عزيزتي الجزيرة
عند وصولي هذا الصيف لبلدي العزيز وبعد اخذ قسطٍ من الراحة طلبت من ابني الصغير مشاركتي في جولة حول الرياض وقد حاولت ان اقحم ابني في واقعنا المروري المأسوي حتى يتفهم الوضع ويصبح لديه خلفية مبدئية وقدر كاف من المناعة حتى يحاول بمشيئة الله ان يحافظ على نفسه من مخاطر القيادة، وقد بدأنا هذه الجولة بزيارة لاحد مراكز المرور حيث اوقفنا سيارتنا في المواقف المقابلة واخذنا نحاول قطع الشارع واذا بذلك الشاب صاحب الشارب المفتول والريش المنفوش يسير بسيارته من امامنا بسرعة غير طبيعية مما دعانا الى التراجع على عجل الى الرصيف,, وقد سألني ابني الصغير بقوله اليس هناك احترام للانسان من قبل مثل هؤلاء السائقين؟ ثم اليست الاولوية للمرور لبني البشر حيث من المفترض التوقف او على اقل تقدير القيادة بسرعة مقبولة في الشوارع الداخلية التي تكتظ بالسكان؟ فقلت له: ان المشكلة في النظام وتطبيقه وكذلك باحترامه من قبل الجميع ولكن عليك ان تنسى ذلك الآن وان تجهز نفسك للانطلاق من جديد حتى نصل الى مبنى المرور بسلام وعندها تماسكنا باليدين ونظرنا الى اليمين واليسار ورفعنا اثوابنا ومن ثم اطلقنا سيقاننا للريح بسرعة خيالية لم نجريها من قبل وبعد وصولنا الى الباب الرئيسي للمرور نظرنا لبعضنا البعض وعندما تأكدنا من سلامتنا ذكرنا الله وحمدناه على كل شيء، واذا باحد المارة ينظر الينا بتعجب ويضرب يداً بيد ويتمتم قائلاً: الحمد لله على العقل والعافية,, فضحكت انا وولدي ودخلنا الى قسم الرخص واذا بأحد جنودنا البواسل جالس على طاولة صغيرة ويعمل بطريقة طريفة حيث كان ينظر للمراجعين بنظرات سريعة وقبل ان يكمل السائل سؤاله يقطع هذا الجندي نموذجاً من النماذج ويناوله اياه ومن ثم ينظر للمراجع الآخر وقبل ان ينهي حديثه يفاجئه بان يضع نموذجاً من النماذج امامه واذا بالسائل الاول يعود لسؤال الجندي بقوله اهذا كل المطلوب؟ فيرد عليه الجندي لا انتظر هناك نموذج آخر لابد ان تتم تعبئته من قبلك!!,, وهكذا يتنقل الجندي من مراجع الى آخر بطريقة لا اعتقد بسلامتها حيث لا تعطي الاجابة الكافية للمراجعين، وعندما وصلني الدور قلت له اود ان اجدد رخصة القيادة فسحب نسخة من نموذج تجديد الرخصة ورماه امامي وهو ينظر للمراجع الآخر ويسأله عما يريد,.
فقلت له يا اخي اهذا كل المطلوب لتجديد رخصة القيادة فقال: لا ولابد ان تأخذ نموذجاً آخر عن تحديث معلومات السعوديين, فاخذته واذا به يتذكر نموذجاً جديداً فاخذته وانا انظر لابني الصغير الذي كانت الابتسامة واضحة على محياه فغمزت له وذلك كاشارة مني له بأن ذلك غير مناسب وخرجنا من المرور.
وفي اليوم التالي ذهبت لفرع آخر من فروع المرور لانني اتذكر منذ سنوات طويلة عندما افتتح كان التنظيم فيه افضل من غيره من اقسام المرور، وقد دخلت شعبة الرخص ووقفت عند احد الشبابيك وبينما كنت واقفاً بالصف واذا بأحد الجنود قادم من خلفنا وهو يحمل ملفاً بيده واحد المراجعين يتبعه وقد كان يرغب ان يتجاوزنا فقلت له انتظر يا اخي فآخر الصف هناك ولم اسمح له بان يتجاوزني وقد كان ينظر اليّ باستغراب!!,, وقد احالني الموظف بعد ان انتهى من الاجراء اللازم الى فحص النظر وقد كانت المفاجأة ان المراجعين الواقفين في الصف قد وصل آخرهم الى خارج المبنى فوقفت لمدة لا تقل عن ساعة على الرغم ان في الموقع ثلاثة اجهزة لفحص النظر الا ان المستغل منها واحد فقط اما الباقية فهي خاوية وقد كان المنظر غير مقبول على الاطلاق ولا يمكنني وصفه كما يجب,, وبعد انتهائي من فحص النظر ذهبت لصالة اخرى لتسديد الرسوم وقد كانت هذه الصالة متسخة وغير منظمة واللوحات الارشادية التي تشتمل على المعلومات الهامة للمراجعين متناثرة بشكل عشوائي في كل جانب من جوانب هذه الصالة كما ان هذه الصالة خالية من المنظمين ولم اشاهد اي جندي ينظم هذه الفوضى فالسجائر مشتعلة في كل زاوية والاوساخ في كل بقعة، وان حدث ووجدت جندياً فبكل تأكيد سيكون من ضمن الجنود الذين لا يأتون للتنظيم او لاعطاء المراجعين حقوقهم في الخدمة حسب اولوية الحضور بل ان قدومهم لعكس ذلك وهو افساد النظام وذلك بتجولهم داخل هذه الصالات ببدلهم العسكرية وهم يحملون معاملات من يعزون عليهم او من هم اصحاب الواسطات.
وبعد معاناة مريرة لمدة لا تقل عن ساعة وصلت للشباك ورفعت ملفي للجندي واذا به يقول ادفع مبلغ 375 ريالاً فناولته 500 ريالاً، فقال لابد من احضار المبلغ بالتحديد فليس لدي امكانية من اعادة ما يتبقى من هذا المبلغ فقلت له ان المتبقي 125 فقط وقد سبق ان اخذت من المراجعين السابقين مبالغ كثيرة فقال انا اضع كل مبلغ في الملف الخاص للمراجع وليس لدي امكانية تجزئة مبلغك هذا وعليك كغيرك بأن تتصرف وابتعد عني واتركني اعمل!! فذهبت للبوفيه المجاور متوسلاً ومتسولاً فلعله ينقذني من هذا الموقف ولكن دون جدوى وقد بدأت اسأل المارة بقولي من لديه صرف 500 ريال ولم اجد المنقذ,, فخرجت للاسواق المقابلة للمرور متنقلاً من محل الى آخر محاولاً ان احصل على مبتغاي,, وبعد معاناة طويلة نجحت بالحصول على غايتي! فرجعت الى الشباك وعندما استطعت الحصول على امكانية ان يتفضل صاحب السعادة بالنظر اليّ بطرف عينيه ناولته الملف ومبلغ 380 ريالاً على ان يعيد لي مبلغ خمسة ريالات فقال هذا مبلغ 380 ريالاً!! فقلت له لا يهم وخلصنا وتركت الخمسة ريالات!!وغادرت على ان اراجعهم يوم غد لاستلام الرخصة وقد كان خروجي من هذه الصالة اسرع مما تتصور وذلك لاستنشق بعض الهواء النقي حيث كدت ان اختنق وقد كانت لدي الرغبة في الحديث مع اي مسئول حتى اخفف عن نفسي آثار هذه المعاناة المريرة وذهبت بالفعل ووجدت ان الامر فوضى في فوضى فالمراجعون متراكمون عليه بصورة غريبة بحيث لم اتمكن من رؤية هذا المسؤول فكيف بأن استطيع ان اتحدث معه بكل تفاصيل هذه المأساة وما اقترحه من مقترحات,, وقد راجعت المرور في يوم الغد واستلمت الرخصة في مشهد غير منظم ومن يستلم رخصة وكأنه حاصل على اعلى الشهادات العلمية في الذرة او الطب!!
ومن هذه المعاناة استطعت ان اتوصل الى ان الفوضى المرورية في شوارعنا هي انعكاس للفوضى في مكاتب المرور، بل ان الفوضى في الشوارع اخف وارحم وهنا فإن الامر يتطلب العمل بكل جدية لتنظيم مكاتب المرور بصورة حضارية تتلاءم مع ما وصل اليه مجتمعنا من تقدم في مختلف المجالات ولهذا اود ان اطرح بعض المقترحات فلعل مسئولي المرور يجدون فيها ما يفيد:
1- ارى اهمية عدم السماح لاي عسكري مهما كان وضعه او رتبته بالتجول والتمجول داخل مكاتب المرور وصالاته للتوسط على حساب المراجعين الآخرين.
2- ان تنظم صالات المراجعين بشكل جيد وان يتم تكليف بعض الجنود لتنظيم الصالات والصفوف ومنع اي مخالفات للانظمة كالتدخين اوغيره من المظاهر غير الحضارية,.
فهل يعقل بأن تكون جميع الصالات خاوية من المنظمين سواء في مداخلها او في اي موقع من المواقع؟
3- ان يتوفر لدى امناء الصناديق مختلف الفئات النقدية وان يوضع ما يتم تحصيله من المراجعين في الخزانة لديهم وذلك للاستفادة منها لخدمة المراجعين الآخرين بشكل جيد بدلاًمن القائم حالياً كحفظهم للمبالغ النقدية في ملفات المراجعين وعدم الاستفادة منها على الاطلاق وفي نفس الوقت يطالبون الكل باحضار صرف معهم بشرط الا يزيد عن المبلغ المطلوب ريالاً او ينقص!
4- التشغيل الامثل للامكانات التي وفرتها الدولة لخدمة المواطن والمقيم على سبيل المثال لا الحصر اجهزة فحص النظر والتي لا تستخدم كما يجب ولا تستغل لما وضعت له حيث لم يشغل منها سوى جهاز واحد على الرغم من وجود ثلاثة اجهزة,, وقد تمنيت في لحظة وقوفي لفحص النظر ان يتوفر معي كاميرا تصوير لارسل بعض الصور لجريدتنا المتميزة جريدة الجزيرة لان المشهد لا يمكن وصفه ولكن اتمنى ان يكون وصفي له قد اعطى جزءاً من الواقع.
5- ارى اهمية وضع كاميرات فيديو لتصوير جميع الصالات حتى يتم متابعة العمل فيها من غرفة عمليات ليستفاد منها لضبط العمل والرفع من جودته وذلك لمتابعة وجود العاملين او مستوى انتاجيتهم او الوضع التنظيمي في الصالات او اي امور اخرى غير مقبولة، كالجنود المتجولين للتوسط للآخرين وفي المقابل يتركون اعمالهم الاساسية.
ولن اقول بأنني اطالب مرورنا العزيز بأن يطور اجراءاته بحيث استطيع وغيري تجديد الرخصة واستلامها في نفس اليوم وباقل من نصف ساعة كما يحدث في الدول الاخرى وذلك حتى لا يقول قائل هذا من الممكن ان يحدث في امريكا!! ولكنني اقول طوروا اعمالكم بحيث تكون صالات استقبالكم نظيفة ومقبولة للاستخدام البشري، ونظموا اعمالكم بشكل مقبول بحيث تحترم فيه حقوق الآخرين ومشاعرهم، فقد كان التنظيم منذ اكثر من عشر سنوات افضل من الآن بمراحل وليس هناك مجال للمقارنة على الاطلاق!!
فهل اجدد رخصة قيادة في المرة القادمة بوضع افضل؟
آمل ذلك!! ولابد ان يبقى الامل لنبقى معه,, والله من وراء القصد والهادي الى سواء السبيل
عبدالله بن ابراهيم المطرودي