Sunday 25th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 12 ربيع الثاني


التأسيس لنظرية قديمة- جديدة
حسين المناصرة

بينما بدأ الغرب يتحدث منذ اكثر من قرن ونصف عن الكتابة النسوية، وعن بناء الخصوصيات الفنية والجمالية في هذا الجانب منذ عام 1840ه فإن الثقافة العربية بدأت تتحدث عن الكتابة نفسها منذ اواخر القرن التاسع عشر وتحديداً مع بدايات ظهور الصحافة النسوية عام 1892، بظهور صحيفة الفتاة لمنشئتها هند نوفل بالقاهرة.
ومع امتداد هذين التاريخين امتداداً ملحوظاً في زمنية عصر النهضة، فإننا لا نستطيع التأكيد على ظهور قراءات نظرية نسوية ودراسات تطبيقية مهمة قبل عامي 1920 في الغرب وعام 1960 لدينا علماً بان الثقافة التنظيرية لم تؤت ثمارها بشكل فاعل قبل الستينيات في الغرب، وقبل الثمانينيات لدينا,وبغض النظر عن صحة هذا التحقيب التاريخي او سوء تشكلاته,, فان الكتابة النسوية ما زالت قضية اشكالية، بحاجة الى الكثير من الجهد التنظيري والتطبيقي الذي يهدف الى ان يقنعنا بامكانية وجود جماليات فنية خاصة وايضا بامكانية بناء رؤية للعالم مختلفة تستحق ان تكون قيمة حضارية مخالفة لما طرحه الوعي البشري الاجتماعي الثقافي.
ولا يستطيع اي باحث (او اية باحثة) ان ينكر كون الكاتبة مؤخرا استطاعت ان تمارس الكتابة بمختلف اجناسها بحرية ثقافية لا تختلف عن حرية الكاتب، بل ربما احياناً ساهم الاحتفال التشجيعي الصحفي بها الى نشر الكثير من الغث والشوفيني غير الفني ،كما اعتقد ذلك جورج طرابيش مع اوائل الستينيات فوصف ظهور الكاتبات في الصحافة آنذاك بالمشابهة مع ممثلات السينما، وان كتابتهن لو نشرت باسماء كتاب لما قرأها احد,, وليس هذا مجال قراءتنا هنا، والتي يمكن ان تمتد في عدة قراءات, انما نعتقد ان لدينا كماً عربياً من الكتابة التنظيرية والتطبيقية يعالج نظرية الكتابة النسوية، وان هذا الكم بحد ذاته بحاجة الى قراءته وبلورة ما فيه من قضايا واشكاليات قد تساهم بطريقة او بأخرى في صياغة ثقافة جديدة او جماليات جديدة على مستوى الكتابة عموماً,.
ومبدئياً يمكن ان نشير الى اسماء عربية نقدية، فعلت هذا الوضع منها جورج طرابيشي وحميد الحمداني وعبد الله الغذامي، ومحمد نور الدين افاية، ونعمة خالد واحلام مستغانمي ورشيدة بنمسعود وحسام الخطيب ونازك الأعرجي وشمس الدين موسى واحمد شراك وهيام ضويحي وايمان القاضي وعفيف فراج وغيرهم.
ولأن الكتابة للصحافة مختلفة الى حد ما عن كلاسية الاكاديمية فقد رأيت تناول بعض هذه المصادر النقدية النسوية من منطلق عدم التقيد بحركيتها التاريخية اولاً وعدم ربطها بعضها مع بعض في سياق اشكالي كلي ثانياً، لذلك تجيء الكتابة هنا متداخلة، تبرز اهم التوجهات الفنية والجمالية في التقعيد لهذه الكتابة النسوية بعيداً عن اثارة المزالق الخطرة والتوجات العصبوية والآراء المبالغ فيها,ان كتاب المرأة والكتابة: سؤال الخصوصية بلاغة الاختلاف لرشيدة بنمسعود يعد - من وجهة نظري - ابرز الكتب العربية المنهجية في تجلية نظرية الكتابة النسوية عن طريق مساءلة التراث والمعاصرة مما بحثا عن خصوصية هذه الكتابة انطلاقاً مما تكتبه المرأة وبذلك تشكل الخنساء من وجهة نظر الباحثة المنطلق لتلمس البداية الاولى وتمثل القاصة المغربية خناثة بنونة فضاء لتطبيقات الكتاب الرئيسة.
وتؤكد الباحثة في مقدمة كتابها وجود خصوصية جنينية تلقائية فيما تكتبه المرأة باعتباره ادب اقلية مجتمعية تعيش ظروفاً خاصة تنعكس على تصورها ورؤيتها للعالم والأشياء، وفي هذا التأكيد بناء للخصوصية من منطلق الظروف المختلفة التي تعيشها المرأة في المجتمع العربي، وهي ظروف اكدت خصوصيتها كل الدراسات التي تناولت الكتابة النسوية بما فيها الكتابات الغربية ومن ذلك ان تقول سيمون دي بوفوار: لن يفكر الرجل بتأليف كتاب عن وضع الذكر لان الرجل لا يفكر بتقديم نفسه كفرد من جنس معين فهو رجل وكفى والذكورة هي النمط والقالب , والانسانية هي الذكر والرجل,, اما المرأة فهي تمثل جنباً آخر,,.
ومثل حساسية ادوار الخراط الجديدة تؤكد الباحثة ان طموحها ينحصر في تأكيد وجود حساسية نسائية فيما تكتبه المرأة وهي حساسية ناشئة من عاملين:
الأول: ما دام هناك اقرار بوجود اختلافات بين الجنسين في استعمالهما للغة فانه لا يمكن فصل ما هو ادبي عما هو لغوي لان الأدب لعبة لغوية.
والثاني: حضور الثقل التاريخي الذي يمايز بين الجنسين باعتباره مكوناً فاعلاً فيما تكتبه المرأة.
ومن هذه الحساسية الساكنة في العاملين السابقين تنطلق الباحثة لتتعرف الى موقع آخر داخل اللغة، ودور اللغة في تشكيل رؤية المرأة للعالم معتمدة على سيميائية كريماس في تحديد ملمح اساسي من ملامح الكتابة النسوية وهو: الحضور المطرد للبطل الأنثوي القلق العاجز عن تحقيق التجاوز نظراً لافتقاده لعنصر اساسي من عناصر القدرة (القدرة - الفعل).
وكما هو ملاحظ فان الهاجس الذي يشغل التنظير للكتابة النسوية هو هاجس الخصوصية والاختلاف انطلاقاً من رد نظرية المساواة بين الجنسين وهي النظرية التي ترى اللغة ليست بمذكرة او مؤنثة لانها لغة انسان والانسان هو الرجل والمرأة معاً وليس الرجل وحده كما اشارت سيمون دي بوفوار.
والباحثة نفسها تقر انها لا تحاول في دراستها هذه التأسيس لتجزيء قطعي بين الادب (النسائي والرجالي) وانما تحاول فهم ومناقشة الاختلاف والتعدد داخل وحدة فعل الكتابة الابداعية ككل وفي هذه الاشارة بعد منطقي يقر بمسألتي التوازي والتقابل بين الكتابتين فهما بقدر انتمائهما الى عمومية الادب بخطوطه العامة والمتوازية نستطيع في الوقت نفسه ان نتحدث عن رافد خاص نسوي يقابله رافد آخر خاص ذكوري في مستوى الجماليات والرؤى.
ولعل اهم اشكالية تواجه مصطلحات خصوصية الكتابة النسوية هي رفض هذه الكتابة لدى شريحة كبيرة من المثقفين وخاصة لدى الكثير من الكاتبات وهذه المسألة لم تغب عن الدراسة حيث تعيد الباحثة هذا الرفض الى عاملين هما:
اولاً: غياب التصور النقدي الفاعل الذي يحدد ابعاد هذه الظاهرة (الكتابة النسوية) ومستوياتها ويفككها داخلياً فينتج خصوصيتها الثقافية كأقلية ثقافية مهمشة تاريخياً.
وثانياً: حمل مصطلحات هذه الظاهرة دلالة مشحونة بالمفهوم الحريمي الاحتقاري وهذا ما يجعل الكاتبات رغم اقرارهن بوجود نكهة او خصوصية يهربن من هذا التصنيف خوفاً من الصاق تهمة الدونية بهن من جهة ورغبتهن في انتحال موقع الرجل من جهة اخرى.
فهل تستطيع الباحثة ان تقنعنا بخصوصية الكتابة النسوية واختلافها في فصولها الثلاثة المشكلة لكتابها المذكور؟.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved