كم من الانجاز الاقتصادي حققناه وهو مبهر بكل المقاييس خلال الثلاثين سنة الماضية كان وليد التخطيط والبرمجة وكم جاء منه ضربة حظ كما يقولون؟ وانا اميل شخصياً الى نظرية التخطيط للاسباب التالية:
- انه باستثناء ظروف قاهرة جداً كان معدل النمو في المملكة موجباً بل ومرتفعاً بشكل مستمر ودائم منذ بداية الستينات الميلادية, ان الذي يسهل تفسيره هو الهبوط لاسباب خارجية, اما النمو فقد جاء متعاظماً بالرغم من التحديات المختلفة, فلماذا نقبل، بحكم نظريات الاحتمال، والشذوذ على انه القاعدة؟ ان القاعدة في تاريخ المملكة الاقتصادي انه اقتصاد مستقر النمو.
- كم من نمونا اتى من النفط لما قبل عهد الخطط الخمسية وكم منه اتى بفعل القوى الذاتية فيه, واقول في ذلك انه ليس كل من يأتيه المال والخير يتصرف به بحكمة, ولو لم يتم بناء الاقتصاد السعودي على اسس سليمة لما تمت الاستفادة الحقة من الموارد النفطية, ان ثروة هذا البلد الحقيقة قامت حقاً على ركائز الاستقرار والامن والقيادة السياسية الواعية، وعدم اجهاض الوطن بعقائديات اقتصادية تبدو جذابة في رونقها ولكنها متهالكة في جوهرها, كما تم التركيز على التعليم فلم يقع البلد فريسة الرواسخ الطبقية، وان المحن التي تجاوزها الوطن - وما اكثرها- علمتنا الامل الذي يقوم على النجاة من الالم.
- لقد حققت المملكة في عمرها الوطني انجازات اعتمدت على الطموحات الكبيرة المكلفة مالياً,, فالمشاريع الكبرى التي تم بناؤها ما كانت لتقوم لو لم تتوفر لها فرص التمويل,, هذه المرحلة انتهت, اننا الآن في مرحلة جديدة تقتضي منا طموحات كبيرة بمال قليل وعقل كبير, انه عصر التقنية بكل وسائلها ومقوماتها وتوجهاتها,, وعصر العلم المعتمد على العقل والمهارة, وهذان ليسا في حاجة الى عملة اجنبية لتوفيرهما.
ان السياسات التصحيحية هي الآن اكثر من اي وقت مضى على القوى الداخلية الذاتية للاقتصاد, في السابق كان معظم التذبذب في كرة الاقتصاد ناجماً عن الظروف الخارجية اما الآن فان الظروف الداخلية لها دور اكبر وافعل في حصار الدورة الاقتصادية واعادتها الى جادة الصواب, ولهذا فان التركيز على الادارة بوجه عام,, والادارة الاقتصادية بوجه خاص امر في غاية الاهمية, ان الاعتماد الذاتي ليس شعاراً نطرحه ونكتفي به,, بل يجب ان نتبناه ونحن مدركون لكل ابعاده, ان خطط التنمية وحتى الحالية منها تتحدث عن توزيع المكاسب والدخل والثروة والخدمات لكنها لا تتحدث عن توزيع التضحيات والالم والخسارة.
ان كل قرار اقتصادي يُتخذ يجب ان ينتج عنه اعادة للتوزيع فيكسب البعض ويخسر البعض الآخر دون ان يكون لنا قدرة على تعويض الخسران, ولكن الذي يجب ضمانه امران، هما: ان يبقى امام الخاسر فرصته للتعويض ان هو اختار النهج الاداري الاقتصادي الصحيح، والثاني هو ان المستفيد يدفع للدولة ما عليه من التزامات، والا فان المستقبل ينطوي على آلام اجتماعية كبيرة جداً.
ان الوضع الدولي بمعطياته السياسية والاقتصادية والتقنية، سيفرض علينا قرارات دقيقة جداً,, فالدخول في عملية السلام,, والتكتلات الاقتصادية,, وولوج العالم في ثورة صناعية تقنية عارمة تعيد توزيع خارطة التخصصات الدولية,, والتقلب الهائل في اوضاع الدول العربية حولنا لا يمكن ان نحيّد آثاره علينا بدون قرارات شجاعة قوية.
د, ثامر المطيري