(1)
في بعض الحالات يجد الانسان نفسه في حرج شديد وفي حيرة من امره لأمرين:
الأول: السكوت، وهذا ربما يفسر بالضعف او أن ما قيل هو الصحيح.
الثاني: الكلام والرد والتفنيد,, وهذا يحتاج الى ند,.
ومن النادر جدا وربما يستحيل ان تجد من تنساق اليه وقد توثق بهما وتوفرت فيه الصفات التي تتيح لك الانقياد ولنا ان نسأل، هل المشهد الثقافي برموزه واصوله وفروعه الآن يستطيع ان يمارس النقد الصحيح ولو على اصل واحد من اصوله او يمتلك اداة من ادواته بحق؟! لا اعتقد,, لانه بنظرة واحدة فاحصة متأنية الى ما تفرزه الصحافة الثقافية وكذلك المجالات المتخصصة وغير المتخصصة والكتب من الممكن ان نتعرف على ما هية النقد فيها وصراحته ومدى تمثله العقلانية والبعد عن الانحياز والتزامه بالحياد,, مع استباحة الساحة الثقافية بما فيها النقد من قبل اناس اتيحت لهم الفرصة لممارسة هذه الهواية دون رادع او بمباركة من حولهم وهم عطل من اساسياتها واخلاقياتها واصولها وفروعها,, وجدوا انفسهم بلا عمل ووجدوا الحمى بلا راع فولجوه من اوسع ابوابه ووجدوا فيه سوقا رائجة يشترون بالابخس ويبيعون بالاثمن، واستندوا الى الضد فصلح عملهم وفسد عمل الغير, هل من المعقول وهل من المصلحة,, وهل من الحكمة ترك الحبل على الغارب والحالة هذه؟ سأفترض ان خالد المحاميد لا ينطبق عليه ما تقدم كله او بعضه وسأحاول ان اوضح له ولغيره ان النقد سلعة تشترى لا بالعقل وبالاثراء المعرفي ولكن بخلو الساحة من اشاوسها المدججين بأسلحة العلم النافع والمعرفة المفيدة والفكر المضيء ووضع الامر في نصابه وفقا للمعايير المثمرة التي تعطي وتؤيد بأبعادها الحقيقية,, وانا حينما الاحظ على المحاميد فأنا لا اتوجه بنقد اليه لا بشخصه ولا بثقافته وانما على اولئك اضع وبشدة الميسم الذي يؤثر في عنفوانهم الهلامي ووجودهم الصوري وتفاعلهم الاعمى واغرز في خاصرتهم ابرة الايقاظ ان كان ثمة يقظة.
لقد كتب المحاميد ان سلبا وان ايجابا مشكورا وعلى مدار حلقتين عن مجموعتي الشعرية التي صدرت عن نادي الطائف الادبي في آخر عام 1419ه,, ولعل من ايجابيات هذا الاصدار ان استفز المحاميد فقرر قراءته بحروفه وكلماته وجمله بل فواصله,, وهو في الحقيقة لم يقرأ لكي يفيد ولكن لكي يستفيد بالاثر الرجعي على بعض الاسقاطات الشخصية مع البعض الآخر والذي لا علاقة لهم بالموضوع البتة وبالذات في هذه الدراسة - ان جاز لنا التعبير - وقد ذكرني المحاميد بالقصة التي روتها كتب التراث عن الجمل الازور الاعور الابتر والثلاثة الاخوة الاذكياء,, وهي معروفة وسأقتصر بالرد على نقده وملاحظاته بمثلها حتى لا اطيل:
1 - قرأ الكتاب قراءة شخص على ما يبدو وهو يعلم ما يود قوله مسبقا واخذ منه ما يؤيد مبتغاه ومعتقده بالاستدلال,, كما قد حوَّر ولوى عنق الكلام الى غير وجهته وبالذات في كلامه عن المقدمات.
2 - اصدر احكاما لم ترد بالذاكرة قط وليس في الكتاب ما يؤيد سوى ضدها من مثل قوله: التحدي.
3 - تحدث عما يظن انه احكام عامة موهما القارىء بأن هذا هو محتوى الكتاب,, وللعلم فان ما اختاره قد اجتثه وفصله عن مثيله الذي يظهر حسنه او على الاقل قبوله وسلامته.
4 - تحدث عن المقدمات,, ولكون من قدم للكتاب من هم في مقامهم فلن اعلق على ما قاله عنهم وعنها,, لان قراءته قراءة انتقائية.
5 - لم اعرف الى الآن سر غرامه بفرويد ولا باستشهاده به وحرصه على ضمه الى سياق حديثه وربطه بشعري.
6 - وبما انه يتحدث من خلال معرفته وثقافته ,, اذن والحالة هذه للآخرين ثقافتهم ومعرفتهم وربما يكفوننا المؤونة لان اختلاف الرأي والحكم على الاشياء رحمة بالآخرين والمختلف عليهم وهذه النظرة من مثقف الى آخر تعطي دلالة واضحة على سعة العمل الادبي ايا كان لونه وجنسه وقدرته على استيعاب الآراء وتعدد مداخله ومخارجه وحسنه حتى عاديته,, كما انها دليل على ان الثقافة شيء نسبي بين مكتسبيها,, وهذا ينطبق على ما قلته في كلمتي آخر الديوان وخصوصا ما يتعلق بمقدمات اساتذتي الكرام,, وها انت ياخالد نراك تستنير بما قدموه لك من احكام جاهزة دون الرجوع الى معرفتك فهم اكتسبوا وانت منهم اكتسبت وفي اعتقادك انك كسبت.
7 - يقول عن الشعر العربي ان عروضه لم تعد تلبي الاحتياجات الشعرية,, فلمن الفصل في هذا؟ وهل من فتوى يا أولي الالباب والأدب؟؟
8 - ضربت صفحا عما تناوله من امور كنت اود الا يتطرق اليها لعدم اتساقها مع الموضوع بل حشرت حشرا والهدف واضح,, وما كان له ان يطرقها اصلا,, فهذا مما يدخل ضمن اختصاص الغير ومن هم به ادرى واولى,, (1)
(2)
(فرويد، بارت، هيغل، شيلر، غاتشف، ما يكوفسكي، لاورن بارت،) هذه الاسماء وان شئت فقل هذه الألفاظ وما عليك الا ان تسمي مقالك بها او بأحدها ليشار اليك بالبنان او باللسان,, او بغيرهما مما يتناسب ومقام من صدرت منه الاشارة,, فهل هي دليل على الثقافة؟ ام هي زاد الى المعرفة وسبيل الى الادب؟ لا اعلم، ولكنني على يقين من انها افراز اثيم لواقع مريض متى ما جاءت مجردة او دون الحاقها بالاصل كتابع عليه حق السمع والطاعة,, ولن اطيل في هذا الموضوع ففي التلميح اكتفاء عن التصريح,, واقول لاخينا المحاميد - الذي حاول ان يطبق منهجه النقدي على قصيدة من قصائد الديوان وهي حبك الزاد حيث استوقفه كثيرا اول ابياتها:
بكت أميرة ذاتي كم يمزقني بكاؤها المر في قلبي كسكين |
بأن جملة كم يمزقني ليست سؤالا رغم تكراره القول في ذلك وبالتالي فوظيفتها موجودة وهذا للذين يعلمون سياقها فهي كما تأتي للاستفهام تأتي للتكثير,, حتى وان كانت سؤالا وهي ليست كذلك فلها ما يبررها والفصل للقائل ولن نتنازل عنها بمجرد ان التبس عليه المعلوم فكيف به وقد بارزه الايهام؟!! ثم ما المانع من تحديد المتألم لالمه؟ ومن الوصي على مشاعر الآخرين؟ ولماذا اغفل المضاف الى السكين المحذوف وهو التمزق,, أفي ذلك عدم فطنة؟ وهو المقصود لذاته!!,, ولندع تطريز العبارات والتباهي بالتركيبات اللفظية وهي الى الاطناب الممل اقرب,, الى كلمة سكين حيث وردت سكيني مرتين وهذا ليس بصحيح بل غلط من اغلاط النقد السفري وما المانع ايضا من أن يكون البيت الشعري في بعض حالاته منظوما ومعناه قريبا ومكشوفا؟! وكم من شيء آفته الالتفاف والرمز؛ كما وقد ارجع المحاميد ضعف البيت من وجهة نظره الى الضرورة الشعرية.
واضطرار العروض؟! وأنا حقيقة لا اعلم لماذا يحيل الناقد عجزه عن فهم المقصود ودلالة التركيب الىالضرورة الشعرية او العروض؟ وللعلم فليس هناك اضطرار البتة بل هو ما عنيته لانه ليس من الممكن ولا الجائز ان يلجأ شاعر في مثل هذا المقام العاطفي المتدفق مهما كانت درجة شاعريته الى الضرورة والاضطرار الشعري سواء بعروضه او بمتنه!!,, ولقد حكم المحاميد على كاف التشبيه التي وردت ضمن سياق البيت المنقود ب البشاعة هكذا بهذا الاطلاق,, رغم انف علم البلاغة والذي يجعل منها احد الاركان الاربعة للتشبيه,, وهي وان لم تلق مكانا رحبا او ضيقا من نفسه فليس له الحق بتبشيعها وعليه في هذه الحالة ان يتتبع هذه الكاف المسكينة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة واقوال الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين والشعر القديم والحديث,, الخ ليزهق روحها ويريح الآخرين من بشاعتها,, اما ما ذكره من عدم اكثراث البيت الاول ومأساويته بباقي القصيدة نظرا لاختلاف الاثر فان للقدرة الذهنية السليمة دورها في هذا المقام فهي التي تستطيع ان تكتشف علاقة النص بعضه ببعض وان استعصم ذلك فالاولى ايجادها من واقع ثقافة الناقد وقدرته على استنباطها معتمدا على ادواته المكتسبة مثلها مثل غيرها لدى الغير والذي يظهر لي ان المحاميد قد استوقفه اللفظ وصرفه عن الباقي والدليل واضح وهو الشرح اللفظي ولانه لا يعي المناسبة فسوف يكون هذا هو الحكم ولا تثريب عليه,,, ومع ذلك سنتجاوز له عما رآه فغيره حتما سيرى رأيه او خلافه او بعضه ,, وما يحسن قوله هنا ان المحاميد قد اعتمد بشكل كامل على آراء وتحليل الدكتور حسن الهويمل في مقدمة الديوان ولم يخرج عما قاله وبالتالي لم يأت بجديد فهل هذا استقطاع ثقافي ومذهب من مذاهب النقد الحديثة؟ والاستشهاد بما قاله مقدم الديوان ليس بمذمة لي كما انه ليس بدليل صحيح ولا بتأييد للناقد مهما كانت الصفة,, علما بأن ما قاله الدكتور حسن الهويمل في مقدمته كان بايعاز بل بتحريض مني لاكسب بالصواب بدلا من ان اخسر بالسراب ولست بحاجة الى مدح بقدر ما انا محتاج الى القول الفصل حتى وان كان نقدا يجوز عليه ما يجوز على غيره,, وما دام الامر كذلك فحتما سوف يخسر اي مزايد او مراهن بيني وبين استاذي الدكتور حسن الهويمل، ولعل من الامور التي لاحظتها على الاخ المحاميد هي عدم قدرته على التفريق بين كلام وآخر فهو يربط بين كلام الدكتور الهويمل كمأخذ على الشعر والاستاذ علي العبادي كميزة له والفرق واضح بين الرأيين فهما لا يلتقيان على ما اراده,, فلعله يعيد النظر ليعرف مقدار الهوة التي ردمها بدون تروٍ.
واخيرا اقول ان آفة الثقافة هي في اتيانها من حيث لا تؤتى والانحراف بها عن طريقها السوي الى معارج الالتواء والسفسطة والتقعر ووضع ميزان البلاط المائي بديلا عن ميزان العقل والحكمة والمعرفة والفكر,, كما ان هناك من يعتقد ان جهلا او غرورا - ولا اخال المحاميد منهم - بانه ولكي يكون العمل الادبي وبالاخص القصيدة ذات جدة في المعنى واستقلال فني يخولها الرضا فلابد ان تمر عليه وان يسمها بمهره العاجي الذي يقف حائلا بينه وبين رحابة الادب وجوهره وعنفوانه المتجدد ووسائله المختلفة المقبولة؛ على ان بعض الجمال ربما نجده في عادية وعائه واسلوبية تناوله.
أخي خالد المحاميد,, حينما جرى الشعر مني مجراه واحببت ازلافه الى النور والآخرين لم اكن اعرفك ولا بحاجة الى شرف تفريضك بل كنت اعرف من الشعراء وفي حيز زماني ومكاني الدكتور/ غازي القصيبي والدكتور/ ابراهيم العواجي والشيخ/ ابن خميس وابن ادريس والدكتور/ منصور الحازمي واحمد الصالح مسافر والاستثناء خديجة العمري والدكتورة فاطمة القرني ومن النقاد الشيخ علي العبادي والاساتذة الدكاترة/ حسن الهويمل وعبدالله الغذامي، محمد مريسي الحارثي وسعيد السريحي، والاستاذة سهيلة زين العابدين,, وعذرا لمن لم اذكره فهم عندي من اهل المقام والهيبة كل حسب نجمه وعلو كعبه,, كما كنت اعلم الى جانب ذلك كل مهنة حرفية ومن يكون صاحبها ومقوماته ودرجة اتقانها,, ومن اجل ذلك سأترك لك الاجابة عن تساؤلاتك في آخر مقالتك وفقا لما تراه ويحقق الراحة والطمأنينية (2)
والله الموفق والهادي الى سواء السبيل.
1 - جريدة اليوم 11/2/1420ه عدد 9476
2 - جريدة اليوم 8/3/1420ه عدد 9503