Saturday 24th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,السبت 11 ربيع الثاني


في بادرة جديدة للثقافية بالجزيرة
الكتاب الإليكتروني بين رفض المبدعين وترحيب المختصين

القاهرة - مكتب الجزيرة - عثمان أنور
مع كل قادم تقني جديد يمس الحياة الثقافية العربية من بعيد او قريب تتصاعد دقات الطبول وتتعالى اجراس الخطر في الساحة الثقافية، ودائما ما يصاحب هذا القادم التقني الجديد التحذيرات والتبريرات,, التحذيرات من انسحاب البساط من تحت اقدام الادباء والمبدعين، والتبريرات بأن هذا القادم الجديد يخدم ويطور الحياة الثقافية بكل ابعادها وادواتها بما يواكب العصر الذي نعيشه,, هذا ما حدث مع الكتاب الاليكتروني والاستعدادات لإصداره حيث يرى فيه اصحاب البرمجيات والمرئيات وإفادة كبيرة تضاف لحياتنا الثقافية بينما يرى الادباء والمبدعون عكس ذلك وان لم يقللوا من قيمته في اغراض اخرى غير الابداع.
في مبادرة جديدة ل الجزيرة نلقي الضوء على ما هية الكتاب الاليكتروني والآراء المبررة والمحذرة لوجوده.
في البداية يجب الاشارة الى ان الكتاب الاليكتروني مجرد قرص صغير تتوالى صفحاته على شاشة الكمبيوتر وكما يقول د, احمد عبدالعظيم استاذ المكتبات والمعلومات بجامعة القاهرة يسع الواحد منها ما يزيد عن 650 الف صفحة اي ما يعادل 2000 كتاب تقريبا، ومن المنتظر ان تزيد سعة هذه الاقراص يوما بعد يوم مع التطور الهائل الذي يحدث، وبذلك ازدادت الفرصة امامنا لتحويل الكتاب من مجرد صفحات ورقية الى كتاب نشاهده على شاشة الكمبيوتر بالصوت والصورة والمؤثرات الصوتية والموسيقى .
فالنشر الاليكتروني سيخطو خطوات هائلة في السنوات القادمة قد تخلخل بعض الشيء من وضع الكتاب الورقي خصوصا في بعض المجالات العلمية المتخصصة وفي مجال الموسوعات والقواميس والكتاب التعليمي وكذلك ادب الاطفال ومجال الاعمال التراثية والتاريخية.
وعن مزايا النشر الاليكتروني يضيف د, احمد عبدالعظيم هو التفاعل بين المستخدم والكتاب الاليكتروني، كذلك انخفاض اسعاره عن الكتاب الورقي العادي خصوصا في مجال الموسوعات فضلا عن ان القرص الواحد قد يحتوي على موسوعتين او اكثر.
كما يعمل الكتاب الاليكتروني على تنمية المهارات الاساسية والتدريب لتعلم اللغات والعلوم والرياضيات، اما المخاطر التي تنتج عن الكتاب الاليكتروني فيقول اهمها المشاكل المترتبة على النسخ والتزوير وذلك لسهولة نسخ القرص في وقت اقل من نسخ وتزوير الكتاب العادي، هذا بجانب الفئات العالية لعناصر الجمارك وضرائب المبيعات وضرورة الحصول على موافقة الرقابة على المصنفات الفنية فضلا عن حاجة هذه الكتب الى التطوير المستمر من جانب آخر يؤكد,, اسامة السيد استاذ المكتبات والمعلومات بأداب القاهرة انه بالرغم من انتشار الكتاب الاليكتروني وتزايده باستمرار الا ان نسبته في العالم لا تزيد على 8% مما يصدر مطبوعا وبالتالي ليس كل المطبوع يصدر اليكترونيا، فانتشار الكتاب الاليكتروني سيعتمد على اقتصاديات التشغيل، وهذه الاقتصاديات تجعله بعيدا عن متناول العديد من القراء في الغالب الاعم، كما يتطلب الكتاب الاليكتروني استعدادا ووقتا خاصا، بينما الكتاب العادي يمكن قراءته في أي وقت تدفع آراء المختصين الكتاب الاليكتروني الى الصدارة فماذا يرى المبدعون والادباء؟
يقول الاديب يوسف القعيد الانحياز دائما يكون للكتاب التقليدي الذي ارتبط الى حد كبير في عقلية المبدعين والادباء بالحالة الابداعية ذاتها، بمعنى ان الاديب وهو يكتب يضع في ذهنه ان ما يكتبه سيخرج في صوة كتاب ورقي وسيتوجه به الى قارىء معين، ولذلك من الصعب حاليا ان يمحو الاديب من مخيلته كل ذلك وهو منكب على عمله الابداعي، فهذا يعتبر اولا داخلا لا بالعملية الابداعية، ولا ادري كيف ينسجم المبدع مع كتابته في ظل هذا الشكل الجديد من الكتاب، واما اذا كان الكتاب سيتحول بعد كتابته الى اقراص فهذا امر آخر يدخل في دائرة توزيع وانتشار الكتاب، وان كنت في صف الكتاب الورقي وتصفحه وقراءته على تصفح الكتاب الاليكتروني لان في عملية القراءة ايضا لانستطيع اغفال جزء المشاركة الواجدانية، وهذه تحتل مساحة ما في ذهن القارىء حيث يشعر ان المؤلف يختص بمخاطبته وذلك حسبما يتراءى لكل قارئ بين سطور الكتاب، وفي حالة الكتاب الاليكتروني اعتقد ان هذه المساحة ستختفي لانه يحتاج لوجود آلة لقراءة الكتاب الاليكتروني وهذه الآلة ستمحو هذه الحالة التي قد يعيشها القارىء اثناء تصفحه للكتاب العادي، فالكتاب الاليكتروني للباحثين والدارسين اكثر منه للقارىء العادي الذي يفضل القراءة وهو مستريح البال غير منشغل بفك وتركيب الازرار والاسلاك الكهربائية.
ومن جهته يرى الشاعر الكبير الدكتور حسن فتح الباب ان المشهد الثقافي تنفتح امامه فضاءات رحبة مع دخول القرن الجديد قد يستوعبها ويطوعها لتزيده ثراء وتلقي عليه اضواء جديدة تبرز العديد من جوانبه ليبدو مشهدا متكاملا آخذا بمعطيات العصر والاساليب الحديثة، او قد يتوه هذا المشهد في ظل طغيان عالم الصورة والشاشات المرئية وعمليات الاحلال التي تتم بلا هوادة حيث تحل الصورة مكان الكلمة المكتوبة.
فالامر يتوقف على مدى استيعابنا نحن لهذه التقنيات الجديدة واستثمارها بما يتوافق مع صالحنا وتطور ثقافتنا دون فقد لهويتنا او لاستغناء عن ادواتنا الاصيلة، ورغم انني اتفق مع الكثيرين الذين يؤكدون عدم تأثر الكتاب التقليدي بما يطرأ على الساحة من اشكال جديدة او مستحدثة مثل الكتاب الاليكتروني وان مثل هذه الاشكاليات مع الكتاب قد تكررت كثيرا من قبل مثلما اثير مع دخول التليفزيون ومنافسته للسينما والكتاب ومثلما اثير عن بداية دخول آلة الكمبيوتر كل هذه التطورات اثيرت معها اشكالية تأثر الكتاب ولكن انتصر الكتاب في النهاية وظلت مكانته محفوظة لرواد الثقافة والادب، ورغم اتفاقي مع ذلك الا انني في هذه المرة يسيطر على هاجس الخوف على الكتاب التقليدي والسبب في ذلك يعود الى التقدم الهائل في اساليب المعرفة والتقنيات الحديثة التي ستزيد بالطبع مع دخول القرن الجديد الذي اعتبره قرن الانقلابات الكبرى في عالم المعرفة والمعلومات هذا من ناحية ومن ناحية اخرى ما استشعره بنقص مساحة تواجد الكتاب التقليدي في الساحة وتقلص عدد القراء، وانصراف كثير من الشباب الى تلقي المعلومات والمعرفة من الشاشات المرئية فليس لديهم وقت للقراءة , ورغم احساسي هذا الا انني أؤكد في النهاية انه لا يمكن الاستغناء عن الكتاب التقليدي لطالب الادب والثقافة الحقة وسيخرج منتصرا على الكتاب الاليكتروني كما خرج منتصرا في جميع الاشكاليات التي قابلته سابقا.
ويعلق الناقد الادبي ابراهيم فتحي موضحا انه لا يخفى على احد ان وضعية الكتاب بشكل عام صارت مهددة في ظل انقراض دائرة القراء وكذلك في ظل عمليات القرصنة التي تتم في تجارة الكتب ، فدائرة القراء تتقلص بشكل مستمر حتى اصبح المبدعون يقرأون لانفسهم واعلى نسبة توزيع للاديب نجيب محفوظ رغم شهرته لاتزيد عن 500 نسخة فما بالنا بباقي الادباء، في ظل هذه الاوضاع نرى عصر الصورة يجتاح المشهد الثقافي فكل اديب حاليا يحاول تعلم الكمبيوتر فضلا عن امتلاكه والاطلاع على شبكة الانترنت وكتابة رواياته وقصصه عليه - كل ذلك يأتي في سياق استيعاب ادوات العصر، ولكن ماذا لو كانت هذه الادوات تتعارض مع صميم عمل المبدع مثل جعل الكمبيوتر مبدعا، فهذه التجارب منتشرة في الغرب بان تدخل المعلومات الى الكمبيوتر واسماء الابطال والشخوص ويقوم هو بمزجها وبناء مسارها ونهايتها، وهذه الحالة مرفوضة لان الكمبيوتر المبدع لامكان له في العالم الانساني الذي يخاطبه الاديب البشر والذي يضفي على شخصياته ابعادا انسانية هي ضرورة حتمية للكتابة الابداعية, والآن يأتي الكتاب الاليكتروني وأعتقد انه ليس ضد المبدع بل ربما يساعد على انتشار كتاباته وقراءتها على الشاشة ومن ثم الرغبة في امتلاكه مطبوعا، او ربما يحدث العكس فينصرف القارىء عن شراء الكتاب طالما قرأه على الشاشة,, وهذا ما نشهده الأيام القادمة.

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
تقارير
عزيزتي
الرياضية
ملحق الطائف
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved