Monday 26th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأثنين 13 ربيع الثاني


وجهة نظر
صناعة الثروة
د, محمد يحيى اليماني *

الثروة هدف يسعى اليه البشر جميعا الا القلة القليلة من الناس وهم في سعيهم للثراء على قسمين فمنهم من يرى فيه غاية فمتى ما وصل اليه فإنه بذلك يكون قد حقق سعادته وآخرون يرون في الثروة وسيلة لتحقيق غايات مختلفة, وتتضارب وتتشعب السبل لصناعة الثروة ولكن القليل هم الذين يستطيعون السير في هذه السبل بنجاح ويتساقط الكثيرون على جوانب الطرق المختلفة، وفي جميع الاحوال فإن السير الى الثروة لابد وان تحكمه مجموعة من الضوابط والقواعد التي تعين على السير، لعل من اهمها ان السعي لتحصيل الثروة لا بد وان يكون ضمن الاطر والقواعد الشرعية، وهذا يعني الابتعاد عن المعاملات المحرمة شرعا والغش والاستغلال والاختلاس واكل اموال الناس بالباطل ويعني ايضا مراعاة الامانة والصدق وحفظ حقوق الآخرين سواء كانوا متعاملين معه او يعملون لديه، وقد يرى البعض ان مثل هذه الامور مثالية او ان بعضها قد لا يتلاءم مع طبيعة المناخ الاقتصادي السائد حاليا، ولكن يمكن القول: ان الشخص إما ان يكون مسلما فهو ملزم باتباع اوامر دينه قدر استطاعته واجتناب نواهيه، ولا يمكن بحال تجزئة الاسلام واخذ بعضه وترك الآخر، وإما ان يكون الشخص غير مسلم فالامر لا يعنيه بالكلية.
ولنجاح الشخص في سعيه نحو تحقيق الثروة لا بد وان يحدد الطريق الذي سيسلكه فميول الاشخاص واهتماماتهم تختلف من شخص الى آخر فهناك من يجيد الاستثمار في قطاع العقار مثلا وآخر يحسن الاستثمار في الزراعة او الصناعة وهكذا, وهذا لا يعني ان الشخص يتوجه نحو قطاع ويهمل فرصا استثمارية ممتازة في قطاعات اخرى الا انه في البداية يحتاج الى نوع من التخصص وتركيز الجهد, ومهما كان النشاط الاقتصادي الذي يتخذه الشخص فإن اتخاذ القرارات يفترض ان يكون بناء على دراسة مسبقة تأخذ في الاعتبار الامكانات المتاحة والظروف والمتغيرات الحالية والمستقبلية, ولا يمكن تصور القرارات الارتجالية في اغلب الاحيان إلا احد عوائق النجاح واحد اسباب اهدار الطاقات والامكانات المادية فالموارد المتاحة على اختلاف انواعها للإنسان محدودة جدا لا تحتمل الهدر والاضاعة بسبب قرار ارتجالي لأنها متى ما ضاعت فلن تعود ابدا، ولعل ما يشجع على اتحاذ القرارات الارتجالية الاستعجال في الوصول الى الغايات، وهذا السلوك وان نجح مرة عن طريق الصدفة في الوصول الى الهدف إلا انه يفشل مرات, والبعض يتصور ان اقتناص الفرص المتاحة إنما هو ضرب من القرارات الارتجالية وهذا التصور قاصر فالشخص القادر على اقتناص الفرص شخص ذكي تماما مثل الصياد يظل مراقبا صبورا لفترة طويلة من الزمن ولا يقدم على اية خطوة غير مدروسة تلحق الفشل بمخططه فمتى لاحت له الفرصة وكان احتمال النجاح اكبر من احتمال الفشل فإنه حين ذاك يتخذ قراره.
وعادة ما يتصف الباحثون عن الثراء الجادون بالابتكار والابداع، فهم حريصون باستمرار على ابتكار انواع معينة من السلع والخدمات لم يسبقهم بها احد وذلك لأن ايرادات هذه السلع والخدمات غير التقليدية تكون عالية في الغالب لقلة المنتجين لها,, ويكونون ايضا حريصين على استخدام أساليب تقنية وادارية حديثة تعمل على خفض التكاليف وزيادة الارباح, وهم في سعيهم للثراء فئة جادة لا تعرف الملل او السأم يعملون بشكل متواصل لديهم قدر هائل من المعلومات التي تهمهم في مجال عملهم.
ربما تكون هذه بعض العوامل التي لا بد منها لصناعة الثروة لكن يظل هناك سؤال مهم هو هل تجلب الثروة السعادة؟ لا شك ان المال عنصر مهم للحصول على قدر ما من السعادة لكنه عاجز عن تحقيق السعادة لمن لا يملك مقوماتها ولربما جلب السعي وراء المال والثروة الشقاء، ويخطئ من يظن ان السعادة تكمن في المال فقط, يقول احد الحكماء إن الناس يجرون وراء المال والثروة ظنا منهم ان السعادة تكمن فيهما فما ان يتحقق لهم ذلك حتى يكتشفوا ان السعادة الحقيقية ليست في الثروة ولا في المال ولكن يأتي هذا الاكتشاف متأخرا بعض الشيء, والخلاصة ان مصادر السعادة كثيرة احدها وليس بالضرورة ان يكون اهمها الثروة والمال.
* قسم الاقتصاد الإسلامي - جامعة الامام محمد بن سعود

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
الطبية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved