* اسلام آباد - الجزيرة
أثار الاتفاق الذي توصل إليه رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف مع الرئيس الامريكي في واشنطن يوم السبت الماضي حول ضرورة انسحاب المجاهدين الكشميريين إلى خط التماس وصولا إلى انهاء النزاع الباكستاني الهندي في اقليم كشمير - اثار تساؤلات كثيرة، في اوساط السياسيين والعسكريين الباكستانيين، بل ان البعض فسره على انه - اي الاتفاق - يعني هزيمة جديدة للجيش الباكستاني امام القوات الهندية.
ويؤكد المراقبون ان هناك خلافا حادا بين نواز شريف وقادة الجيش ازاء قرار الانسحاب من مرتفعات كارجيل في كشمير الذي يعنيه الاتفاق بين شريف وكلينتون.
وربط المراقبون بين رفض الجيش الباكستاني اتفاق اعلان لاهور بين الهند وباكستان في فبراير الماضي وبين التخطيط لعملية كارجيل منذ بدايتها وهو ما يؤكده رفض رؤساء اركان الجيش الباكستاني استقبال رئيس وزراء الهند فاجباي لدى وصوله إلى النقطة الحدودية بين البلدين.
وحملت تصريحات بعض قادة الجيش التي نشرتها الصحف الباكستانية خلال اليومين الماضيين لمحة الغضب ازاء تردد نواز شريف على واشنطن، بل ذهب بعض القادة إلى تهميش اتفاق شريف/ كلينتون حينما اكدوا ان ذلك لن يغير الواقع، وبرروا رفضهم للاتفاق بأن الجيش الباكستاني حقق الكثير من الانجازات من خلال عملية كارجيل لايمكن التخلي عنها بسهولة.
وأجمع قادة الجيش المتقاعدون على انتقاد رئيس الوزراء لتقديمه تنازلات في كشمير دون ان يراعي القتلى الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل الدفاع عن مكتسبات الباكستان في كشمير.
بل ان الاتفاق ايضا حمل قادة حركات الجهاد الكشميرية على اتهام نواز شريف ببيع قضية كشمير.
وأعلن عدد من الحركات الجهادية عزمها على مواصلة الجهاد والقتال في كارجيل متجاهلة بذلك الاتفاق الباكستاني الامريكي.
وفي ظل تصاعد الموقف وتباين وجهات النظر - إزاء هذا الاتفاق - بين الحكومة والجيش كان موقف الصحافة الباكستانية كلها إلى جانب الجيش حيث اجمعت على ضرورة ان تخرج الحكومة عن صمتها وتطلع الشعب على حقيقة نتائج اجتماعات واشنطن بل ان احدى الصحف الباكستانية طالبت رئيس الوزراء نواز شريف الذي قالت عنه انه سعى بقوة إلى عقد اجتماع مع الرئيس الامريكي بيل كلينتون - طالبته بأن يطلع الشعب على الخسائر الناجمة عن اجتماع واشنطن، مشيرة إلى ان البيان الصادر عن الاجتماع يعارض تماما السياسة التي كان يتبناها نواز شريف الذي قطع كل هذه المسافة إلى واشنطن لإلزام نفسه باتخاذ خطوات لاحترام الخط الفاصل دون ان يحصل على اي ضمانات لحل قضية كشمير.
وانتقدت صحيفة اخرى الاتفاق الذي يلزم الباكستان باتخاذ اجراءات لإعادة الخط الفاصل بسحب قوات كشمير من كارجيل دون ان يتضمن الاتفاق اي اجراءات تقوم بها الهند من جانبها، كما لم يتضمن ان تحترم الهند الاتفاق.
وحذرت من انه إذا ما عادت الامور إلى ما كانت عليه قبل عملية كارجيل فإن العالم سينسى قضية كشمير كما سيزيد تعنت الهند في بحث اي تسوية سلمية لقضية كشمير.
ورأى احد المعلّقين السياسيين ان الباكستان تناقض نفسها في موقفها تجاه كشمير فهي تقول دائما انها تدعم المجاهدين الكشميريين معنويا ودبلوماسيا فقط وليس لها سلطان عليهم,, في حين توصلت إلى اتفاق مع واشنطن لسحب القوات الى الخط الحدودي الفاصل بين الهند والباكستان في كشمير وكأن الباكستان بذلك تعترف بما تزعمه الهند مرارا من أن المتسللين الى الجزء التابع للهند في كشمير هم من الجنود الباكستانيين يدعمهم جماعات من كشمير.
الحكومة الهندية ساورتها الشكوك تجاه عزم اسلام آباد سحب المقاتلين من كارجيل إلى خط التماس,, وقال وزير الداخلية الهندي لال كريشناه ادفاني: إن الهند لن تنخدع بأقوال باكستان وانها ستواصل حملتها العسكرية لطرد الكشميريين.
يفسر المراقبون السياسيون تودد رئيس وزراء الباكستان نواز شريف إلى الرئيس الامريكي بيل كلينتون للبحث عن حل لأزمة كشمير بأنه اعتراف منه بهزيمة الباكستان في الازمة وبقصور في الدبلوماسية الباكستانية لشرح الموقف الباكستاني في قضية كشمير وكسب المواقف الدولية الى جانبها, في الوقت الذي كسبت فيه الهند كثيرا من هذه الناحية، حيث حظيت بتأييد دولي واسع تجاه موقفها في ازمة كشمير حينما استطاعت ان تقنع دول العالم بأن الباكستان هي المسؤولة عن تأزم الموقف في كشمير مما جعل الباكستان تواجه إجماعا شبه دولي على انها المسؤولة عن تدهور الوضع في الاقليم.
وفي ظل رفض الجيش الباكستاني اتفاق واشنطن، وتفاعل ردود الفعل على الاتفاق، واجماع قادة الرأي في الباكستان على انه يعني هزيمة مريرة للباكستان فيما لو التزمت به ونفذته,, ليس أمام نواز شريف الذي ألزم نفسه بالاتفاق سوى اطلاع الرأي العام الباكستاني على حقيقة الاتفاق ومضامينه ليضع بذلك حدا للتساؤلات التي تتردد على ألسنة معظم قادة الجيش الباكستاني الذين لا يقيمون سوى موقفهم في مجابهة القوات الهندية في كشمير لأنهم يرون ان الامر بالانسحاب من كارجيل يعني هزيمة لجيش الباكستان بعد الانتصارات والانجازات التي تم تحقيقها في كشمير.
فهل ينفذ نواز شريف ما اتفق عليه مع كلينتون السبت الماضي فور عودته إلى اسلام آباد ام يطلع الشعب الباكستاني على حقيقة الاتفاق اولا ويرى الموقف العام على المستويين السياسي والعسكري تجاه الاتفاق؟
الشيء المؤكد ان نواز شريف لن يتواجه مع قادة الجيش الباكستاني خوفا من تدهور الوضع داخل الباكستان خاصة في الظروف الحالية التي لا تحتمل اي تعقيد او مجازفة, نخلص من هذا إلى ان الحكومة الباكستانية تنظر للأزمة من منظور سياسي يهدف الى تجنب الدخول في حرب مع الهند لا أحد يعلم عواقبها او نهايتها وقد تنذر باستخدام الاسلحة النووية,, فيما ينظر الجيش الباكستاني على ان ما تم تحقيقه في كشمير انجاز وانتصار لايمكن التنازل عنه، لأن في ذلك هزيمة له امام الجيش الهندي,, فالجيش يرى ضرورة الوصول إلى اتفاق سلمي بين البلدين يقدم الجانبان من خلاله تنازلات متساوية وصولًا إلى حل نهائي لقضية كشمير التي تسببت في حربين بين البلدين.
|