Saturday 24th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,السبت 11 ربيع الثاني


وجهة نظر في مسألة الزواج والحسب والنسب

عزيزتي الجزيرة:
لا أدري لماذا أشعر وأنا أكتب هذه المقالة بأني اهمس همسا خافتا؟! أتراه خوفا من عواقب ما سوف اكتب عنه ومن ردود افعال قد لا يكون لي طاقة بدفعها؟! أم يكون اقرارا مني بجرأة قلمي الذي بات لا يسكت عن الكلام المباح حتى بعد طلوع الصباح؟!!
قد يكون هذا وقد يكون ذاك!! إلا ان الطريف في الامريتجلى في كوني اهمس همسا ومع ذلك ارسله للنشر في صحيفة ذات شعبية كبيرة!! وما مثلي إلا كمثل عروة بن حزام الذي طار شعره في الآفاق واشتهر مخلدا سرّ حبه العلني!! حين قال مخاطبا عفراء:
فو الله ما حدثت سرك صاحباً
أخاً لي ولا فاهت به الشفتان!!
إلا ان خوفي وتوجسي لن يمنعاني من إظهار عجبي واستغرابي من قضية طالما ارقتني وحيرتني، ألا وهي موقف غالبية افراد مجتمعنا من زواج السعودي بغير السعوددية وزواج القبلي من غير القبلية!!
إنهم يجيزون الزواج من الاجنبية ولا يرون فيه مذمة او منقصة او مأخذاً أو مثلباً، وإن كان البعض يظهرون رفضهم لذلك المسلك فما هي الا مدة وجيزة حتى تذوب اعتراضاتهم في بحر ايام قليلة تحت حكم الواقع الاصل!
ولكن الشيء المحفور الذي لا تُغيره الايام، ولا تؤثر فيه عوامل التعرية، عفوا,, اقصد عوامل التعليم والثقافة، ذلك الذي لا سبيل الى تغييره هو موقف بعض المناطق من قضية القبلي ونقيضه!!
فلست ادري لماذا يغض اولئك طرفهم عن زواج السعودي من الاجنبية التي لا يعرف اصلها ولا نسبها ولا دينها ولا اخلاقها ولا تربيتها، بينما يرون زواجه من السعودية المعروفة الاصل والمنشأ والتربية، يرون زواجه منها جريمة شنيعة لا تغتفر، لا لشيء إلا لكونها لا تماثله حسباً ونسباً!!
لا خلاف في كون الحسب والنسب ميزة من الميزات التي يعتد بها الناس في الماضي والحاضر، يعضد ذلك حديث حبيبنا صلى الله عليه وسلم تنكح المرأة لأربع وذكر منها الحسب والنسب.
ولكن ثمة قاعدة تقول: إن المزايا لا تقتضي الافضلية ، بمعنى ان وجود مزايا وصفات حسنة في شخص معين - ومنها الحسب والنسب - لا يعني انه افضل الناس على الاطلاق، ذلك ان المعيار الحقيقي في المفاضلة بين الناس هو الدين والتقوى كما جاء في قوله تعالى: (إن أكرمكم عند الله اتقاكم) وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لا فضل لعربي على اعجمي إلا بالتقوى .
وقبل ان تذهب ظنون القارئ بي مذاهبها اود ان اؤكد هنا - وليس المقام مقام فخر بل دفع شبهة ورد تهمة - أقول إني اود ان اؤكد بأني انتمي الى قبيلة من اشهر قبائل نجد، بمعنى اني حسيبة نسيبة ولله الحمد من قبل ومن بعد، وبالتالي فإني لم اكتب مقالتي وكلماتي هذه لاغراض شخصية او لحاجة في نفسي!! انما هي مسألة قناعة ومبدأ اومن به وأعتقده ولا أجد مانعا من عرضه وبسطه!!
أقول قولي هذا وأنا على يقين تام بان الكثيرين من القراء يرونني مخطئة فيما ذهبت اليه، وماذاك إلا لحصون التعصب المنيعة التي احاط بها اولئك افكارهم، حيث ان المفاهيم العامة لدى الغالبية العظمى من افراد مجتمعنا ليست نابعة من قناعة عقلية وقبول منطقي ورضا حقيقي بقدر ما هي خاضعة لعموم مرئيات المجتمع وأحكامه التي رضعها افراد مجتمعنا من ثدي امهم وما زالوا يورثونها للاجيال اللاحقة من بعدهم!!
وللتحقق من مدى صحة اعتقادي هذا عملت استبيانا شفهيا على مدار سنتين كاملتين، كنت اسأل فيه من قربت مني ومن بعدت من بنات حواء عن رأيها حول هذه المسالة، والغريب حقا ان هذا الاستبيان جاء مؤكداً للاستنتاج الذي خرجت به قبله! حيث وجدت أن 90% ممن سألتهن لم يكن ممن يقيمون وزنا للحسب والنسب، إلا انهن خاضعات - كما أسلفت - في مجمل آرائهن لمرئيات المجتمع وأحكامه!! وقد اجمعن على جملة واحدة كان مضمونها: لا اعتبار للحسب والنسب عندنا ولكن المجتمع لا يرحم ولا نجرؤ مطلقا على المعارضة !!
وبالتالي تيقنت من انه يصدق على اولئك قول الشاعر:
جلوا صارماً وتلوا باطلاً
وقالوا: صدقنا؟ فقلنا: نعم!!
أما ال10% الباقية فقد كانت نتاج اجوبة كبيرات السن المتعصبات جدا للعادات والتقاليد، ولعلي اورد رأي احداهن على سبيل الطرافة، حيث قالت لي بدهشة واستنكار بعد ان رمقتني بنظرات حادة: يا ويلاه,, يا سما لا تطيحين علينا!! عاد هذا سؤال تسألينه يا بنيّتي ؟!
ولئلا أتصادم مع مسلَّمات مجتمعي اقول انني لا ادعو بمقالتي هذه إلى نبذ تلك الاعراف والتقاليد,, لاني حقيقة - كغيري - اخاف ان ارمي سهما قد يصعب عليّ رده! ولأني ايضا اعلم اني بمقالتي هذه اخالف رأي مجتمع كامل بأسره! مجتمع طالما تعلمت اسباب الرضا خوف سخطه!! ولاسيما ان بعض العلماء قد ذهبوا إلى تضمين شرط التكافؤ في الحسب والنسب بين شروط الزواج، مما اكسب وجهة نظر اولئك شيئا من الشرعية.
اقول اني لا أقلل من شأن تلك الاعراف بقدر ما استنكر بشدة قبول المجتمع لمسألة الزواج من الخارج وعدم اعتبار ذلك مشكلة مستهجنة في مجتمعنا السعودي كما في زواج القبلي بمن ليست قبلية او العكس!!
كثيراً ما تقوم الدنيا ولا تقعد لما يُفكر احدهم من فئة القبليين مجرد تفكير بالارتباط بفتاة من الفئة الاخرى بينما نرى سائر افراد مجتمعنا يقبلون سفر الشباب وزواجهم بالاجنبيات اللواتي يجتثونهن من بيئتهن البعيدة عن بيئتنا المحافظة ليعشن معهم ويربين اطفالهم على غير نهج ديننا واجوائنا النظيفة السوية، غافلين عن حديث نبينا صلى الله عليه وسلم القائل: إياكم وخضراء الدمن يعني بها الجارية الحسناء في منبت السوء.
* سؤالي لك يا عزيزتي الجزيرة:
هل من حلٍّ لهذه المعضلة التي اشكلت عليّ؟! وهل من تبرير وتفسير لمسلك اولئك وتوجههم الفكري؟!
هذا ما أتمناه، مع شكري سلفا لكل من يتحفني برأيه ويشاركني بفكره وقلمه.
ليلى محمد المقبل
بريدة

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
تقارير
عزيزتي
الرياضية
ملحق الطائف
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved