* أبها واس
اعتاد الناس في منطقة عسير منذ قديم الزمن على تشكيل حياتهم وظروفهم وفقا للظروف البيئية المحيطة وذلك لوعورة ارضها ولصعوبة الاتصال بحكم طبيعتها وتضاريسها الصعبة, ومنذ زمن بعيد احتاج الناس الى اسواق تلبي اجتياجاتهم بالرغم من بساطتها الا انها ضرورة وضرورة ملحة لذلك سارع الناس على تكوين اسواق بدائية وشعبية حددت بمواقع جغرافية وايام محددة على مدار الاسبوع وبعدد ايامه، حتى يستفيد الجميع بالرغم من تباعدهم من اقرب سوق اليه الذي قد يكلفه يوما كاملا في المسير اليه.
ومع التطور الحديث الذي منّ الله سبحانه وتعالى به على الناس وفي هذا العهد الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الامين وسمو النائب الثاني -حفظهم الله- عهد الخير والبناء والعطاء والتطور اتصلت الاسواق ببعضها واصبح في كل حي وفي كل مكان وكل شارع اسواق وبدأت هذه الاسواق الشعبية الاسبوعية في التلاشي والاندثار.
وحفاظا على هذه الاسواق من الاندثار والزوال قام صاحب السمو الملكي الامير خالد الفيصل بن عبدالعزيز امير منطقة عسير رئيس لجنة التنشيط السياحي منذ نحو عشر سنوات باعادة بناء الاسواق الشعبية وافتتاحها بشكلها التقليدي القديم مع توفر سلعها المحلية القديمة كعامل جذب سياحي خلال موسم الصيف والاصطياف في منطقة عسير وعلى مدار العام.
وبعد اعادتها وابرازها اعلاميا اصبحت اليوم أحد المواقع السياحية التي يجب على المصطاف زيارتها لأن بها جميع المتطلبات الاصلية من سلع وخدمات تتمثل في المنتجات الحيوانية كالسمن والزبد النقي والعسل البلدي والطيور المحلية بانواعها والدجاج البلدي الذي يتغذى في المزارع وبشكل طبيعي والحبوب بأنواعها من ذرة وشعير وقمح وعدس وكذلك الرياحين بأنواعها المتعددة والنعناع بأنواعه والحبق.
كما يوجد بها الصناعات التقليدية القديمة التي اصبحت متوفرة في معظم منازل اهالي منطقة عسير كتحف وتقدم كهدايا ويصنع فيها الطعام للأحباب كتفاخر بين الاهالي وكرم للضيوف ان تكون هذه الطبخة عملت في اوان فخارية مصنوعة من الطين محليا وكذلك عند تقديم القهوة والشاهي في هذه الأواني لها نكهة خاصة عند الشرب, وتميز هذه الاسواق بالازياء التقليدية التي هي عبارة عن ملابس مشغولة بالايدي لمختصين مهرة والثوب العسيري اصبح تحفة فنية في نقوش وخياطته وتطريزه,ومنذ العام الماضي بدأت ظاهرة جديدة اضافت الى الاذهان الافراح القديمة والاصالة، واصبح المصطافون يقبلون على هذه المناسبات الخاصة لمشاهدة الازياء القديمة حيث إن جميع الحاضرات يرتدين الازياء القديمة بتطريز قديم واصبح التفاخر في تقديم الاعراس بهذا الشكل التقليدي الاصيل حيث يلبس فيه النساء ملابس تقليدية (عسيرية) وغالبا تكون الملابس باللون الاسود او الاحمر ويخاط بمجموعة كبيرة من الخيوط الذهبية وتبرز الخياطة كمجسمات جمالية ورسوم رائعة في التصميم والاتقان على الثوب العسيري وتلبس المناديل ذات اللون الاصفر كغطاء على الرأس الذي غطي اصلا بالحناء والاطياب المسحوقة اضافة الى وضع الحناء على الايدي والكفوف ويتفنن في رسومات على الاكف وبأيدي نساء ماهرات.
هذه الاحتياجات والمستلزمات وغيرها لن يجدها المصطاف الا من خلال الاسواق الشعبية التي تنتشر في مدن ومحافظات ومراكز منطقة عسير اضافة الى توفر اجود انواع البن ومشتقاته والتمور وكذلك الحدادة والنجارة والادوات المستخدمة قديما تعرض في هذه الاسواق الشعبية وبشكلها البدائي.
وللسوق في المنطقة دور اجتماعي وثقافي واعلامي جميعها تنصب في هذا المكان وتصل الرسالة الموجهة بقوة للمتلقي اذ يحرص الجميع على التسوق لهدفين هما الشراء والتسوق داخل المعروضات المحلية وتوصيل وتلقي ما لديه من اخبار اجتماعية واسرية على المستوى المحلي.
والمصطاف يجد متعة وانسجاما لجولاته داخل هذه الاسواق اضافة الى شراء ما يجد فيه المتعة والفائدة كالتحف والهدايا والمصنوعات المحلية والمشغولات اليدوية وغيرها.
وتتسم الاسواق الشعبية في منطقة عسير ببعض القيم التي تحث الناس على فعل الخير وهذه الاسواق كانت بمثابة المراكز الاعلامية اذ تشبع رغبة المترددين عليها بالاخبار والمعلومات بشكل دوري في كل سوق لدرجة ان الشخص يتعذر عليه الوصول الى السوق يتلقى الركبان القادمين منه ليأخذ منهم الاخبار وما استجد في الحياة من جديد.
وجرت العادة في اسواق المنطقة قديما بتخصيص اشخاص معينين للتنويه واذاعة الاخبار بين الناس داخل السوق والاعلانات والاوامر مثل منع قطع الاشجار وغيرها.
ومن مظاهر الاسواق الشعبية في عسير قديما انه يتم فيها الوعظ والارشاد لتعليم الناس بأمور دينهم حيث يعد المكان الوحيد الذي يلتقي فيه الناس جميعا ويتم ذلك بشكل دوري.
ومن الصور التي يتم فيها ذلك ان يدخل شخص مختص ومعروف في السوق بالتنويه داخل السوق ويبدأ بكلمة الحق بأعلى صوته قائلا لا اله الا الله وعندما يسمع اهل السوق هذه الكلمة يبدأون في التجمع حوله والتجمهر ليستمعوا الى ما يقوله ثم يقدم ما لديه من معلومات ويقدم الشخص الذي سيتحدث في السوق ويحدد موضوعه.
وتتناثر الاسواق الشعبية في سراة تهامة في منطقة عسير, ويعد سوق الثلاثاء الشعبي وسط مدينة أبها والواقع بجوار مسرح المفتاحة من اكبر واشد اسواق المنطقة لانه يمثل المكان المناسب للأهالي وللمصطافين في البيع والشراء.
|