Sunday 25th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 12 ربيع الثاني


الرؤية النقدية لدى (علي الدميني)
د, محمد صالح الشنطي

تنبع اهمية استكشاف الرؤية النقدية عند علي الدميني من كونه احد رموز الساحة الثقافية مبدعاً وناقداً ومحاوراً وممثلاً لتيار نقدي فهو يركز على العلاقة بين الابداع والواقع ويرى ان ثمة جدلاً بين المبدع وزمنه المعاش ضمن شروط العملية الابداعية، فالمبدع المنغمس حتى النخاع في واقعه لا بد ان يستبطن حركة الواقع المتغير ويتأثر بها، ومن ثم يقيم عالمه الابداعي من اقاليم الواقع خاضعاً لشروطه الموضوعية وشروطه الذاتية معاً يسهم في تطوير واقعه انطلاقاً من رؤيته للعلاقة بينهما.
والواقع عنده لا يعني بشكل مباشر البيئة الصغيرة التي نمارس فيها تسلطنا اليومي على حد تعبيره وانما هو الواقع الكلي بموضوعيته القائمة بمعزل عن ارادتنا فهو العالم بتاريخيته وتراثه المترسب في وعينا بفنونه وقوانينه وعاداته وانماطه الاجتماعية وتحققه القائم في الواقع في الذهن وفي تسلسل وتشابك العلاقة بين المبدع وواقعه ينتج الشاعر قصائده التي يرى الناقد انها مسكونة بهاجسين متلازمين هما حركية رؤية الشاعر للعالم وموقفه من مسيرة تطور المجتمع وتقدمه من ناحية وذوق الشاعر وقلقه الدائم في سبيل بناء صوته الخاص وادواته الشعرية المتميزة من ناحية ثانية.
ويرى علي الدميني ان الفن نشأ من خلال علاقة الانسان بنشاطه العملي وتطور مع تطور المجتمعات وان دور الفن في سطوته التي تتغلغل في مسارب النفس حيث مكامن التذوق والانفعال اذ انتقل الفن من الوظيفة النفعية الى الوظيفة الجمالية ويؤكد على رسالة الفن في اللحظات التاريخية مستشهداً بدوره إبان حصار بيروت وموقفه من الجدل الاجتماعي ومطامح الفئات المتباينة وفي هذا الموقف ما يحيلنا الى مفهوم الواقعية لدى اقطابها في النقد العربي المعاصر مثل عبد المنعم تليمة وعبد المحسن طه بدير,وأبرز معالم النهج الواقعي في مقاربات الدميني النقدية تتمثل في الربط الوثيق بين الظواهر الفنية والسياقات الثقافية المنبثقة عن البنية الاجتماعية وتغير هذه الظواهر وتطورها بتغير تلك الانساق والبنى فهو يشير الى ان المضمون المتغير من ثقافة شفاهية الى ثقافة مكتوبة يستدعي بالضرورة آلية مغايرة للتعبير عن هذا المضمون توصيفاً وتخييلاً ويرى ان التطور التاريخي الناجم عن الدعوة الاسلامية التي افرزت دولة عربية اسلامية، وان القيم الفنية للقصيدة العربية الجديدة قد استعادت قوتها في ضوء توطد دعائم الدولة العربية ومشروعها الحضاري الاسلامي، فكان استبعاد المطالع الطللية والغزلية والاهتمام بالاستعارة لدى ابي تمام ومن قبله مسلم بن الوليد خروجاً على قولبة التشبيه واركانه على حد تعبيره كما افرز ذلك رؤى جديدة لدى ابي العلاء وابي نواس وابي تمام ويؤكد ان الخطاب الشعري التاريخي كان مرتهنا لقيم مجتمعه ومستوى معاشه المادي والروحي ومتأثراً بهيمنة قيم الثقافة الشفاهية الى ان استطاع الشعراء تفتيق النسق الشعري من خلال عمليات التوالد والتناسخ وبعد ان خرجت الأمة من اطار سيطرة آليات الثقافة الشفوية الى انفتاح آليات الثقافة المكتوبة لم تستطع منذ اكثر من خمسين عاماً ان تجد شكلاً توليدياً من داخلها كما فعلت تاريخيا لتجاوز افق النمطية ولكن القصيدة العمودية اسهمت في تبلور شكل فني مغاير لنمطها وهو قصيدة التفعيلة .
ويرى ان هذه القصيدة نبتت من جذور القصيدة العمودية ومن ترويضها التاريخي للذائقة العربية وتعويدها على الاستمتاع باساليب انزياح المفردة من قاموسيتها وكذلك في ترسيخها لآليات تذوق فتوحات المجاز نبتت بواكير قصيدة النثر.
ان العلاقة بين التطور الجمالي والتطور الاجتماعي من خلال الخطاب الثقافي العام ليست بسيطة بل بالغة التركيب حيث لكل سياق انساقه الخاصة، فالسياق الجمالي بوصفه نسقاً ثقافياً خاصاً يخضع لقوانين مغايرة لتلك التي تحكم الانساق الاجتماعية، وربط التطور الفني بتاريخية مرحلية للبنى الاجتماعية ربطاً آليا انعكاسياً غير جائز.
من هنا نجد الناقد يتحدث عن الشفاهية والكتابية بوصفهما ظاهرتين ملازمتين للخطاب الثقافي ومنبثقتين عن التطور الاجتماعي ولا اعتقد ان هذا التجريد المطلق للظواهر يمكن ان يفض إشكالية العلاقة فالشفاهية سمة سيوثقافية ولكنها لم تنفرد قط بالخطاب الثقافي في اي مرحلة من مراحل التاريخ فالى جانب الشفوي كان الكتابي دائماً، ولكننا يمكن ان نتحدث عن غلبة احدهما على الآخر دون التعويل المطلق على تعاقب هاتين الظاهرتين تعاقباً تاريخياً، اجتماعياً، والحديث عن تطور القصيدة العربية استناداً اليهما ربما كان فيه شيء من الاعتساف.
لا يمكن الحديث عن تطور القصيدة العربية بمعزل عن تطور (المثاقفة) فثمة عوامل ادت الى تجديد القصيدة العربية سواء في شكلها الجمالي العام كبنية فتية متحررة من المقومات الطللية والغزلية ومن النظام الغرضي التقليدي او في تشكيلها المجازي الكثيف او ايقاعها الوزني المتعدد النغم فقد كان للتداخل مع الخطاب الأدبي الفارسي والفلسفي الاغريقي وغيرهما من الخطابات الخاصة بالشعوب الاسلامية اثر في تطوير البنية الجمالية للقصيدة العربية فضلا عن التحولات الاجتماعية والوقائع التاريخية والمنعطفات الحضارية حيث تشكل خطاب ثقافي مغاير في رؤاه وأنساقه للخطاب الذي كان سائداً من قبل.
ولعل في قراءة علي الدميني لديوان درويش احد عشر كوكباً ومن ثم للخطاب الدرويشي بعامة ما يكشف عن الرؤية التاريخية التي يتسلح بها كناقد واقعي، اذ يتحدث عن تعالق خطاب الهوية بالخطاب السياسي، تعالق الثابت بالمتحول، ومن خلال حديثه هذا يبرز تجليات الخطاب الدوريشي بوصفه خطاباً جمالياً ووطنياً في ثلاث مراحل: مرحلة العيش داخل الارض المحتلة حيث برزت رؤية (الهوية/ الأرض) ومرحلة الخروج من الارض المحتلة (الهوية/ الخيمة) ومرحلة التحرك ضد العدو (الهوية/ الانتفاضة).
وانطلاقاً مما سبق ان اشرت اليه من ان العلاقة بين الأدب والواقع بالغة التعقيد والتركيب يكون هذا التحقيب بحاجة الى مراجعة وان كان في اطاره العام متسقاً مع الواقع ومنسجماً مع الحدث التاريخي ففي اعتقادي ان (الهوية/ الأرض) لم تتغير وان هذا المنطلق ثابت في مختلف المراحل ولهذا كانت صرخة درويش وطني ليس حقيبة وانا لست مسافر .
وعلى الرغم من وقوف درويش في معسكر السلام الاسرائيلي كموقف سياسي وايديولوجي فانه كشاعر يتشكل جمالياً من منطلق مركوز في الفطرة حيث الاعتصام بالانتماء في جذريته وحميميته، ان فضاء الرؤية الشعرية الذي يمتد على انفساح الافق لا يمكن حشره في خندق الموقف السياسي، فكل تلك المواقف التي استعرضها الناقد ليست الا تعبيراً عن تحولات الظرف التاريخي في راهنيته فالخطاب السياسي متغير اما الفضاء الجمالي فيترامى على افق ممتد استراتيجي مرتبط بكينونة الذات وتعالقاتها الوجودية, صحيح ان التشكيل الجمالي يستجيب للواقع المعاش في تجلياته ولكنها استجابة تلتقط جوهر هذا الواقع وتعيد انتاجه وتجسيده من هنا كان احتجاج الشاعر الذي اورده علي الدميني في مقاله على ربط النص بمعاهدة الصلح من خلال عبارة وردت في قصيدة اذ قال لقد آلمني ذلك كثيرا اذ لا يمكن ان اتعامل مع المفاوضات من خلال الكتابة عن غرناطة، ولست بحاجة لتوظيف كل تاريخي وبرنامجي الجمالي للتعبير عن تحفظ ما استطيع تسجيله في مقال او ندوة او اجتماع، احتجاجي على هذا التأويل هو دفاع عن مكانتي ومكانة الشعر وطريقة ملامسته للهموم الحاضرة .
ان استحضار نص (بين عيني وريتا بندقية) وثناء ريتا الطويل في اطار التفسير المباشر لموقف الشاعر السياسي على الرغم من احتجاج الشاعر على هذا المنهج في القراءة لا تثريب عليه ولكن الحديث عن شقاء الوعي الغربي وتمزق الذات بين اسر الهوية التاريخية وقسوة محددات الواقع السياسي كما يقول الناقد ربما كان اصراراً على المنهج الانعكاسي لقراءة النصوص في اطار التوجه الواقعي وهو -وان كان له ما يبرره الى حد ما - فانه ينزلق الى افق تأويلي قريب معتقل الى وتد الحدث، فثراء الذات المبدعة وتشابك نسيج رؤياها واحتقانها بمحمولات الوعي ومحرضات الافضاء يجعل من العسير اللواذ بافق التأويل المرتهن لمعطيات الواقع المباشر.
ويبرز منحاه الواقعي في سلسلة مقالات كتبها تحت عنوان الرواية والبنية المغلقة اذ يلمس مسألة التطور الاجتماعي وعلاقته بهذا الفن، وهذا في الصميم من واقعية التناول اذ يشير الى انتقال المجتمع من مجتمع رعوي وفلاحي وتجاري في المدن الصغيرة تغلب على اساليب حياته النمط التعاوني الى مجتمع عصري، انتقلت فيه العائلة من موقع الى آخر ومن مدينة الى سواها وتبلورت امكانات الاكتفاء الذاتي للعائلة في ظروف الوفرة المالية التي مرت بها بلادنا خلال العشرين عاماً الماضية، ونشوء ما اسماه البنية المعلقة للعائلة المكتفية بذاتها حيث ساعدت وسائل الاتصال على عزل العائلة عن محيطها الجديد فغاب التفاعل من خلال غياب الحياة المدنية الثرية بسبب التمسك بالكيانات الاسرية المستقلة التي تتواصل مع محيطها دون ان تعيش مناخاته الاجتماعية، اذ ظلت الاسرة متصلة بجذورها وانماط حياتها الخاصة غير منفتحة في علاقات متشابكة مع الحياة الاجتماعية المدنية بصخبها وضجيجها ومشكلاتها اذ ظلت ثلاثية (المنزل - السيارة - المنزل) هي السائدة.
وفي حواره مع مبارك الخالدي يشير الى خصوصية التحول الاجتماعي في المملكة مقارناً بينه وبين التحول في بعض البلدان العربية الاخرى واثر ذلك في انتاج المعرفة والنتاج الابداعي ويرد على مقولة الخالدي حول فردية الابداع الروائي مؤكداً انه لا يستطيع الخروج من استنباط نماذجه من الحياة اما نسقا مشابهاً او نمطاً مضاداً مستشهداً بمقولات لادوار سعيد مفادها ان النصوص الادبية وخصوصا الرواية تظل واقعة الى درجة ما في انشوطة الظروف والزمان والمكان والمجتمع وموردا مقولة لبرسي لبوك عن ارتباط الشكل في الرواية بالموضوع وما قاله شكري عياد عن أن احداث الرواية تنبع من مواصفات المجتمع.
ويرى ان التركيبة الانفعالية لاي مجتمع تطبع خطابه الادبي والفكري بسماتها وطرائق تعبيرها على حد سواء.
وفي حواره مع مبارك الخالدي عمد الى تحليل البنية المغلقة وقارن بينها وبين تلك البنى التي افرزتها التحولات الكبرى في الغرب ودورها في انتاج الرواية حيث كان يرد على محاوره الذي أشار الى تلك الوضعية الاجتماعية في الغرب واوضح ان تلك البنى المغلقة كانت حاضنة للرواية فبروز عوامل الاستقلال الاقتصادي الذاتي وتأثيره على بنية المجتمع وتحويله انماط التعاون الانتاجي الى انماط الاستقلال والتنافس والانعزال قد شكل بنية نووية مستقلة اقتصاديا ومتفتحة اجتماعياً للأسرة في الغرب ولكنه شكل لدينا بنية نووية اسرية مكتفية اقتصادياً ومنعزلة دون نوافذ ومضى في تحليله ليبرز خصوصية التحول في مجتمعاتنا مقارناً بينها وبين المجتمعات الغربية مقرراً ان حركة الواقع وقوانينه الفكرية وظروفه الاجتماعية ترينا نسقاً من انساق التعويض عن الانغلاق بالممارسة الحياتية الانتاجية في الغرب.
ويؤكد ان ثمة نوعين من الاغتراب: سلبي وايجابي وان الابداع يرتبط بالابداع الايجابي، وهو السمة الغالبة في العالم وان الاغتراب في ملامحه خاضع لظروف الزمان والمكان ويستشهد بالدكتور ابراهيم عيد في حديثه عن علاقة الاغتراب بالابداع وينتهي الى ان تشكيلة البنية المغلقة محليا لا توثر فقط على تطور الرواية وحسب وانما تؤثر على كافة الاشكال الابداعية الاخرى بدرجات متفاوتة وما تجربة المسرح المحلي الا الشاهد الدائم على ذلك كما يقول.
وهذا يقودنا الى الحديث عن المقولة المشهورة شكل الفن شكل المجتمع اذ تتطور الانواع الأدبية بوصفها اشكالاً منبثقة عن تجليات البنية الاجتماعية وتتناسل متحولة من شكل الى آخر انسجاماً مع تحولات تلك البنية وان كان هذا القانون يبدو تفسيراً دوغماتياً انعكاسياً يتكىء على مقولات لوكاتش عن الرواية بوصفها ملحمة برجوازية كما يقول، انبثقت من رحم ذلك النوع الادبي الذي افرزته تلك المرحلة الضاربة في تاريخ التطور الاجتماعي وبدا كما لو ان هذا التفسير يعتمد على معادلات جبرية غير اننا اذا اوغلنا في استكناه تلك المقولات نجد ان العلاقة بين السيسيولوجي والجمالي ماثلة على نحو ما وان بدت اكثر تركيباً وتعقيدا نظراً لخصوصية الظاهرة الجمالية ودقة وخفاء العلاقة بينها وبين الاجتماعي.
وحديث مبارك الخالدي عن البنية المغلقة بوصفها الاقدر على انتاج الرواية لا يأتي في سياق التحقيب الخاص بتطور المجتمع العربي بعامة والمحلي بخاصة فقد تم تشكل تلك البنية في بيئة مغايرة وفي سياق مختلف كما المح الدميني إلى ان تلك البنية في المجتمعات الغربية محصلة لتاريخ طويل من التحولات الاجتماعية نتيجة لتخمة حضارية انتهت الى رصيف الاغتراب وبالتالي حملت معها شكلها المعبر عن ازمتها الخاصة بعد ان مرت الرواية بسلسلة من التحولات اما في مجتمعاتنا التي داهمتها الوتيرة السريعة لحركة التطور الاجتماعي فقد حرمت من تلك الدرامية الناجمة عن التحول وهي الخميرة التي تفرز البولوفينية تعددية الاصوات والمواقف باعتبارها قفزة نوعية في فضاء اجتماعي رحب حيث تعترك المصالح وتشتجر التوجهات ويستعر الحراك الاجتماعي فتنبثق الرواية بوصفها فناً سردياً حوارياً.
ومهما يكن من امر فان تفسير علي الدميني الواقعي ينسجم مع رؤيته الكلية ومع نشاطه الابداعي الذي تمثل في تطور شكل القصيدة عنده وفي اتجاهه الى كتابة الرواية في اعقاب مفصل مهم من مفاصل التحول استجابة لضرورة املتها وقائع المرحلة وتلبية لحاجة ثقافية ابداعية تتسق مع قناعات الناقد.
أما جهده التطبيقي فيأتي متسقاً مع رؤيته النقدية مراعياً خصوصية الفن اذ يصطنع المدخل الجمالي في مقارباته متكئاً على مقدمات نظرية يمهد بها كمنطلق لتلك المقاربات ففي قراءته لقصص احمد بوقري يتحدث عن الكنائية والاستعارية مؤكداً العلاقة بين هذين المصطلحين اللذين ينتميان الى الحقل الجمالي الفني وبين الواقع الاجتماعي مستشهداً بالناقد ابراهيم فتحي (وهو ناقد واقعي) اذ يرى الدميني ان الكنائية في هذا الموضع مرادفة للواقع فالحساسية الكنائية تقوم على محاكاة تفاصيل الواقع في تجاورها ومنطق تعاقبها بينما تبدو الحساسية الاستعارية في ترابط معانيها وتداعياتها متراكبة لانها لا تشير الى وقائع متجاورة فهي تأتي من فنية الكتابة المغايرة لبلاغة السائد او النمط وتأتي من انزياحة الدلالات من مرجعيتها النصية أو الواقعية كما يقول.
وهنايغادر الكاتب مفهوم الانعكاس لدى الواقعيين المذهبيين الى مستوى جديد في تفسير العلاقة بين الواقع والفن فهو يقرن بينهما ولكن من خلال الحوار بين البنية العميقة للنصوص ومرجعيتها الاجتماعية مما يقربنا الى مفهومات لوسيان جولدمان عن الوعي بشقيه الحادث والممكن كبنية وليس كموقف ايديولوجي لذا يتحدث عن الموقف الثقافي والموقف الفني لدى احمد بوقري في مجموعته ورصد خطواته في التحول من الكنائي الى الاستعاري او من النهج الانعكاسي الى الرؤية بمعنى الاستكشاف وليس كدلالة على موقف محدد.
لقد تحرك الناقد في اطار هذين المصطلحين بوصفهما مدخلاً لمقاربته النقدية لانه وجدهما الاقدر على احتواء العلاقة بين الابداعي والاجتماعي.
وهذه الثنائية التي اجتهد الناقد في تشكيلها لدرء شبهة احادية المدخل الفكري لدى النقاد الواقعيين انسحبت لتغطي مجمل مقارباته النقدية ففي قراءته لنص محمد علوان يتحدث عن المقابلة بوصفها احدى ثنائيات المشاكلة والاختلاف التي تحكم فنية اللغة، ولكنه لا يقصد بالمقابلة في مقاربته تلك الجمع بين الكلمة ونقيضها بل المقابلة بين حقل دلالي مكتمل المعنى وحقل دلالي آخر في نفس مسار النص كما يقول، من هنا تتطور المقابلة الى مفارقة، والمفارقة جوهر جماليات الفن، من هنا تنبني مقاربته على محوري الانغلاق والانفتاح، وعلاقات التضاد بين الذات والآخر في النص موضع المعالجة، ومن الواضح انه يسعى الى استكشاف الشعرية فضلا عن تركيزه على مسألة الانزياح التي تنأى بالنص عن المباشرة، والتقرير حيث تختفي نبرة الخطاب الفكرية وتنبثق المقابلة بين الواقعي والاسطوري.
وتأخذ الثنائية في ممارسات الدميني النقدية طابعا آخر حيث المقابلة بين نصين كما فعل حين قرن في قراءة له تحت عنوان نصان مختلفان ونهاية واحدة بين قصتي فالح الصغير (المرفوض) و(ابراهيم المصبح) المصروم، وهو اذ يقارب موضوعه (الموت) في النصين ويلامس التخوم الفلسفية لها حيث يرى ان النصين يغدوان تطهيرا للذاكرة من ألمهما لا ينحرف عن المعنى الاجتماعي حين يقترح ان يكون الاطار الفني للمعالجة ذا طبيعة ملحمية ترتبط بصيرورة ذلك الكائن البسيط الغامض في قصة ابراهيم المصبح، وذلك الانسان المثقف المأزوم في قصة فالح الصغير بوصفهما كائنين اجتماعيين.
وارجو ألا اعتسف تعميم الظاهرة حين اتحدث عن هذه الثنائية في معالجات الناقد الاخرى فأتحراها في دراسته لمجموعة مساء الاربعاء لبدرية البشر التي ركز فيها على استكشاف سلسلة من التقابلات في حدود الاطار الجمالي (النص المكتمل السردية/ الافق المفتوح الذي يحاور خطابا عاما) حيث (الاصوات الفردية والصوت الجماعي) وفي حدود القيمة او الموضوع (علاقة عالمي الرجل بالمرأة) فضلا عن الغوص في النسيج الجمالي الفني فاللغة في اطار كونها (علاقة/ سيمياء) تفتح افق التأويل، ويصبح العنوان مدخلا لذلك التأويل، كما تتضافر عناصر السرد مع ظواهر الواقع في تشكيل الرؤية النصية التي يعمد الناقد الى تقربها,وعلي الدميني يحرص على الربط بين الانسان في سياقها الشمولي ومدارجها التطويرية، يتجلى ذلك في اغلب مقارباته التطبيقية ، فهو يتخذ من دراسته المبكرة لمجموعة عبدالعزيز مشري (موت فوق الماء) سبيلا الى دراسة تطور القصة القصيرة كفن عبر تمرحل المدارس الفنية، وتطورها في اطارها المحلي، ثم رصد محاور الرؤية في المجموعة ككل، وكذلك اطوار نموها الفني.
وفي دراسته لعصفورية غازي القصيبي يواصل الحديث عبر جدل الثنائيات التي تعبر عن ديناميكية نقدية هي الموجه الاوضح والابرز لرؤية الكاتب والمبدع الذي تؤرقه هموم الواقع ملتحمة مع هموم الفن، البنية السائدة والعناصر التكوينية للبنية المحكمة، النص السردي والنص المعرفي متقابلات الفلسفة والهجاء، العنتريات والفتوحات الجنسية عالم الجن وعالم الانس، الصعود والانهيار (النهوض والسقوط) - فؤاد الطارف والبروفسور، اليوثوبيا والواقع، الفانتازيا والرمز.
ولعلي راجع الى هذه القراءة مرة اخرى في تقرٍ اكثر تفصيلا لملامحها بوصفها وسيلة للكشف عن ملامح اخرى في الرؤية النقدية للدميني.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved