Sunday 18th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 5 ربيع الثاني


صفا صباح
الكتابة في الضوء الخافت
نورهة الغامدي

أحيانا تحتاج إلى كائن ما لتحدثه فلا تجده أو بالأحرى لا يحب أن يسمعك.
إنها مشكلة,, ألا تثق في تلك اللحظة الحرجة إلا بتلك الأذن التي لا تعيرك اهتماماً.
ومع ذلك فهي عادة سيئة أن تقف عند حدودها ولا تتجاوزها فتضطر في سرعة البرق إلى إنحراف خطر والعودة مجددا إلى الذاكرة,, وطرق أبواب القبور التي تستوي بصمت في ظاهر المكان.
***
حبرتي,, يا جدة
كان الوقت ظهيرة وفي حنجرتك آلاف الكلمات وفوق شفاهك مزارع للياسمين وفي بحرك مئات الأسماك الملونة,, كان الوقت ظهراً وكنت قارة للحب,, للسلام,, للحرية,, للجمال, وكان خلف بابك خيل وحراس وجند,, ولهفة الحديث المضني تتراقص على شواطئك القلقة.
ليس هناك من يرقص باليه,, أو يصنع قهوة تركية,, الشواطىء متطرفة في حزنها وتوحدها والشموس الوردية تسرق لون مرجان البحر,, هدية للقمم السمراء ولا شيء غير صوت الحبرة,, الآتي من رحم التراب,, هاتفاً,.
لبيه صغيرتي.
ترفع بهدوء الأرض الصبورة عصابتها وتخرج أذنيها لبيك تشرب كلماتي,, تهضمها,, وتزرعها زهراً أبيض في صحراء الوقت,, تقول
ماذا تريدين من دنياك,.
أجاوبها: أريد عالماً صغيراً من الأصدقاء كموج صغير في واد مهجور.
- قلبا لا يجازف,, وروحا سامية وحزمة من القش وعود ثقاب,, وخمس دجاجات وأرنبتين,, وديكا يصيح كل صباح يحرضني على أن اسمع صوت البحر.
أريد قلماً أخضر ومائة ورقة وكراسا وألوانا وصوتاً يناديني كل غروب, يسمي كل الأشياء باسمي: الرمان,, والورق اليابس,, زهر الخشخاش,, الرماد وسرو الأرض.
أريد,, شعر اليونان الأول,, وكتب ابن حزم الأندلسي تعمر أركان الكوخ الدافىء,, وفرساً أحمر مربوطاً قرب الباب العاجي,, أتأمل فيه روح الإنسان الشهم,, وصقراً يحلق فوق السقف العالي,, يبني عشاً من شعر نساء الهند.
أريد عشر كلمات من فهم أبي,, وتفاحة حمراء وشجرة ليمون,, وخمس وسائد بغطاء أرزق ولحاف وردي وثوب أخضر ومقعد صغير من مدرستنا القديمة.
أريد السباحة في كلمات حانية من فهم يغني كل مساء شعراً من أجل امرأة أخرى.
أريد حرباً لا تهدأ ما بين ندى الفجر وشفق الغروب,, حرباً تخلف لليل رائحة زهر الليمون وشجن الفرسان.
أريد هدوءاً ومكاناً صامتاً وأغنيات في أوقات الطوفان المجنون.
أريد نسيانا أبديا,, وذاكرة جديدة خارطة,, تبدأ من أذن المنصت لي وتنتهي بقبرك جدتي,.
خارطة يحدها من جنوبها الهدوء ومن شمالها الصمت والقمر ومن شرقها الغناء المحير والبحر والشمس من الغرب,,
خارطة مغلقة,, تأتيها أقدارها من السماء,.
ومحاذيرها من عمق الأرض ودروة يوم كاملة عند نهايته يأتي حكيم من أرض مجهولة بثلاث آذان,.
أولاها,, أذن الذي لا يعرف أن يسمعني والأخرى أذن أبي الصماء,.
والثالثة أذن الحكيم التي توصلني بك جدتي.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved