قال الحاكي وهو من حال زمانه ضاحك باك
وذكرنا ان هلكوتة المكلوتة ذات الوجه الصبوح والقلب الذي بحبه ينوء ولا يبوح,, أقنعت الناس بأن ابن بهيج سيخرج الجن ممن تلبسوهن من بنات المدينة فهدأ الجميع وتأملوا بما قالت,, والتفتت الى حمد بن بهيج وقالت اسرع الى صاحبك حنحون واطلب منه ان يفك عن الناس شر اتباعه المتلبسين لذويهم,, قال حمد المبتلى ولكن يا هلكوتة حنحون لا سيطرة له عليهم وأحسبه قد رحل؟
ابتعدت قليلا وهمست لحمد: هو لم يرحل,, اذهب قل له ان هلكوتة ستعصف به وبأتباعه من الجن اذا لم يأمرهم بالخروج من اجساد بنات الناس,, وقالت انها ستبلغ والده شيخ الالف بافعاله السود,, قال واين اجد حنحون الآن؟
قالت: في الخرائب فهو يستجمع الآن شتاته لمغادرة الديار بعد ان خربت مالطة بل خربت كل الديار.
كان حمد في سره يمقت حنحون لشناعة فعل أصحابه ولأن كل ذلك، صار يؤخر خطبته المنتظرة لهلكوتة وبدأت وساوسه تزداد عندما اقترب موعد الخطبة خصوصا انه لا يدري هل يوافق عمها الذي لا تعصيه أم يلعب دور الأب القاسي,, وهل مشاعر هلكوتة نحوه مشاعر صادقة ام انها تمضي به الوقت,, فكر بذلك وغيره وهو ذاهب الى حنحون ليبلغه قول هلكوتة وعندما وجده وبلغه تهديد هلكوتة صعق حنحون وقال تعرف يا بن بهيج اني لست بقوة هلكوتة وسحرها واعوانها من الانس والجن,, فخذني وانا بصورة الكلب الى ساحة المدينة واطلب منهم ان يحضروا لي كل بنت تلبسها مس من اتباعي,, وبعد ان مسخ حنحون نفسه كلبا اسود اقتاده حمد بحبل الى المدينة التي كانت في انتظار الفرج وكان الناس يتجمعون في ساحة المدينة ومن منظر حمد وكلبه الاسود اعتقد الناس انهم امام ساحر عتل زنيم فاصيبوا برعب لا بعده رعب وهو خلاف حقيقة حمد لكن من يعتقد بقدرة الشيطان يصيبه الخوف والهلع ويملؤه رهقا.
عندما فرغ حمد من تخليص الفتيات من تلبس الجن اطلق الحبل من رقبة حنحون وتركه يذهب ورفع رأسه يتأمل البيوت المحيطة بالساحة ويالهول ما راى هذه هلكوتة تطل من احدى الشرفات كما تطل جولييت على حبيبها روميو من شرفة عالية,, ودون ان يدري ساقته قدماه للمكان فعرف المنزل واوشك ان يطرقه لكنه لم يفعل بل فكر ان يأتي اكثر بهاء لمراسم الخطبة,, ذهب للحوش المهجور حيث اشياؤه وماله بحراسة كلاب حنحون السود التي تركها في عهدتها واخذ بعض المال ,, واشترى ملابس وعطراً ولفافة رأس من النوع الحرير الاخضر وفي المساء اتجه للمنزل وطرقه فخرج له رجل مهيب كث اللحية وشعر الرأس تتسلل خيوط فضية والماسية لامعة شعر راسه وكأنها بوادر شيب مصطنع,, رحب به الرجل الوقور فعرفه بنفسه وقال انا ابنكم حمد بن بهيج وعرض له اصله وفصله ومقبض سلاحه ونصله,, فدعاه الرجل للدخول ورحب به فعرض له الامر على وجه السرعة وبشيء من الحياء حيث قال جئت طالبا القرب منكم بيد ابنتكم المدعوة هلكوتة,, قمر الحور وجميلة البدور ونور ليالي اواسط الشهور,, قال الوالد حبا وكرامة لكن يا بني هي امرأة ثيب وكلمتها بيدها,, ولا اخفى عنك انها مبتلاة (لم يقل بالسحر الاسود) ولم يدعه حمد يكمل بل قال انا اريدها كما هي فاستشرها وقام العم ودخل المنزل ودعاها فاحضرت مشروبا معطرا بماء الورد وعليه نتف من زهور الياسمين الابيض وشهداً حلواً يطفح بقطعه الشمعية الرقيقة كأنه عسل الجنان,, وقدمت الشراب لعمها اولا فاشار لها ان تقدمه لحمد بن بهيج فعرض عليها عمها الامر وكانت تفتعل الخفار والحياء ولكنها قالت بعبارة واضحة:
انها ليست مأذونة بالزواج قبل ان تستأذن شيخها ابا آسية الهندي,, والمحت الى شيخين آخرين من هواريت الجن,, فرضي حمد مشترطا عليها ان تترك اهل السحر الاسود بعد الزواج,, قالت اذا وافق شيوخها فهي بلاشك لن تعود للسحر وبدأت مراسم الدعوة فحضر في البدء رجل هندي معتم ثم حضر اثنان ملتحيان من هواريت الجن الكبار وقامت هلكوتة بمراسم الخدمة ثم طلبت منهما الاذن بزواجها من حمد بن بهيج المعروف بالمبتلى,, واخبرتهم عن رغبته بتركها السحر الاسود,, هنا ضحك ابو آسية الهندي وقال هيهات يا ابن بهيج فهي لن تترك السحر,, قالت هلكوتة وهل تعارض يا شيخي قال لا حاولي ما استطعت فالسحر فن لا ينسى,, قالت: يا شيخي اريد موافقتك واقناع الشيخين الآخرين (تعني الجن الحاضرين) قال ابو آسية ولك هذا يا درة الجمال وتمثال البلور الصافي يا من تتسلل الشمس بشرتها كما تتسلل اوراق الورد العاطر وخرج الثلاثة وتفاهمت هلكوتة مع ابن بهيج على عرس محدود لا يقام بصخب ولا يحضره الا المقربون,, هنا استأذن ابن بهيج وخرج متجها الى حيث دليله حني,, يريد ان يخبره بامر زواجه وان عليه ان ينتظر حتى يأخذه وزوجته الى الديار قال له حني ويحك يا ابن بهيج لا انا ولا انت بامكاننا الخروج من هذه البلدة المشؤومة,, سأله: حمد ولماذا يا حني؟ قال الا تعلم ان هلكوتة ومن في دائرتها (محقرص مبقرص) قال كيف ذلك قال هذا يعني ان عليها حماية من سياج (الحقرص),, وانت الآن لن تخرج من المدينة الا باذنها فذلك سحر هميم واعوان سحر الحقرص من الاشرار يقتلون حتى اسيادهم ومن استخدموهم.
***
كان حنحون ابن شيخ الالف وامير الجن قد نفذ بجلده قبل نفاذ سحر (الحقرص بقرص) ولما وصل الى الديار وجد أباه في لحظاته الاخيرة من محاولة اقناع الالف شيخ بمطاوعته فجمع قوته وحل البرلمان الارضي,, وعصفت بهم زوبعة من زوابع الجن فجاؤوه يعتذرون فأمسك بزمام الامور وكان حنحون رغم سوئه يعالج امور قومه بحكمة ورؤية وعلم بحبس حمد وحني وقرر انتشالهما من ورطتهما عندما هاتفه حني لكنه عرف بامر (الحقرص بقرص) فقرر ان يعصف بالبلدة وسحرها ويقتل فساق جنها وانسها لكن والده امره بالتأني حتى يعد اسلحة مناسبة,, والحمد لله انه لم يفعل لان هلكوتة هي التي عملت عمل (الحقرص بقرص) للمدينة لحماية نفسها وحبيبها من عاشقها المدنف المعروف بقيس الجن كما اشرنا اليه.
***
اما حمد المبتلى فقد كان سادرا ولم يدر ما معنى كلام حني عن (الحقرص بقرص) الا بعد ان افهمه انه يقع في دائرة هلكوتة المحقرصة وانه لن ينفذ من المدينة الا بفك هذا الحقرص عنه وهو سحر هميم وامر عظيم,, اما هلكوتة فقد اخطأت عندما عملت (الحقرص بقرص) ولم يخطر ببالها ابدا انها ستخرقه وستغضب اعوان الحقرص فيكون الامر وبالا وفراقا طويلا بينها وبين حبيبها وزوجها كما سنحكي لكم فيما بعد,, وعندما استدعت هلكوتة شيخها ابا آسية الهندي وهواريتها الجن يوم خطبة حمد لم يكفل اي منهما قيس الجن (الشاعر المربوط بالاغلال الى جبل العشاق),, وفيما بعد عندما استأذنه هاروت الجن الاكبر ب زواج هلكوتة من حمد قال له: ايها الهاروت دعني وهلكوتة فليس هذا من شأنك وهنا كان على هلكوتة ان تحمي نفسها حماية شخصية ولانها سيدة السحر في الارض وتحتها وفي البحور السبعة فقد حقرصت المدينة كلها ولن يفكها من (الحقرص بقرص) سحرة العالم لو اجتمعوا.
هذا المبرر جعل حمد المبتلى يسأل هلكوتة عن امر الحقرص الذي يمنعه,, فأخبرته بمثل ما سبق,, لكنه قال لها ولكن ماذا عن امي وابي يا هلكوتة,, قالت هلكوتة ويحك يا ابن بهيج وهل سأهمل عمي بهيج وخالتي سارية انهما بمقام ابي وامي,, هنا هدأت ثائرة حمد واخبرها بسر قارورة الاكسير التي حسبتها عطرا وقال انه ملأها من اكسير المخلدين وانه سيعيد لابيه وامه الشباب باذن الله,, قالت وكيف يعاد لهما من قنينة عطر لا يكفي ما بها دهن شوارب قطة,, قال سأرى,, قالت انت لا تفهم دعني اسأل عراف المخلدين واخبرك,.
انتهى المقام الحادي عشر ويليه الثاني عشر باذن الله,.