يبدو المنظر كحلم,.
التل كأنما انحسرت عنه مياه البحر من عهد قريب يغمره ضوء الغروب,, رماله البيضاء نظيفة مغسولة بريقها فاتر تهب الرياح فتزيل ما علق بها من غبار ناعم مساحات واسعة لم تطأها قدم احتفظت بقشرة هشة من الرمال، تشققت قليلا غير انها ظلت متماسكة، بقع داكنة الخضرة من العشب والاشواك تجري حولها السحالي, بيوت قليلة صغيرة متناثرة على التل تبدو من تعرجاتها كأنما صنعت بأيدي اصحابها، ابوابها من الصاج المضلع ومواربة دائما, احدها انفرد بعيدا يطل على المنحدر الذي يؤدي الى البحر, عنزة سوداء مقيدة الىوتد امامه, اولاد يلعبون بالقرب منه, ينتقون الحجارة المسطحة ويقذفونها الى البحر, عندما خرجت المرأة من البيت تفرقوا بعيدا, هو نفس الموعد والشمس توشك على المغيب, تلبس جلبابا اسود وطرحة سوداء,, شعرات بيضاء في مفرق شعرها حيث انزلقت الطرحة قليلا, تفك قيد العنزة وتدخلها البيت تهبط المنحدر خلال مدق نحيل متفتت تكسوه حجارة بيضاء كبيرة وصغيرة تواجه في هبوطها هبات الهواء التي تعوق حركاتها وتجعلها تميل من حين لاخر والجلباب يلتف حول جسدها النحيل.
البحر صاخب عنيف, صخور منبسطة زلقة تضربها الامواج.
ينتهي المدق الى شريط ضيق من الصخور الصغيرة السوداء احتفظت بجفافها احيانا ينالها الرذاذ من موجة عالية فيسيل من بين شقوقها الى الصخور الضخمة المنبسطة.
قوارب مصفوفة مقلوبة على وجهها فوق الرمال اسفل التل.
ترتكز مقدماتها الى الصخور السوداء الصغيرة تسير المرأة الى قاربين في المنتصف وضعا وجها لوجه وقد انفرجا قليلا مثل صدفتين, تجلس بينهما فوق حجر ابيض جاءت به يوما من المدق, صوت البحر يدوي عميقا في تجويفهما وقد تكومت بالداخل رمال بيضاء ناعمة واعشاب وفوارغ صغيرة من الصفيح تخرج المرأة من جيبها حبات التمر, تنتظر حتى تنحسر الموجة وتقذف بها واحدة وراء الاخرى: - رحمة عليه, الف رحمة, اللي رجع, اللي ما رجعش.
البحر كأنهما ازداد هياجا امواجه العالية تضرب الصخور في عنف ثم ترتد متناثرة يعلوها الزبد, تسعى في تلاحقها لتتخطي الصخور وكأنما لتنال من التل يبدو التل شامخا مزدهيا في الغروب.
الرمال البيضاء اخذت في ضوء الشفق لون سنابل القمح تتجعد في انبساطها كموج خفيف ساكن وفجوات واسعة يثقل فيها الظل اشبه بندبات وكرات العشب الداكنة تتمايل مع الهواء وسحابة غبار ناعمة تطوف حوله من حين لاخر تأخذ في طريقها ما تساقط من عشب وترمي به الى الفجوات.
تمسح المرأة رذاذا تناثر على وجهها تمدساقيها هي المرة الاولى التي تلمس المياه فيها قدميها وتبلل ذيل جلبابها, صوت لم تسمعه من قبل, هدير عميق مكتوم يوشك ان ينفجر, تراها مقبلة تتهادى في تحفز, ترمقها مبتسمة تضم الجلباب حول فخذيها وتسوي الطرحة، لم تكد تنتهي الصوت مدو, سد هائل معتم،, تطفو قدماها تلمسان الصخور الملساء اللزجة القاربان بجوارها يعلوان ثم يتفتتان تلتفت ضاحكة تمد يدها نحو طرحتها التي حلقت بعيدا عيناها تتألقان، ضحكاتها قصيرة صاخبة وشعرها القصير المبتل مبعثر على وجهها, تنزلق, تتدحرج, تستوي فجأة جالسة مبهورة, تعلو وتهبط مع نتوءات الصخور الضخمة تضرب المياه بيديها عابثة, تختفي بين طيات الموج.
تحل العتمة اخيرا دمدمة خافتة تنبعث من جوف البحر، وامواج صغيرة مضطربة تلعق جانب الصخور.
|