Sunday 1st August, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 19 ربيع الثاني


من الإرهاصات إلى النظرية (2 -2)
حسين المناصرة

تتداخل رشيدة بنمسعود في الفصل الاول من كتابها (المرأة والكتابة: سؤال الخصوصية/ بلاغة الاختلاف) مع امتداد ابداعي نسوي منذ العصر الجاهلي الى منتصف القرن العشرين، وهذا الامتداد كله، من وجهة نظرها يشكل ارهاصات النظرية التي نشأت فعليا في الثقافة العربية بعد الخمسينيات من القرن العشرين.
وبداية تشير الباحثة الى ان المرأة شغلت في الماضي دورا مهما في الابداع، لكن ابداعها لم يكن بمستوى التاريخ لشعر الرجال، ومع ذلك تعد الخنساء، وليلى الاخيلية وسكينة بنت الحسين، وولادة بنت المستكفي، وادب الجواري ارهاصات مهمة في مرحلة ماقبل النهضة.
ومع النهضة تتحدث الباحثة عن قضية المرأة في سياقين: سياق مرحلة تذكير قضية المرأة على أيدي رفاعة الطهطاوي، وسياق مرحلة تأنيث قضية المرأة على ايدي عائشة التيمورية، ومي زيادة، ونبوية مصطفى، ولبيبة هاشم، وملك حفني ناصف وهدى شعراوي، ومنيرة ثابت، ودرية شفيق,, وتعطي الباحثة نشأة القصة المصرية، وقضية المرأة في المغرب خصوصية بحثية.
والاشكالية التي نود ان ننبه اليها هنا هي ان تحقيب مرحلة ما قبل النظرية النسوية يجب الا تحمل اكثر مما تحتمل، مع كوننا نتفق الى حد كبير مع امكانية اعادة قراءة التراث النسوي قراءة جديدة، وفي ضوء القراءة النقدية النسوية تحديدا التي تعتد بانها تحمل رؤى وجماليات نقدية لم يوفرها النقد الادبي في عمومه.
وفي الفصل الثاني من الكتاب الذي يعالج نظرية الكتابة النسوية، تتحدث الباحثة عن مصطلح الكتابة النسائية بين القبول والرفض في الثقافة العربية، وتجد الرفض يعم البنية الادبية، والقبول يخص بعض الاشكاليات، اذ الرفض لهذا المصطلح لا ينفي وجود خصوصية الكتابة النسوية من خلال الرؤية الخاصة للمرأة، ومن خلال الوضع الخاص الذي عاشته المرأة في ظل المجتمع، وفي مقابل هذه الخصوصية يجيء الرفض لكي ينفي وجود خصوصية فنية او جمالية عن طريق استخدام قوانين اللغة, وهنا تقدم الباحثة آراء يمنى العيد، وحسام الخطيب، وجورج طرابيشي، وغادة السمان، واملي نصر الله، وخناثة بنونة، ومليكة العاصمي في سياق رفض وجود كتابة نسوية خاصة، والاقرار بان كتابة المرأة كتابة ادبية، انسانية تتشارك فيها مع الرجل، دون الغاء وجود خصوصية اجتماعية تاريخية غير ثابتة لهذه الكتابة كما اسلفنا.
والباحثة من جهتها تتبنى الميل الواضح الى التنظير لوجود كتابة نسوية خاصة ومختلفة عن كتابة الذكور، وتؤيد موقفها هذا من خلال دراسة للفوارق في استخدام اللغة بين الجنسين، حيث تستعرض الكثير من البؤر اللغوية التي تفرق جذريا بين الرجل والمرأة، فتبني خصائص فوقية للمذكر، مقابل خصائص دونية للمؤنث,, وتعمد الى توظيف شواهد المعجم التي تحيل الرجل الى دور انتاجي خلاق مهيمن، والمرأة الى دور الطعام والبطالة والجسد, وكذلك تستخدم شواهد نحوية تركيبية ، مثل ان يكون لحن ابنة ابي الاسود الدؤلي هو الخطيئة النسوية الاولى التي اسست للنحو العربي، حيث التركيز كان على خطأ البنت/ الانثى دون الذكر، ومثل ان يخصص النحو بابا للمؤنث الطارىء دون المذكر الذي يعد الاصل في اللغة,, لتصل الى كون النظام اللغوي لعب دورا اساسيا في تصنيف الجنسين تصنيفا تمييزيا.
وتخلص الباحثة، من استعراضها لتاريخ ابداع المرأة، وصورتها في اللغة وتنظيرها لجمالية خاصة بالكتابة النسوية الى تأكيد الافكار التي شاعت عن كتابة المرأة، لتغدو هذه الافكار من خلال توظيفها لنظرية الابلاغ التي حددها رومان جاكبسون في ستة عناصر اساسية (المرسل، والمرسل اليه، والرسالة، والسنن، واداة الاتصال او الصلة) بوصفها منهجية توظفها لتحديد بعض الخصوصيات في الكتابة النسوية.
ومن ابرز ملامح هذه الكتابة، كما تنتجها في التنظير عن طريق البحث في الثقافة النقدية العربية: الارتفاع النسبي لدور المرسل (المرأة)، والتمحور حول الذات، والربط بين الكتابة والهوية، والمحافظة على الروابط والعلاقات الاجماعية، واتصاف كتابة المرأة بالاطناب والتكرار الممل، وظهور سمات الخطابة والمنبرية والتقريرية، وشيوع اساليب الخواطر الذاتية والاعترافات، وتموج التعبير وتهويمه في مستويات متوترة، ورغبة الكاتبة في الخروج من العزلة وفتح الحوار مع الآخر, تقول الباحثة مركزة هذه السمات المتناثرة: الكتابة النسائية تتميز بحضور الوظيفة التعبيرية التي تتمثل في التركيز على دور المرسل، اي حضور ذات الانثى كمرسلة، مما يعتبر خاصية عامة في الكتابة النسائية، بالاضافة الى ذلك، هناك ايضا، الوظيفة اللغوية التي جعلت النقاد ينعتون ادب المرأة بطغيان التكرار والثرثرة، ويمكن تفسير حضور هذه الخاصية برغبة المرأة/ الكاتبة في تمتين التواصل، وفتح الحوار مع الآخر، والتأكيد على الذات .
وفي الفصل الثالث، والاخير، الذي تقدم فيه الباحثة نموذجها التطبيقي، من خلال قصص المغربية خناثة بنونة تحديدا، تؤكد النتائج التي توصلت اليها فيما بثته تنظيريا للكتابة النسوية، ومجمل نتائجها يتلخص في قوله: فمن النتائج التي توصلت اليها عند بحثي عن النموذج العاملي في قصص خناثة بنونة، ان الموضوع الذي تسعى الذات (الانثى) الى اكتسابه يكون دائما الرغبة في اثبات الهوية، والتخلص من الوضع الدوني، كما ان الرجل في هذه القصص يكون اما معارضا - ونادرا ما يكون مساعدا - يعرقل مسيرة المرأة التحررية، او موضوعا تسعى البطلة العامل/ الذات من خلاله الى تغيير التصور الذكوري للمرأة, ولقد عمل التركيب العاملي بدوره على ابراز صورة البطلة في هذه القصص التي نجدها غالبا، ما تعجز عن تحقيق الموضوع المرغوب فيه نظرا لا فتقارها الى بعض عناصر القدرة، كاستطاعة الفعل، ومعرفة الفعل: مما يؤدي الى فشلها في التجربة التأهيلية، وبالتالي تعجز عن خوض التجربة الاساسية التي تتحدد في اثبات الهوية، وتغيير نظر الآخر لها .
ولعلنا نشير اخيرا الى ان الباحثة حاولت حاولت بطريقة او باخرى ان تبرز السلبيات والمآخذ التي اخذت على الكتابة النسوية في النقد العربي من منظور ايجابي وسمات فنية تشكل جمالية خاصة للكتابة النسوية، وهذا الامر بحد ذاته ان افاد يفيد في اعادة قراءة النقد العربي نفسه قراءة مختلفة تقلب معاييره رأسا على عقب، فما بدا كأنه سلبيات في مقاربة الكتابة النسوية، يغدو ظاهرة ابداعية ايجابية تدعو اية كاتبة الى ان تحتفل بجماليات كتابتها، ان تبنت هذا الوعي الذي لا يلغي حقيقة رفضه واستلابه في الوقت نفسه من منطلق رفض جنسوية الادب.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved