو يصنع طبائعهم ومواقفهم داخل دائرة التركيز الحاسمة فحسب، ولكنه يقود بحثنا عبر الرواية على النحو الذي يمكننا من اقتفاء آثار موضوعاتها ونماذجها، كما أنه يحدد الخطوط العريضة التي سوف يتم السير عليها فيما بعد.
ولا يقل ذلك أهمية أنه يهيئنا -على حد قول المؤلف- للعمل انطلاقاً من نقطة محددة في سياق الحدث والموقف، وتلك خصيصة ينفرد بها المشهد الجوهري في إتمام تفسير أي مشهد من مشاهد الرواية ونستطيع الآن أن ندرك التفاعلات الدقيقة في العناصر الروائية، ويمكننا أن نبدأ في تنظيم حديقتنا المتشابكة الأغصان من الموضوعات والتوظيفات والأسس البنائية.
وفي الفصل الأخير يتحدث المؤلف عن اللغة التي هي بالطبع أداة الأدب القصصي، وهذا أمر يبدو مفهوماً بالقدر الكافي، أما ما لا يبدو مفهوماً بالقدر نفسه، أو لا يلقى العناية الكافية، فهو الطرية التي تصوغ بها اللغة تلك التجربة التي يشترك فيها أثناء القراءة.
فيبدو من الصعب أن نصوغ خطوطاً إرشادية معينة يمكن ان تكون ذات جدوى في تفسير دور اللغة في حكي القصة, وتوصيل المحتوى القيمي والوجداني لرواية من الروايات, إن الفروق اللغوية الدقيقة بالغة التنوع والمغايرة من كتاب إلى آخر، بل داخل العمل الواحد، وثمة عوامل شديدة التعقيد تسهم في ذلك على نحو ما نرى في التنوع الدلالي, فهناك المعنى الصريح المباشر أو الإرشادي التقريري وهناك المعنى الضمني البعيد، حيث نجد فكرة معينة تبدو واردة تستدعيها لفظة أو تقترن بتلك اللفظة فضلاً عن معناها المباشر.
كما أن من هذه العوامل مستويات الخطاب اللغوي، وإيقاع الجمل، واصوات اللاشعور، وضروب المغايرة في التركيب النحوي وبناء الجملة.
إن الرواية -باعتبارها شكلاً فنياً متميزاً- تبدو في الأعم الأغلب، أميل إلى تفصيل اللغة القادرة على النهوض بمهمة التوصيل، لغة التواصل التلقائي، حيث تكون مهمة الكلمات أن تنهض -إلى حد كبير- بدور أداة نقل التجارب والأفكار إلى القارىء خلال العالم القصصي.
إن ميزة الروائي الحديث لا تنحصر في كونه يولي اهتماماً عظيماً لوسيلته في التعبير، ولكن كونه يكتشف، وهو معني ببلوغ الغاية في ذلك الصدد، موضوعاً جديداً وعظيماً, وتتنامى خيوط المعنى الكامن في التجربة المقدمة مع اطراد مسيرة الصياغة اللغوية التي يجب أن يتجسد من خلالها ومثل ذلك التنامي صوب المعنى الأخصب لا يتم من أجل الفنان فحسب، ولكنه يتم كذلك من أجل القراءة عندما تأخذ هذه اللغة طريقها إلى القراء.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved