Sunday 18th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 5 ربيع الثاني


تلويحة
ذاكرة القرى
عبدالعزيز مشري

-2-
لا أدري ما الذي حول ذاكرة القرى في زاوية الأسبوع الفائت إلى ذاكرة العرب !.
ولعل الشفاعة الأولى والأخيرة تستعار من القارىء الذي سيجد فارقا منيعاً بين المضمون والعنوان، وطالما أن الذاكرة في هذا الشأن لم تأت عند حد قاطع تجاه المكان خارج وجود الإنسان الذي أصبح لنا مع الذاكرة فيه بناء معلوم، وبالتالي فإن فكرة الوطن في النمط التعريفي الذي لا يتجاوز مساحة الأرض بجغرافية حدودية ومناخية, يظل معنى أجوف، فعندما نعتبر الوطن هو المساحة المحدودة بكذا من الحدود والمساحة فقط,, فقد الغينا الإنسان,, لذا كان من الواقع الضروري لمعنى كلمة الوطن الموطن الذي يحمل خصائص إنسانه وتراثه وكيانه ومستقبله، والذي أصبح مع الزمن جزءا كائننا مرتبطا بتضاريس مكانه الإنتاجية والجغرافية والمناخية.
أقول:
أدركت ذلك عندما تساءلت وأنا لا أرغب في أن تكون محطة نزولي في مهذرة قريتي التي بها ولدت ودرست ونشأت,, فضلت أن أسكن بقرية أخرى تمديت مع الباحة وهي قرية رغدان ويبدو ان اسم القصر الأردني برغدان قريب بهذا، وكذلك الزرقاء بالأردن باسم قرية الزرقاء أقول ربما إذا ربطناها بهجرة الحجازيين إلى الأردن وشرقها قبل قيام المغفور له الملك عبدالعزيز بتوحيد المملكة.
***
لماذا لم أنطلق بلهفة إلى قريتي؟
لأنني علمت خلال زيارة سابقة قبل سنوات وعبر مداركي أن القرية لم تعد تلك القرية شكلا، وهذا طبيعي بحكم التغير أو التطور، أو الوجه الجديد المستبدل، والذي أصبح فيه الأهالي بمضمونهم جماعة متفرقة جدا ومتباعدة في السكن ولا تجمعهم ألفة أو مصلحة وأساسا لا تلمهم أو تلملمهم أداة انتاجية مشتركة واحدة,, إذاً كان لابد من وجود إنشراخ نفسي ذائقي تربوي إنساني ومفهومي فكري أيضا تجاه هذا الأمر.
أذكر أن الكاتب الفرنسي غاستون باشلاركان له رأي جميل في كتابه جماليات المكان إذ وضع لهذا الأمر قراءة فلسفية جمالية مهمة استنبط علاقة الكاتب بأدواته وملابسه وأوراقه وأدراجه ومسكنه,, علاقة متآلفة حميمة، تبقى تغذي ذاكرته بغذاء استرجاعي يظهر أثناء كتابته الإبداعية.
أظن بعد هذا أن ما يسمى في كتاباتنا بالانسنة أي تحويل الجمادات من خلال العلاقة إلى إحيائها حسب الحس الإنساني المفرد اتجاهها.
نعم,.
لقد وجدتني منزوعا بوجع أهل الأرض من هذه الصفة تجاه البيت الذي نشأت فيه والقرية التي عشت تفاصيل بيوتها ومواشيها وزراعتها,, بل تجاه إناسها الذين أصبحوا كما قلت سابقا كلمات وأسماء داخل المباني القديمة التي لا يسكنها أحد، أو داخل القبور أما جيل اليوم فكل همهم (أن يتخرج أحدهم مدرساً، يشتري عراوي، ويتزوج من"مدرّسة .
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved