تعمد رئيس الوزارة الاسرائيلية يهودا باراك ان يؤكد اثناء لقائه في البيت الابيض مع الرئيس الامريكي بل كلينتون ان رفضه لقضايا محددة منذ دخوله الى حلبة التنافس على رئاسة الوزارة كان جادا وسيعمل على تنفيذه من موقعه بالسلطة من خلال مباحثاته السلمية على المسار الفلسطيني، ونفى بصورة قاطعة انه استخدمها بغرض الدعاية الانتخابية، وانه يعلن الآن للفلسطينيين والامريكان وللعالم عن موقفه الصريح حتى لا يخدع أحداً.
اوضح ديفيد ليفي وزير الخارجية الذي رأس جلسة مجلس الوزراء يوم الاحد الماضي ان تلك القضايا التي يلتزم بها يهودا باراك وتحدث عنها مع الرئيس الامريكي بل كلينتون هي اللاءات الأربعة، لا لحدود 1967م مع العرب حتى يضمن حدوداً آمنة لاسرائيل مع جيرانها، ولا لتقسيم القدس الى شرقية وغربية تمهيداً لاتخاذها العاصمة الأبدية لأرض الميعاد التي تقوم فوقها الدولة الاسرائيلية ولا لجيش فلسطيني لانه لا مكان لجيش غير الجيش الاسرائيلي على ارض الضفة الغربية من نهر الاردن، ولا لازالة المستوطنات اليهودية القائمة فوق ارض الضفة الغربية وقطاع غزة لأنها تأوي مواطنين اسرائيليين بموافقة مسبقة من الحكومة الاسرائيلية.
واضح من هذه اللاءات التي يتمسك بها يهودا باراك انها تهدف الى تدجين الدولة الفلسطينية من قبل قيامها لتكون خاضعة للنفود الاسرائيلي الراغب في جعل الفلسطينيين تابعين لها في ظل الحكم الذاتي الذي يسمح لهم به او السماح لهم بقامة الدولة الفلسطينية.
اذا نظرنا بامعان في اللاءات الأربعة التي تتمسك بها اسرائيل أدركنا انها ترغب في اقامة دولة فلسطينية ناقصة السيادة وهو ما يفقدها احد اهم اركان الدولة ويحولها الى مجرد اقليم اسرائيلي بمسمى دولة فلسطينية.
ليس صحيحاً ان يهودا باراك لا يريد ان يخدع احداً بالاعلان عن موقفه ولكن الصحيح انه يغش العالم كله بسلام زائف مع الفلسطينيين لانه لن يرفع التوتر الاقليمي الذي يدفع منظمة حماس الى مواصلة نضالها ضد اسرائيل التي تحرم الفلسطينيين من وطن حقيقي يلم شملهم ويعطيهم مكانتهم بين الأمم.
الدليل على صحة ما نقول التصادم بين تل ابيب وواشنطن عندما قال الرئيس بل كلينتون ان امريكا على استعداد لتقديم العون للاجئين الفلسطينيين في العودة الى بلادهم اذا رغبوا في ذلك على غرار ما فعلت امريكا مع اللاجئين الالبان باعادتهم الى وطنهم كوسوفا بعد تدجين الجيش الصربي بضربات حلف شمال الأطلنطي.
ردة الفعل الاسرائيلية التي اكدت ان عودة اللاجئين مرتبطة بالارادة الاسرائيلية وهي لن تسمح بذلك على الاطلاق لأن عودتهم تخلخل التركيبة السكانية وتؤثر على الأمن الاسرائيلي، ودفع ذلك المتحدث باسم البيت الابيض الى لحس تصريح بل كلينتون في المؤتمر الصحافي بعد اجتماعه مع الرئيس المصري محمد حسني مبارك وتأكيده بعد مضي اكثر من نصف قرن على ان خروجهم من ارضهم افقدهم حقهم في العودة بالتقادم الأمر الذي يجعل وضعهم يختلف عن وضع اللاجئين الألبان الذين خرجوا لتوهم من بلادهم واستوجبت اعادتهم اليه بعد ان رفعت اسباب هجرتهم وتهجيرهم بالقوة.
نسي او تناسى المتحدث الرسمي للبيت الابيض في تكذيبه للرئيس بل كلينتون ان اللاجئين الفلسطينيين هاجروا او هجروا بالقوة من وطنهم في سنة 1948م واذا كانت الدولة الفلسطينية او الحكم الذاتي الفلسطيني لا يرفعان اسباب خروجهم من بلادهم فما هي الجدوى من قيام الكيان الفلسطيني، واين معطيات السلام الذي تتحدث عنه اسرائيل في عهد يهودا باراك.
هذا الافك الاسرائيلي الذي يتحدث عن السلام الزائف الذي يتخذ شكل الاستسلام دفع ديفيد ليفي الى مغازلة رئيسه يهودا باراك بوصفه انه صادق بطرحه لكل اوراق اسرائيل امام الرئيس الامريكي في البيت الابيض ليوضح الخطوط الحمراء التي لن يسمح لأحد بتجاوزها من خلال المباحثات على كل المسارات التفاوضية مع الفلسطينيين او مع السوريين واللبنانيين على مسار واحد او مسارين مستقلين.
واكد وزير الخارجية ديفيد ليفي ان الوضوح والصراحة اللذين يتحدث بهما يهودا باراك سيدفعان بالعملية السلمية الى المسار الصحيح الذي يحقق الصلح مع كل العرب ويقيم السلام في منطقة الشرق الاوسط خلال مدة زمنية لا تتجاوز خمسة عشر شهراً، وهو ما اكدته المفاوضات الامريكية الاسرائيلية حيث تم الاتفاق على جدول زمني في البيت الابيض لتحقيق السلام في الشرق الاوسط خلال خمسة عشر شهراً.
وطلب يهودا باراك من بل كلينتون توجيه الوساطة الامريكية مع سوريا وترك اسرائيل وحدها للتفاوض مع الفلسطينيين لان السلطة الوطنية الفلسطينية متفهمة لطبيعة الدور الاسرائيلي مما يجعل الوصول معها الى معادلة سلام تخدم المصالح الاسرائيلية وفي نفس الوقت تحقق الآمال الفلسطينية وقدم الدليل على ذلك بأن التعديلات المطلوبة على اتفاقية واي ريفر بلانتيشن تخدم المصالح الفلسطينية لانها تعطيهم جسرا يربط قطاع غزة بمدينة الخليل بصورة تحقق الرباط المباشر بين كل الاقاليم المعادة للسلطة الوطنية الفلسطينية على شرط ان يتعهدوا بحفظ الامن الاسرائيلي ومكافحة الارهاب الموجه ضد اسرائيل.
وأخذ يهودا باراك بنصيحة بل كلينتون واتصل هاتفياً بياسر عرفات واطلعه على ما تم الاتفاق عليه في واشنطن وحدد موعدا للقائهما بعد عودته من جولته الاوروبية ستشمل بريطانيا وفرنسا والمانيا في طريق عودته الى اسرائيل التي سيلتقي فيها مع رئيس الوزارة الاسبانية خوسيه ماريا اسنار.
من الواضح ان يهودا باراك حقق في واشنطن الغاء الوساطة الامريكية بين الاسرائيليين والفلسطينيين لانه يريد ان يلغي بصورة قاطعة مساعدة امريكا للاجئين الفلسطينيين في العودة الى فلسطين بعد قيامها ومع ذلك بارك بل كلينتون التوجه الاسرائيلي السلمي ووعد بتقديم العون المالي لتل ابيب الذي يغطي كل نفقات المباحثات السلمية.
وبدأت المعونة المالية الامريكية لاسرائيل برفع الحظر عن مبلغ الف ومائتي مليون دولار امريكي جمد صرفها بسبب سياسة بنيامين نتنياهو ضد اتفاقية واي ريفر بلانتيشن ومعنى ذلك ان يهودا باراك سيعود الى اسرائيل وفي جيبه شيك بهذا المبلغ الكبير كدفعة اولى لسياسته السلمية وسيتبع ذلك تدفق مالي يصل من واشنطن الى تل ابيب مع كل خطوة تخطوها اسرائيل في طريق السلام.
ليس العائد المالي وحده الذي سيقدم لاسرائيل في مقابل سعيها للسلام وانما هناك عائد استراتيجي تحصل عليه في اقليم الشرق الاوسط برفع صلة التحالف من مرتبة الحليف الاستراتيجي لامريكا في الشرق الاوسط الى مرتبة اعلى لا تزال في طي الكتمان لانها تطبخ على نار باردة في المطبخ السياسي بالبيت الابض.
ربما يتم الاعلان عن مستوى التعاون الاستراتيجي الامريكي الاسرائيلي في ثوبه الجديد قبل مغادرة يهودا باراك لواشنطن واغلب الظن ان الاعلان سيأتي في وقت لاحق لان الطهاة السياسيين المكلفين بهذه القضية ما زالوا حتى الآن في مراحل الاعداد للوجبة المسمومة التي ستقدم للعرب بسم لن يقتلهم وانما سيزيدهم وهناً على وهنهم وضعفاً على ضعفهم ليقبلوا بالصيغة السلمية الاسرائيلية التي تسلبهم حقهم في الارض وتنهب منهم حقهم في الحياة المستقلة وتحولهم الى اتباع بمعاهدات استسلام تسمى بالسلام.
يتوقع ان امريكا ستعطي اسرائيل العضوية في حلف شمال الاطلنطي الناتو وهو مطلب اسرائيلي تسعى اليه لتجعل من ادوارها السياسية في داخل اقليم الشرق الاوسط جزءا من الاستراتيجية الدولية العليا لم ترض بالحليف الاستراتيجي لامريكا ولم تكتف بالحلف العسكري الذي يربطها بتركيا لان ذلك ذلك يقيدها داخل حدود الاطار الاقليمي ويمنع دخولها بالعرض والطول في الاستراتيجية العالمية.
زيارة بريطانيا وفرنسا والمانيا والتحدث في داخل اسرائيل مع رئيس الوزارة الاسبانية خوسيه ماريا اسنار هو في حقيقته دهلزة اسرائيلية عند هذه الدول ليقبلوا بها عضواً في الناتو عندما ترشحها واشنطن لهذه العضوية خصوصا وان هذه الدول الثلاث التي سيزورها في رحلة عودته والالتقاء باسبانيا بعد عودته الى ارض الوطن اليهودي ليس لها ادوار مقبولة في الوساطة ولكن لها كلمة مسموعة عند قيادة الناتو في بروكسل.
لا تزال الصورة حتى الآن غير واضحة المعالم ولكن من الممكن ان تتم بصورة فجائية وسريعة قبل ان يرتد الطرف الدولي او قبل ان تصل اليكم كلماتي عن مؤامرة امريكية الجديدة ضد العرب باعطاء اسرائيل عضوية حلف الناتو لتكون ذات مكانة دولية رفيعة في داخل الاقليم.
|