وحدها النخلة تتبرج في حضرة القيظ، وتبذل له عذوقها ورطبها ليعطيها اسراره ولواعجه، تلك اللواعج الملتهبة التي تفر عنها المخلوقات وتختبىء عن شهور صيفية صارمة وتظل النخلة تهيىء اوانيها (لطباخ التمر) تأهباً لمواسم آخر الصيف.
والجميع يختار ان ينكمش في الصيف ولا تتمدد سوى النهارات الصيفية القائظة والتي تفر عنها زهور الحدائق مذعورة خائفة مهما رششناها بالماء والاسمدة الكيماوية.
وفي ظل (قانون الانكماش) قد يطيب للكاتب ان ينخرط في هذا التراجع الكوني الكبير هرباً من هذه الغضبة الشمسية العارمة, حسناً لن اوظف هنا (الكليشة) المعروفة والتي يتداولها الكتاب عادة من انني غادرت الكتابة ولكنها لم تغادرني او ان الكاتب هو صاحب المهنة الوحيدة الذي لا يمتلك اجازة فهو في حالة تأمل وفلسفة دائمين في حضرة السيدة الكتابة ذات (الانف الطويل) التي تدسه في جميع الأمور والملابسات.
لأن هذه النظرة المثالية للكتابة قد لا تتوافق تماماً مع الواقع وتطابقه فلحظة الحرية الوحيدة التي قد نفوز بها هي لحظة الكتابة والحرية تعني الخيار الذي يتطابق مع الارادة وتمامها، فاذا كانت الارادة قد غيرت عناوينها واقفال ابوابها حتى لا تصل اليها السيدة الكتابة ذات الأنف الطويل، فسينخفض مستوى هرمون الادرينالين في دم الكاتب الى مستوياته الدنيا، وسيتوقف عن محاكمة العالم وفلسفته وتسويغه وتبريره والصراخ في وجه القبح والزعيق ضد البشاعة وجميع محاولاته البائسة من اجل الأجمل تلك المحاولات التي تشبه من ينقش بإبرة ليغير معالم جبل!!.
هل يكفي ما سبق لتبرير اجازة الكاتب وموقفه الحاسم ازاء طواحين الهواء التي يصارعها على اعتبار انها شياطين ومردة.
تلك الواحة الخضراء السرية النائية والتي يرتادها الكاتب كي يكف عن محاكمة الاشياء حوله بل يسلم نفسه للتيار الكوني باطمئنان متبلور وناصع كحبات البرد حيث لا تقف الاضداد تجاه بعضها في حالة نفور، ولا يبقى الابيض في حالة صراع دائم مع الأسود، ولا الليل مع النهار ولا الشامل مع المحدود بل جميعها تندغم معاً وتتمازج لتكون تلك السكينة التي تطوق ارجاء الواحة الخضراء التي قد يختار الكاتب ان يختبىء فيها ذات صيف بعيداً عن انف السيدة الطويل.
أميمة الخميس