الجزيرة في مواجهة الأديب سليمان فياض,,بعد بلوغه السبعين لا أمتلك مشروعاً أدبياً وجيلي لم يطرح صيغة معينة أنا كائن بسيط ومتواضع وعاشق للغة كتاب النميمة تجربة فريدة في هذا العصر |
القاهرة مكتب الجزيرة عثمان أنور
الأديب سليمان فياض قاص من زمن العمر الجميل, زمن يحيى حقي، ويوسف ادريس، ونجيب محفوظ وغيرهم من الرواد الذين أسسوا لنهج إبداعي مميز سار عليه الكثيرون، وخرج من معطفهم معظم جيل الستينيات وإن كان لهم أسلوبهم المميز والمختلف.
وسليمان فياض كاتب شامل، عاشق للغة لا يختلف النقاد على قيمته الإبداعية الكبيرة سواء في قصصه ورواياته او في جهوده في تطوير اللغة العربية وإنجازه لسلسلة أعلام العرب للناشئة ضمن مشروعه الضخم في معجم اللغة.
نشر فياض أول قصصه عام 1954 وكانت بعنوان الذبابة البشرية وحصل على جائزة الدولة التشجيعية عام 1970 وتوالت إصداراته، وترجمت روايته اصوات الى اللغة الفرنسية والانجليزية والألمانية، وقد احتفل المثقفون بفياض مؤخرا ببلوغه السبعين من العمر.
التقته الجزيرة الثقافية في هذا الحوار الذي كان أشبه بوقفة معه تميل أحيانا الى الصدام والمواجهة في محاولة لتقييم تجربته الطويلة.
الاسم لا العمل
* بعد هذا العمر وبعد هذه التجربة الخصبة ما يزال اسمك اشهر من اعمالك ويسبقها الى حد كبير فما سبب ذلك؟
لا أعرق ما قصدك بهذا السؤال ولكن أريد القول ان نجاحي وشهرتي يعودان لكوني قاصا وكاتبا جيدا وصاحب منهج وإبداعات لغوية، فقد بدأت الكتابة في أواخر الخمسينيات حيث لم يكن هناك نافذة للنشر سوى مجلة الآداب البيروتية وبقية المجلات كانت تهتم بالفكر والدراسات والمسرح والسينما وكانت فرصة نشر الأعمال الإبداعية قليلة جدا، وقد طبعت أول مجموعة لي عام 1961 وكانت بعنوان عطشان ياصبايا على نفقتي الخاصة ولم تقبلها أي دار توزيع فقمت أنا بمهمة التوزيع على المقاهي، ومعظم أعمالي صدرت بالخارج حتى رواية أصوات نشرتها مجلة الآداب في عشرين صفحة وهذا لم يتكرر طول تاريخها إلا مع زكريا تامر في قصته البدوي وكان ذلك أثناء وجودي في لبنان.
بعد ذلك قررت العودة الى مصر فأصدرت ذات العيون العسلية، القرين، الفلاح الفصيح، الصورة والظل، وغيرها في فترة أواخر السبعينات والثمانينات.
تقييم موضوعي
* وكيف ترى الآن وقد تخطيت السبعين من العمر مرحلة بداية الوعي الإبداعي لديك؟
هذا السؤال من القول المعاد فالإنسان ابن بيئته الاجتماعية، وتكوينه الثقافي خاضع لها، وخاضع أيضا للنواة الاجتماعية الأولى: الأسرة والموروثات الاجتماعية التي يتكون الإنسان من نسيجها، يأخذ منها ويحذف، جدل مستمر بين العقل والروح من جهة، وبين الواقع في مراحل النمو وظروف النشأة والتكوين من جهة أخرى,, ثم عن أي بداية وعي تسأل؟! وإن كان عن النزوع للقص فارجع الى كتاباتي المنشورة قديما بمجلة الهلال منذ عشرين عاماً أو أكثر.
وإن كان عن خبرتي في الحياة فحياتي في القرية ومدن الأقاليم والزقازيق والمنصورة والسنبلاوين وعملي لفترة في المملكة العربية السعودية والأردن وتطوافي بالعراق ولبنان وسوريا والضفة الغربية وغزة وعلاقاتي بالأصدقاء والمجتمعات الأدبية وبتأمل ذلك تجد الإجابة.
القرية
* تدور معظم كتاباتك عن القرية، هل كانت مجرد نقل أم أنها رؤية ؟
الوحيدان القادران على إجابة هذا السؤال هما القارىء والناقد,, فهل القراء الذين قرأوا أعمالي منذ عام 1954 الى اليوم، وهل النقاد الذين كتبوا عنها أكثر من مائتي دراسة؟ وهل مجلة الآداب التي قبلت نشرها باحتفاء دائم ومعها مجلات المجلة والكاتب ومواقف وأقلام, هل كانوا جميعا يقبلون قصصا هي مجرد نقل!,, هل ترى أن كاتبا يمكن أن يستمر في الكتابة وهو مجرد مصور فوتغرافي يعمل على نقل الواقع,, واقع القرية او المدينة، واي واقع آخر يكون في القصص ليس هو نفسه الواقع، إنه واقع في منظور، ومنظور له رؤية، إذا سلمنا بذلك فيمكن ان نتجادل حول هذه الرؤية في عملي الفني.
القرية واللغة
* وهل الكتابة عن القرية احتاجت للغة مناسبة للتعبير ام أن اللغة جاءت مباشرة من الموضوع؟
هذا سؤال جيد واجيب عنه بأن التجربة الإبداعية تفرض لغتها، وإن هذه اللغة تتعدد بتعدد التجارب فالكاتب الحق لايستخدم نمطا محددا من اللغة فهذا يؤدي به الى طريق مسدودة وفن مكرر ومعاد، فالقص له وسائل قص معروفة يختار منها الكاتب ما يناسب تجربته,, عقله الباطن يقوم في ذلك بالدور الأكبر تعينه الخبرة والتدريب والممارسة لا يخضع في ذلك لمذهب ولا مدرسة، التجربة وحدها هي سيدة الموقف.
النميمة
هل تعتقد ان كتابك النميمة تجربة فريدة في هذا العصر؟
هو قد يكون كذلك لأنه يكشف ظواهر أفرزتها الحياة الثقافية لكنه أيضا قريب من تجارب اخرى سابقة مع الاختلاف في الأسلوب، فمثلا قدم نعمان عاشور كتاب مع الرواد ومحمود تيمور بين المطرقة والسندان وغيرهما بالاضافة لما قدمه مكسيم جوركي في كتابه صور أدبية عن أهم التجارب الغربية .
تجربة
* هل ترى أن تجربتك القصصية ألقت بظلالها على جيل الستينيات أو السبعينيات؟
انا لا أعرف أحدا تأثر بأعمالي لأن معظم كتاب تلك الفترة لهم أسلوبهم المتميز والمختلف عن كل التجارب الأخرى، وهذا هو الإبداع,, لابد أن يكون سليمان فياض مختلفا وكذلك الآخرون.
مشروع
* هل تعتقد أن جيلك قد قدم مشروعا أدبيا أم انه أراد الاقتراب من صيغة عربية للقص ففشل؟
اي مشروع واي صيغة تتحدث عنها، المشروع الأدبي ياعزيزي يقدمه نقاد لا مبدعون، دعوى لا صلة لي بها، انا كائن حر بقدر ما أنت كائن حر مساحة هذه الحرية أكبر في العمل الإبداعي,, انا كائن بسيط ومتواضع ولا قبل لي بما تسميه مشروعا او صيغة لست مفكرا ولا صائغ قوالب جاهزة ولا فيلسوفا.
من جهة أخرى هل تريد بهذا السؤال ان تسجن جيلا بأسره في مشروع وصيغة,, أليس ذلك نوعا من المصادرة وكلمة مشروع وصيغة كلمة مبهمة ومطلقة، وسؤالك يفترض ان جيلنا أراد تقديم مشروعا أدبيا، وهذا فرض، من قال لك اننا اردنا، ومن أدخل في راسك اننا فشلنا.
أصوات
* هل ترى في الأصوات الجديدة للقص والرواية انقطاعا أم اتصالا؟
لا شيء في هذه الدنيا سوى الاتصال حتى لو كان اتصال التنافر والاضداد، ثمة اتصال وفي هذا السياق اتذكر ان الراحل أنور المعداوي انتقد يوما ابراهيم المازني فقال له المازني بتواضع في مقال: نحن عبّدنا الطريق وسيأتي من بعدنا ليقيموا على جوانبه العمارات الشاهقة والأمر نفسه يصدق على الأجيال التالية, تواصل امتداد تأثر ويتجاوز احتذاء فاضافة، بحث دائم عن تجربة جديدة معالجات جديدة رؤى جديدة تتسق كلها وحركة الزمن في حركة المكان,, من ينكر اتصاله بمن قبله كمن ينكر أباه ويؤكد أنه لقيط.
|
|
|