* القاهرة - مكتب الجزيرة - عثمان أنور:
رفرفت أجنحة الخيال على الندوة التي عقدتها مكتبة مبارك العامة مؤخرا حول ادب الخيال العلمي: حيث حلق الحاضرون مع رواد ادب الخيال في مصر والوطن العربي نهار شريف، يوسف الشاروني، الاديبة الكويتية طيبة احمد الابراهيم، الا ان اجنحة الخيال اصطدمت بواقع أدبنا العربي والذي لم يفرق بعد بين النبوءة والفراسة والتنجيم وبين كتابة ادب خيال علمي كما طرحت الندوة تساؤلات اخرى حول مدى تواجد ادب الخيال العلمي على الساحة الثقافية وهل يمكن اعتبار العالم بما يدلي به من تنبؤات وتصورات للزمن القادم على انه عراف أو منجم العصر الحديث.
تحدث في البداية يوسف الشاروني موضحا ان الخيال العلمي نوعان، نوع منه عبارة عن اشياء خيالية ممتعة لكن لا توجد فكرة كبيرة يريد ان يصل اليها المؤلف عن طريق هذا الخيال العلمي وهذه اشياء ممتعة مثل الف ليلة وليلة خيال رائع جميل، ولكن ما يقال بالنسبة إلى الهدف قليل جدا والنوع الثاني هو ادب الخيال العلمي ذو الفكرة وهو ما يريد المؤلف من خلالها ان يصل الى فكرة معينة ولا يمكن ان يصل الى هذه الفكرة الا عن طريق الخيال العلمي او رواية في قالب الخيال العلمي فالخيال العلمي ذو هدف فكري وهو في هذه الحال يصبح ارفع قيمة واشد اثرا وتأثيرا من مجرد اشياء خيالية ممتعة يستمتع بها الانساء فقط مثال على ذلك نوع من الخيال العلمي عبارة عن تنبؤات مستقبلية في مجال العلم او الاختراعات مثلا (هو , ج, ويلز) تنبأ بالراديو قبل اكتشافه وهنا تبدو علاقة الادب بالعمل ومساعدة الادب للعلم عن طريق الخيال الادبي تحدث اكتشافات علمية.
مثال آخر جول فيرن الذي تنبأ بالغواصة وهذا الادب قصير العمر لانه بعد الاكتشاف يصبح ذا قيمة قليلة ولكن مثال ثالث لنوع آخر مثل رواية الدوس هكسلي عالم شجاع جديد والذي تنبأ فيه بتغير الانسان لجينات الوراثة حيث يستطيع ان يخلق عباقرة ويخلق اشخاصا عاديين لتنظيم المجتمع من خلال عدد قليل من العباقرة وعدد متوسط من الشخصيات العادية هذا ما يتحدث عنه العالم كله حاليا, وهذا في رأي الخيال العلمي الذي يهدف الى فكر وفلسفة.
فالخيال العلمي لون من الادب الذي يتطور مع العصر فقد بدأ بالاساطير ومع تغير الزمن وارتقاء العلم والادب بدأت صورة جديدة فالادب يستخدم العلم للوصول الى فكرة معينة.
الأدب والعلم
وعن دور الادب في عصر العلوم قال يوسف الشاروني: الانسان اكثر احتياجا للاديب في العصر الذي يزداد فيه العلم او يسيطر فيه العلم لان الادب في هذه الفترة يصبح ضرورة للانسان حتى لا يحطمه التفكير في شيء واحد كالعلم، ومن هنا استطيع تشبيه الادب بلحظات الراحة الذهنية فلا يمكن للانسان مهما عمل وفي اي مجال مهما ارتفع ان يستمر في هذا المجال فترة طويلة دون ان يستريح، فهذه الراحة يعطيها الادب في اوسع صورة والبشرية حاليا بحاجة الى لحظات الراحة التي تأتي عن طريق الادب كلما ازداد العلم تسلطا على المجتمع ولا يمكن ان نتصور العالم مهما بلغ قدرة من العلم في استغناء عن الادب بأي حال من الاحوال بل يصبح اشد حاجة الى الادب في هذه اللحظات.
النبوءة والخيال
وعن الفارق بين النبوءة العلمية والخيال العلمي، وهل يمكن اعتبار العالم بما يدلي به من تنبؤات وتصورات للزمن القادم على انه عراف او منجم العصر الحديث تحدث نهار شريف رائد ادب الخيال العلمي في مصر موضحا ان الفارق كبير بين ما يتصوره ويصل الى تفسيره وافتراضه عالم من العلماء وبين ما يأتي به ويحدده العراف أو المنجم فاذا كانت بضاعة العراف اللجوء الى التخمين وامتهان الايحاء والتأثير في الخير فان رؤية العالم تختلف عن ذلك كلية وتسمو دائما بمقاصدها واهدافها فمجمل افتراضات وتوقعات العالم تنبني على اسس وطيدة من مادة العلم وبحوثه الشاقة بما تشتمل عليه من فحص واختبار وتجريب ودراسة وقياس وحتى الوصول الى نهايات منطقية بمعنى ان نبدأ من المتاح لدينا من واقع علمي ثابت ثم نتقدم وننطلق وراء الاثارة والخطى المنتظرة والتي تقوم على ذات الحقائق العلمية المعروفة سابقا ولكي نزيد من توضيح الفارق بين نبوءات العلم النبوءات الغيبية للعرافين فلابد ان نحدد كذلك ان الاولى تنبع بالفعل من نواميس الكون وسننه وتنضبط مع قوانينه في حين لا تعتمد الثانية الا على فراسة العراف ومدى حنكته ودهائه في التلاعب بعقول ضحاياه.
وهكذا تفاجئنا النبوءات العلمية بشكل الاشياء ووقعها على البشر وعمق ما تحدثه من تغيير وتشكيل وتطور سواء تم في المستقبل القريب او البعيد وهي تحمل عناصر تكوينها من ذات ما توصل اليه العلماء وارسوه حتى يومنا الحالي واضاف نهار شريف انه منذ البداية حددت ان مطلقي النبوءات العلمية الذين اقصدهم هم العلماء فقط ولم اضف كتاب الخيال العلمي مع انهم الاكثر اطلاقا للنبوءات والسبب اني قصدت بالنبوءات تلك التي لا يلعب الخيال والتخيل دورا كبيرا فيها وهنا يحضرني ان دولا اوروبية وامريكية عديدة لم تفرق بين نبوءات عالم واخر كاتب في الخيال العلمي بينما غالبية دول الشرق لا تزال ترى في كاتب الخيال العلمي صفة الاديب وحدها.
ولعل الاخطر والاكثر ازعاجا في واقعنا الحياتي الان هو اندلاع ثلاث ثورات كبرى طالما افاض العلماء بتصريحاتهم حولها وقد تحققت ثورتان هما الثورة النووية وثورة الحاسبات وبقيت الثورة الثالثة التي نطل على اعتابها الان واقصد بها ثورة الذكاء الاصطناعي التي اوجدت لنا الروبوت والعقول الاليكترونية وماشابهها وهذه تحدث بدورها تطورات متلاحقة في التقنيات وقد تدفع بالذكاء البشري خطوات مهولة للامام وقد تؤدي الى انتكاسة وكمؤنة خاصة في الدول المتخلفة على ان ثمة ثورة رابعة اشد بأسا وهولا من الثورات الثلاث هي في الطريق الينا وهي ثورة الموروثات الجينية او الخلايا الوراثية والتي يأمل الكثير من العلماء ان يتم عن طريقها التحكم في الجنس البشري بعد ان امكن التحكم في الحيوان والنبات والواقع ان انسان القرن العشرين قد خطا باصرار ووعي خطوات جبارة نحو تطوير وتغيير بيئته وحياته وحتى صفات جسده فقط ادعو الله ألا تتجه خطى الانسان الى ما فيه دماره واختفاء كل ما هو جميل ورائع على كوكبه.
الإنسان الباهت
وفي مداخلتها قالت الاديبة الكويتية طيبة احمد الابراهيم عن روايتها الانسان الباهت، والتي تدور حول فكرة تجميد الانسان واعادته للحياة مرة اخرى، انها ليست بالفكرة الجديدة في طرحها ولكن كل الافكار التي عالجت هذا الموضوع اتخذت الواقعية العلمية (التجميد) كحدث علمي ممكن حدوثه ولكن لم تقدم المبررات العلمية التي تجعل هذا الكائن يمكنه ان يستمر في الحياة وانما تنظر مباشرة الى النتائج بعد افاقته والتي تظهر ايضا دون مبررات علمية تقنع القارىء.
اما قصة الانسان الباهت فابتكرت طريقة علمية جديدة هي حتمية احتياج الخلية الحية للغذاء في فترة التجميد.
وتضيف طيبة الابراهيم ان كل قصص الخيال العلمي لم تقدم تبريرات علمية وانما فقط وقائع نتج عنها اثار غير مبررة علميا ومن هنا لابد من المطالبة بتقديم المبررات لاقناع القارىء وحتى يكتمل ادبنا للخيال العلمي على وجه صحيح.
|