تقدم الشاب الى رئيس المحكمة بخطاب يُفيد فيه رغبته بتطليق زوجته، وقال له الرئيس وهو يحيل معاملته الى أحد القضاة: استصلحها هداك الله فهي ام اولادك! وخرج الشاب وبرفقته شيخ في السبعين من عمره، لا أدري ما علاقته به، لكنه يتحدث إليه كثيرا، والشاب مصغ لما يقول وقلت في نفسي: هذا شاب لم يجرب الحياة بعد، وهذا شيخ مر عليه حلو الحياة ومرها! فماذا ياترى ينصحه به؟ وهل سيأخذ الشاب بنصيحته وتجربته في الحياة!
ان الكبار في الحياة أمثال الجبال، فالجبال جعلها الله أوتادا ورواسي للأرض والكبار بتجاربهم وخبراتهم رواسي للعقول الشابة التي لم تخض غمار الحياة بعد.
وقد تتخيل ان فكر الكبير وتجربته هما معوق أمام مستقبلك وحائل دون رايك وإرادتك واختيارك النفسي، وهذا أشبه ما يكون بتخيلك ان الجبل الراسي أمامك قد اقفل الأفق أمامك، والحقيقة انه عون لك على التطلع الى آفاق أبعد، وتستطيع ان تدرك ذلك اذا صعدت عليه ووقفت على قمته، وهذا أشبه ما يكون بتبني خبرة وتجربة وتوصية الكبير، إن الصعود عليها استشراف لمستقبلك وصعود على أساس أرسى وأقوى وفرصة للتطلع الى المستقبل بعيون الشباب وذاكرة الشيوخ، فالماضي يعيش في ذاكرة الآباء، والمستقبل حي في عيون الابناء وتجسير العلاقة بينهما يعني وصلا بين الماضي والمستقبل يربط بين عمقين هامين خيره ونفعه دائما للشباب.
فجاور (كبيرا) واقتدح من زناده وأسند إليه إن تطاول سلما ! |
جرب دائما ألا تحتقر رأي من هو أكبر منك سنا، فهو أعلم منك بالحياة وأسرارها ولكن لا تجعل تجربته سُنة تتبع، ولا قاعدة لا تتغير، ولكن خذ منها بقدر ما يُفيدك ويُبصرك ويُعطيك علامات الطريق ومفاتيح النجاح.
زوجة ملتزمة
ياليتني للحمر ما عاد طسيت وياليت ربي ما سعى في جوازي وياليتني عند المداخيل عييت قبل الملاك وقبل يدخل جهازي,,! |
هذه الشاعرة امرأة ملتزمة، وزوجة مؤمنة بقضاء الله وقدره، قدر الله زواجها برجل رحل بها الى (الحُمُر) بضم الحاء والميم، ريف من الأرياف الغربية لمدينة بريدة ضمن النطاق العمراني للمدينة في الوقت الراهن,, القصة حدثت من تاريخ بعيد جهلته الراوية التي روت لي البيتين وتُحس من مشاعر الشاعرة التي لم يبق لها إلا التمني، انها حريصة على بقاء (الميثاق الغليظ) الذي وصلها بزوجها، ورغم انها غير مرتاحة بالغربة والزوج الجديد إلا انه لا يظهر من تمنيها رغبتها في الطلاق، بل كانت ترجو لو رفضت هذا الزواج عند بداياته الأولى حين عقد القرآن (الملاك)، وقبل دخول المهر (جهازي) لمنزل والدها! ويتضح من قولها: (وياليتني عند المداخيل عييت) ان الشاعرة لم تجبر على قبول هذا الزواج، بل قبلته طائعة وذلك مما ضاعف ندمها بعد ذلك! اللوحة التراثية جميلة وهي تعبر بوضوح عن أمهاتنا الأوائل، كيف كانت الواحدة منهن مطيعة لربها وأبيها وزوجها، راضية بأقدار الله، مفوضة الأمر اليه كله، لقد عبرت لنا هذه الشاعرة بحرف التمني (ياليت) باعتبار ان قضية الزواج بعد المهر والعقد والرحيل لمزرعة الزوج (الحُمُر) مسألة محسومة لا رجعة فيها، لكن الشاعرة وجدت في الشعر متنفسا نفسيا للتعبير عن ندمها العميق! للقصيدة بقية وللقصة تفاصيل اوسع، ولكن فواتح الشعر وشواهده وشوارده هي التي تبقى، ويضيع أكثره، وتضيع معه تفاصيل كثيرة لأحداث الخبر,,!
عبدالكريم بن صالح الطويان