Sunday 18th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 5 ربيع الثاني


الزمن المقلوب
السفينة الغارقة في رمال مأرب
أحمد عبدالرحمن العرفج

(3-5)
الشاعر أمل دنقل قال ذات قصيد لا تحلموا بعالم جديد قال ذلك وهو يبكي بين يدي زرقاء اليمامة ، ولم تمر هذه الجملة على اذن شاعرنا المقالح مرور السحاب ، بل أخذ يردد أطرافها بين القبول والرفض حتى جاء يحمل التمني على اكتاف القصيدة، وصنعاء في ذلك كله سيدة الموقف ,, فواقعها المرير حينذاك جعله يصرخ في رد على الآخر أمل دنقل بقوله: (1)
يا ليتنا نعيش في أحلامنا، نموت
على جناحها الصموت
نعبر جسر الواقع الحزين
نهدم وجه العالم المهين
نبني على أنقاضه الأشعار والبيوت .
إن المقالح تحول بحبه الصنعاني اللون ، إلى كائن ينزح إلى الحلم الأخضر كبديل للواقع الأسود، لأن الشمس تسقط في المغرب، والأغنيات الصغيرة للسهول القريبة، حتى وإن ضيع الوطن في الصيف فما زال في الشتاء متسع للحضور والغياب .
السفر إلى ذاكرة الأبجدية، والسفر إلى الأيام الخضراء، يصبان في وادي الرحيل قبل الفجر، ليستيقظ فتى مأرب والسيل قد بلغ القمر، والمطر قد لون الشجر!!
* هضبة:
لماذا الحزن؟!
لماذا كل الشعراء حزانى؟!
هكذا يضع المقالح نفسه في داخل هذه الدائرة العنكبوتية، ودائماً هو يشرنق نفسه في علامات كبرى من الاستفهام ثم يعود وشيمته الصمت!!
الشعراء حزانى!! هكذا يقول المقالح، رغم أنف قصائد إيليا أبي ماضي الذي يقول: (2)
أحكم الناس في الحياة أناسٌ
عللّوها، فأحسنوا التعليلا
فتمتع بالصبح ما دمت فيه
لا تخف أن يزول، حتى يزولا!!
وإذا ما أظل رأسك همٌ
قصّر البحث فيه، كيلا يطولا
وتوقع، إذا السماء اكفهرت
مطراً في السهول يحيي السهولا
قل لقومٍ يستنزفون المآقي
هل شفيتم مع البكاء غليلا ؟!!
ما أتينا إلى الحياة لنشقى
فأريحوا، أهل العقول، العقولا!!
لماذا كل الشعراء حزانى هكذا يقول المقالح، تذكرون صاحب القروح، الذي بكى واستبكى؟؟
ومالك بن الريب، أتذكرون مرثيته الباكية؟!
وتذكرون أحزان المتبني - الصخرة - التي لا تحركها الكؤوس، ولا الأغاريد؟!
أتذكرون - أيضاً - تعللات أبي العلاء؟!
وسوداويات بودلير، وتشرديات رامبو، ويونانيات بايرون؟!
ثم,, أتذكرون غجريات لوركا؟!
وبيروقراطيات ماياكوفسكي؟!
وسجنيات ناظم، وأندلسيات شوقي، ومنفيات البياتي، وحلاج عبدالصبور، وأشجان مدينة حجازي، أتذكرون,,، إن الحبيبة لم تعد هماً للمقالح، ولا لأشعاره، فهو يحمل بين أصابعه عرش بلقيس ، وهموم مأرب وتصدعات سيف بن ذي يزن .
***
* جبل:
يقول صلاح عبدالصبور - حول حزن الشعراء - إن الفنانين والفئران هم أكثر الكائنات استشعارا للخطر، ولكن الفئران حين تستشعر الخطر تعدو لتلقي بنفسها في البحر هرباً من السفينة الغارقة، أما الفنانون فإنهم يظلون يقرعون الأجراس، ويصرخون بملء الفم، حتى ينقذوا السفينة , ثم يعقب الدكتور المقالح على ذلك بقوله (3) فلتشد عيون كل الاحياء، وأرواح كل الموتى، اننا في اليمن سنظل رغم أحزاننا الكبيرة والكثيرة، بل بفضل هذه الأحزان - سنظل نحفر في الظلام، ونقرع الأجراس حتى مطلع الفجر .
والمقالح يحمل الأيام معه مسافراً إلى المستقبل وزاده في ذلك حزمة من حطب الأحلام، والتوجس والاستشراف، لذا احتفل بالشروق، قائلاً: (4)
ودياري هي الحلم
من أجلها أسكن الشعر
والشعر يسكنني,.
يتخلق عبر دمي
تحت جلدي خلايا، وأنسجة
هذا الحلم المقالحي يأتي ساكنا بخيمة الشعر، ليقتات منها الحروف التي يختزل في قوافيها جرح القرى والمدائن !!
حتى الأفق البعيد، المعطر بلون المدينة، حزين، وهذا المقالح يتأمل ما حدث ، ويرنو إلى الأفق، أفق صنعاء، قائلا: (5)
وفي الأفق غيمة حزنٍ ترش الفضاء
تعد مشانقها للنجوم
تنقر وجه الضياء
نهاراً - يقولون - لكنه كالمساء !!
هامش:
1- راجع الأعمال الكاملة ص 100
2- الأعمال الكاملة لإيليا أبي ماضي ص 604
3- راجع الأعمال الكاملة للمقالح ص 13.
4- راجع الأعمال الكاملة للمقالح ص 15
5- راجع الأعمال الكاملة للمقالح ص 206.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved