Saturday 24th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,السبت 11 ربيع الثاني


متنزه الطائف الوطني في سيسد,, مرحلة في التحول نحو الأفضل على خارطة الوطن
سد معاوية,, هل هو أول سد تاريخي في المملكة

بحث كتبه : حماد بن حامد السالمي
عند ظهر اليوم السبت 11 من ربيع الآخر سنة 1420ه تشهد الطائف تحولاً مهماً في تاريخها الجغرافي والسياحي والاجتماعي أيضاً، ذلك أن أكثر من 56 كيلاً من الأرض الخضراء سوف تفتح ذراعيها ابتداءً من اليوم لاحتضان الأسر والعائلات والمصطافين والمنتجعين الذين يبحثون عن متنزه يتوفر على كافة عناصر الاصطياف المطلوبة وعلى وجه الخصوص تلك التي تحمل صبغة برية نظيفة بعيداً عن الازدحام في المساكن والدور والشوارع والأسواق والمتنزهات التي تعج بالحركة وتهدر فيها الآلات والماكنات المحركة للألعاب المسلية.
نحن هنا على أرض (متنزه الطائف الوطني) في وادي سيسد أحد أشهر الأحمية حول مدينة الطائف حيث يقوم صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، نائب خادم الحرمين الشريفين بتدشين هذا المتنزه رسمياً وازاحة الستار عن لوحته التذكارية، وعن اللوحة التذكارية الأخرى ايذاناً باتمام كافة الأعمال المعمارية لصيانة وترميم وتأهيل سد سيسد الشهير الذي بني في أعلى هذا الوادي سنة 58ه ونسب إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، أول خليفة أموي تنتهي خلافته بوفاته سنة 60ه.
وأعتقد ان هذا السد الذي أقيم في سيسد هو أول سد يقام بالطائف، حيث تبعه بعد ذلك انشاء أكثر من سبعين سداً، كما يقول بذلك المؤرخون، جميعها تم في العهد الأموي، وجميعها تهدم واندثر ما عدا عشرين سداً حصرتها في كتاب لي بعنوان ثراء الآثار في الطائف بالعربية والانجليزية، وفي كتب آثارية للدكتور ناصر الحارثي وهي من اصدارات لجنة المطبوعات في التنشيط السياحي.
وادي سيسد
سيسد,, سينان مهملتان بينهما مثناة تحتية، وآخره دال مهملة,, هو وادٍ يقع شرقي مدينة الطائف بحوالي اثني عشر كيلاً وعندما اتسع عمران الطائف وضم ما حوله من قرى وأودية أصبح وادي سيسد اليوم على طرف المدينة من الشرق، وهو يتجه بسيله من المرتفعات الجنوبية، إلى الشرق ثم الشمال، وروافده من الأشعب كثيرة وفيه جبال مختلفة الارتفاعات، ويمتد وادي سيسد من جبرة غرباً ووادي العرج شمالاً، ووادي خد الحاج شرقاً، ووادي نخب والنسيم جنوباً، ويحتل مسطحاً كبيراً يصل إلى قرابة 56 كيلاً مربعاً، ويعد من أجمل أودية الطائف المتاخمة للعمران، حيث تكسوه النباتات العشبية والأشجار الشوكية، وفيه تنوع جغرافي وطبيعة خلابة وأرضه ما زالت بكراً بعيدة عن الملوثات حتى اليوم بسبب حمايته من الرعي والاستطراق عشرات السنين.
سد سيسد
كان وادي سيسد محل عناية واهتمام من الحاكم الأموي على الطائف أيام ولاية الخليفة، معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وسبب ذلك طبيعته الخلابة وهواءه النقي وقربه من الطائف ولا يستبعد انه كان محمية فعلية منذ القرن الهجري الأول، وإذا ثبت ذلك فهي فكرة رائعة ومتقدمة جداً، لما يسمى اليوم حماية الحياة الفطرية، فالمسلمون الأوائل اثبتوا مقدرة فائقة في التعامل مع البيئة وحمايتها وتسخيرها للحضارة والمدنية وتكوين مستوطنات حضرية راقية، ومن أدلة ذلك على أرض الطائف انشاء السدود الكثيرة في مخانق الأودية للتشجيع على الاستقرار والزراعة في مجتمع رعوي.
أما سد سيسد فقد شيد في أعلى وادي سيسد في مخنق بين جبلين من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي، وبني من الحجارة الخالصة بطول 58 متراً وعرض أربعة أمتار وعشرة سنتيمترات وارتفاعه ثمانية أمتار ونصف المتر.
ومن أبرز معالم أقدم سد أثري في الطائف وفي المملكة اليوم وجود ثلاثة نقوش صخرية بقربه أحدها على صفحة صخرية كبيرة عند طرفه الجنوبي الشرقي، والثاني عند طرفه الشمالي الغربي، والثالث على صفحة أحد الألواح الحجرية في الوجه الخلفي، ويوجد رسم منقوش على صخرة مما أعتاد عليه البدو من رسم وتعليم لإبلهم.
ويفيد النقش الأول ان بناء السد يعود إلى العام 58ه, والنقش الصخري هذا هو لوحة تذكارية لمعمار قديم وهو أسلوب شائع في ذلك الوقت المتقدم.
عبدالله معاوية
ينسب السد إلى معاوية, وهو على الأرجح أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان الذي كان خليفة على المسلمين سنة الانشاء عام 58ه, وعبدالله صفة كانت تتقدم الأسماء فكل مسلم هو عبدالله.
أما النقوش الثلاثة المجاورة للسد، وهي غير منقطة، كما هو واضح حيث لم تنقط الحروف العربية إلا زمن الحجاج بن يوسف الثقفي بعد العام 80ه, ففي ما يلي تفسير لها مرتبة حسب رسمها الصخري:
النقش الأول
1- هذا السد لعبدالله معوية.
2- أمير المؤمنين بنية عبدالله بن صخر
3- باذن الله لسنة 58ه.
4- اللهم أغفر لعبدالله معوية أ
5- مير المؤمنين به كتبه عمرو بن حباب
النقش الثاني
1- ر حمت الله و,.
2- بركته على الحكم بن,.
3- وعلى محمد بن الحكم آمين
4- وعلي عبدالله بن محمد و
5- تاب الله عليه
النقش الثالث
1- صلى الله على ابن العلي آمين
2- عبدالله علي محمد بن كاد اهد الله له وهداه
حمى سيسد
في سنوات سبقت دخول الملك عبدالعزيز إلى الطائف، كانت الطائف تعرف ما يسمى نظام (الأحماء) وهي كثيرة حول الطائف، ومنها حمى سيسد الذي يشتمل على سد سيسد، ولكن سيسد ينفرد بميزة السد والحمى معاً، وسده قام على خطة استراتيجية اقتصادية ضمن منظومة سدود الطائف القديمة السبعين في فترة التطور والازدهار أيام بني أمية، وفكرة الاحماء تساير فكرة التوطين من حيث نشر السدود والتشجيع على الاستقرار لأن الرعي الجائر يرغم الناس على الارتحال والتنقل بمواشيهم والحمى يوفر أمناً رعوياً للقبائل لا يماثله إلا الأمن الزراعي الذي توفره السدود، وفي سيسد اجتمع الأمنان، الأمن الزراعي والأمن الرعوي وهما يصبان نحو التوطين والاستقرار والتحضر، وهذا يجعل سيسد تاريخياً في مقدمة الأودية الزراعية الرعوية التي ساعدت على الاستقرار والتحضر في مدينة الطائف.
أما نظام (الحمى) فهو يقوم على اختيار بقعة من الأرض فيمنع فيها الرعي وقطع الأشجار واستغلالها بأي شكل, والهدف توفير مراعي كثيفة وقت الحاجة وحماية النبات من الرعي الجائر, وهذا النظام له شبه في كثير من الدول مثل أمريكا وروسيا والجزائر وغيرها.
ومما يؤكد أقدمية حمى سيسد، أن نظام الحمى نفسه هو عربي عريق فقد كان معروفاً في الجاهلية والاسلام, وقد أقره الرسول (ص) عندما أقطع صلوات الله وسلامه عليه للمسلمين أحماء يحمونها لهم بعد ان طلبوا منه استقطاعها، ومن ذلك حمى النقيع لخيول المسلمين وقت عمر بن الخطاب رضي الله عنه والربذة وضرية لإبل الصدقة.
وقد عرف الطائف أكثر من 85 حمى منها 28 حمى بناحية الطائف وحدها, و12 حمى ناحية بني سعد, و17 حمى ناحية بالحارث، و8 أحماء ناحية بلاد ثقيف، و20 حمى ناحية بلاد بني مالك.
واكتسب حمى سيسد شهرة كبيرة فقد كان معروفاً عند حكام الطائف منذ أكثر من مائة عام، ثم تحول إلى حمى لإبل وخيول الملك عبدالعزيز بعد ذلك.
متنزه الطائف الوطني
إن الوضعية النظامية للحماية التي أحاطت بحمى سيسد منذ عشرات السنين جعلته في منأى عن الزحف العمراني فظل بصفته الطبيعية البكر حتى تسلمته وزارة الزراعة والمياه فعمدت إلى تسييجه والمبالغة في حمايته بأن خصصت له إدارة للغابات والمراعي، ثم جاءت توجيهات خادم الحرمين الشريفين رعاه الله التي قضت بتحويل حمى سيسد إلى متنزه وطني كامل التجهيزات اللازمة, وصدر ذلك في مرسوم ملكي كريم عام 1408ه, فسارعت وزارة الزراعة والمياه في السنوات الأخيرة بجهود حثيثة وصادقة من معالي وزيرها الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز بن معمر باتخاذ كافة الوسائل التطويرية والتأهيلية ليكون سيسد متنزهاً وطنياً حقيقياً ويشكل رئة جديدة لأبناء الطائف وروادها من المصطافين والسياح, وجرت خطوات سريعة لتهيئة سبل التخييم البري والاقامة والتنزه والاستفادة من المرافق الخدمية الحديثة الذي يأتي في مقدمتها مياه الشرب والكهرباء والطرق والارشادات والمطاعم والسكن, وغير ذلك.
من داخل المتنزه
هذه خلاصة لمشاهدات سابقة وأخرى لاحقة أقدمها في يوم افتتاح هذا الانجاز الوطني العملاق, فإن في قمة ما تم على أرض الواقع هو تنظيف وتوسيع وترميم وتأهيل سد سيسد التاريخي الأثري ، وحقيقة الأمر فإن هذاالإنجاز قد سرني كثيراً لأني طالما كنت أكتب وأنادي بالالتفات إلى مثل هذه الكنوز في بلادنا التي لا يعيرها بعضنا أية التفاتة فنفقدها ويجهلها أبناؤنا، واليوم أصبح هذا السد معلماً تاريخياً وأثرياً واقتصادياً أيضاً، ولابد أن أسجل هنا تقديري كباحث لمعالي وزير الزراعة والمياه الذي اهتم بهذا الأثر فبعثه من مرقده إلى أبنائنا وأجيالنا وتقديري أيضاً لمعالي محافظ الطائف فهد بن عبدالعزيز معمر الذي شجع البحوث ودعم الباحثين من أجل نفض الغبار عن كثير من كنوز الطائف التاريخية والآثارية وسعيه الدائب للتطوير والتحديث وحفظ آثار محافظة الطائف من العبث والضياع.
ومن مشاهداتي الأخرى في متنزه الطائف الوطني ما تم انجازه من قبل وزارة الزراعة والمياه من طرق حديثة مزفتة ساهمت في كشف أسرار هذا الوادي ورفع الحجاب عن جمال شعابه ومكوناته الصخرية والشجرية والنباتية وفي استطاعة مرتادي هذا المتنزه اليوم الوصول إليه من أربع بوابات رئيسية : بوابة النسيم من الجنوب وبوابة الحلقة من جهة الغرب وبوابة وادي العرج من جهة الشمال وبوابة خد الحاج من الشرق ثم التجول بعد ذلك في متسع من الأرض وسط غابات شجرية متنوعة.
ومما يشاهد ويلمس اليوم في متنزه الطائف الوطني ما قامت به وزارة الزراعة من تسييج كامل للمتنزه يزيد طوله على 25 كيلاً ثم بنت العديد من دورات المياه بخامات وأشكال بيئية وإيصال المياه المنقاة من مشتل العرج وإدخال الكهرباء إلى كافة المرافق وإضاءة الطرق إلى مدن الترفيه وإلى سد سيسد وتشجير المنطقة بعشرات الآلاف من الأشجار المناسبة مع تقليم وتشذيب وتهذيب الأشجار البرية الكثيفة داخل المتنزه ونشر الاستراحات والمظلات الحديثة وتركيب ألعاب الأطفال بمختلف الأنواع إلى جانب انشاء إدارة دائمة للمتنزه وتنظيم وتحسين الطريق الرئيسي من كوبري الحلقة إلى المتنزه والإعداد لحلول فيما يتعلق بمزارع الدواجن في جوانب المتنزه.
جهود تذكر فتشكر
المشاهدات هنا في سيسد اليوم كثيرة وكلها سارة والحمد لله وهي مما يذكر فيشكر لكافة المسئولين في وزارة الزراعة والمياه بقيادة معالي وزير الزراعة الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز بن معمر الذي يعبر في أحاديثه دائماً عن فكر متطور فيما يتعلق بحماية الحياة الفطرية وتأهيل المتنزهات الوطنية والاستفادة من البيئة البرية حول المدن لفك الاختناقات وتوفير أجواء سياحية وانتاجية غاية في الجمال.
ففي سيسد على سبيل المثال يشاهد المرء غابات برية من أشجار السدر والطلح والسلم والسمر والتنضب والشث إلى غير ذلك وشجيرات وأعشاب كثيفة تغطي المسطحات الأرضية وتحيلها معظم شهور السنة إلى بساط أخضر.
كما يمكن هنا مشاهدة الأرانب البرية والحجل والطيور المائية المهاجرة في بحيرة السد، وتشاهدالغرانيق والقطا والثعالب والبط والفهد ودجاج الحبش والقماري ، إلى غير ذلك من حيوانات وطيور لا يمكن أن تعيش إلا في بيئة غنية مثل سيسد.
ومعالي وزيرالزراعة أمام هذا الثراء الطبيعي والبيئي في سيسد يرى أن اقامة هذا المتنزه هو من دلائل اهتمامات الدولة رعاها الله في المحافظة على البيئة بشكل عام وحماية الحياة الفطرية ومناطق الغابات ودعم جهود الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها بالحفاظ على الكائنات الحية المهددة بالإنقراض سواء الحيوانات البرية أو النباتات الفطرية النادرة.
وانطلاقاً من هذا النهج الحضاري في التعامل مع البيئة المحيطة بنا في بلادنا فإن متنزه الطائف الوطني هو في حقيقة الأمر يمثل الأنموذج الأمثل الذي يعكس بصدق نجاح الجهود نحو تسخير البيئة الطبيعية للانتجاع والترفيه ولفت الأنظار إلى المخزون الأثري المتمثل في أقدمية سد سيسد وقيمته التاريخية في منطقة كانت على مر مئات السنين فاعلة بكل وضوح الرؤية في حركة التاريخ والمد الحضاري للعرب المسلمين.
هامش
رجعت في كتابة هذا البحث إلى المصادر التالية:
1- ثراء الآثار في منطقة الطائف، تأليف حماد السالمي ، الطبعة الثانية 1416ه
2- منطقة الطائف دراسة في الجغرافيا الاقليمية، عبدالرحمن الزامل
3- معجم معالم الحجاز، تأليف عاتق بن غيث البلادي
4- بحث بقلم حمادالسالمي، منشور في جريدة الجزيرة العدد 9512 ليوم الاربعاء 14 من جمادي الآخرة لسنة 1419ه.

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
تقارير
عزيزتي
الرياضية
ملحق الطائف
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved