تطرح الإجازة الصيفية نفسها كسؤال سنوي متكرر يطرح نفسه ليواجه مجتمعنا العربي السعودي بتحدي الإجابة، وفي كل مرة تأتي الاجابات المتنوعة متعددة التوجهات كتعدد الاسر والافكار في بلادنا وتختلف بالتالي الاطروحات حول النتائج المتوقعة من مزايا وفوائد من ناحية او مشكلات اجتماعية واقتصادية من جهة اخرى تلقي بظلالها الثقيلة على بعض الاسر بينما ينجو البعض الآخر دون إجابة حاسمة على السؤال إلا ان الحقيقة الثابتة هي كون الإجازة الصيفية لم تصبح بعد مصدرا للفائدة في مجتمعنا.
وتثير كلمة فائدة استغراب البعض حيث يرون في الإجازة فرصة للراحة والاستجمام، ناسين او متناسين، ان فترات الراحة والاستجمام لا يمكن ان تكون ممتدة لأكثر من ثلاثة اشهر متتالية حتى يتحول الاسترخاء لكسل والاستراحة الى اسلوب غير طبيعي للحياة مخالف للمعتاد، حيث يتعود أبناؤنا وبناتنا نوم الضحى والسهر طوال الليل امام شاشات الفضائيات بغثها وثمينها,, ينطلق الكبار منهم في رحلات داخل وخارج الوطن لا ندري في معظم الاحيان كيف يقضون وقتهم فيها، ولا نعرف ما هي الفوائد التي يجنونها من وراء هذه الرحلات التي تطول احيانا وتقصر احيانا.
هذا الاسلوب من اساليب الحياة - بغض النظر عن الاضرار الشخصية والاجتماعية - يؤثر تأثيرا كبيرا في شخصية الابناء وسلوكهم الذي تنمو فيه الشخصية الاستهلاكية مقدمة تكوين شخصية لا مبالية غير ملتزمة لا تقدر الوقت ولا المال ولا تثمن قيمة العمل فيقعون ضحية لهذه السلوكيات في المستقبل يعانون منها ويئنون تحت الاعباء الاقتصادية الناتجة من سوء التعامل مع المال والوقت، وكلاهما ثمين.
ولا تبرر وفرة الإمكانات المادية للأسر مثل هذه السلوكيات، فليس الهدف المال بحد ذاته - وليس عيبا ان يكون ادخاره والعمل للحصول عليه هدفا - بل الهدف الحقيقي هو تربية أبنائنا واعدادهم لمتغيرات الحياة في المستقبل، فكما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم) ومن المعروف ان المجتمعات المتقدمة تتعامل مع أبنائها من هذا المنطق - وهم الاكثر امكانات وقدرة - فهم يتعاملون بهذا المنطق الإسلامي وهم غير المسلمين ونجتنبها ونحن ابناء الاسلام، فالشاب الامريكي - على سبيل المثال - يستقل عن اسرته مبكرا - أيا كان ثراء هذه الاسرة - ويعول نفسه,, يعمل في إجازة الصيف معظم الوقت وجزءاً من اوقات الدراسة ليؤمن لنفسه مصاريفها، وفي نفس الوقت يتمتع بعطلة نهاية اسبوع ويسمح لنفسه بإجازات محدودة تطول اسبوعا او اكثر يقضيها في مكان يتفق وظروفه فيجدد نشاطه دون ان يستهلك إمكاناته المادية ودون ان يتطلع لدعم من اسرته يراه عيبا في حقه وإقلالا من قدرته على ان يستقل بنفسه.
ونحن هنا لا ندعو شبابنا ان يستقلوا عن اسرهم، فطبيعة المجتمع العربي المسلم والالتزامات الاخلاقية والاجتماعية للأسرة بشكلها الخاص في مجتمعنا تجعل الأبناء في منأى عن ذلك الوضع - لكن - في المقابل فإن تراثنا الاجتماعي يتضمن اشارات اجتماعية واقتصادية تربوية ايجابية في علاقة الابن بالتزامات اسرته، ففي الماضي القريب كان لكل فرد من افراد الاسرة العربية دور مباشر في اعباء الاسرة يقوم به تلبية لاحتياجات هذه الاسرة المادية والاجتماعية والاقتصادية,, لا فرق بين رجل وامرأة,, فتى او فتاة, شيخ أم عجوز,, الكل له دور في حدود طبيعته وقدراته وخبراته وإمكاناته يصب في النهاية في مصلحة المجموع,, كان لكل اسرة سواء حضرية كانت,, ريفية أم بدوية حجم عمل ينجزه أبناؤها بشكل يتناسب مع الظروف التي تعيش فيها وفاء لاحتياجاتها,, لذلك كان للعمل قيمة واحترام.
ما نريده الآن ان يسترد العمل قدره واحترامه في عيون الابناء,, نحن لا نطالبهم ان يعولوا اسرهم، ولا حتى انفسهم - وهذا ليس بعيب - بل نريد منهم ان يكون للوقت والعمل في حياتهم معنى أكثر أهمية,, معنى ايجابي يساعدهم في صناعة مستقبل مشرق جاد ومزهر من أجل هذا الوطن الذي قدم وما زال يقدم الكثير لابنائه ولم يبخل ,, نريد ان يكون ليومهم معنى,, موعد معقول للنوم، وموعد مقبول للاستيقاظ,, ووقت محدد للعمل، وآخر للمتعة واللهو البريئين,, وقت مناسب للراحة ومساحة كافية للاطلاع والثقافة وتنمية الشخصية,, نريد منهم ولهم نظاما يساعد في بناء الشخصية ويقود الى انجاز ذاتي يصب في بناء المجتمع.
وتقدم دولتنا التي تهتم بالصغيرة والكبيرة من مصالح أبنائها فرصة عظيمة هذا العام إذ تؤمن فرصا للعمل الصيفي في العديد من الجهات الحكومية والاهلية، فهل يغنم أبناؤنا الفرصة لتحقيق ولو جزء بسيط من الذي نأمله منهم؟,, نرجو ذلك.
ناصر السعدون المحيفر