عزيزتي الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
قرأت ما كتبه الاخ عبدالرحمن بن عبدالله التويجري في صفحة عزيزتي الجزيرة في العدد رقم (9770) والذي كان بعنوان (التربية والتعليم مهمة كبرى: لا تظلموها بل أنصفوها) وقد تحدث الأخ عن وزارة المعارف ودورها في نشر التعليم، ثم وجه لومه الشديد لمن ينتقد الوزارة في بعض الامور، واتبع ذلك بنصيحة للمعلمين مذكراً إياهم ببعض المميزات الوظيفية التي يمتازون بها عن غيرهم، ثم ختم مقالته بوقفة عن حمل المعلم للعصا وضرب التلاميذ، ويسعدني ومن خلال صفحة الجميع (عزيزتي الجزيرة) ان أتناول ما ذكره الاخ في مقالته بشيء من التعليق، وذلك من خلال النقاط التالية:
(1) يدرك الجميع ما بذلته وتبذله وزارة المعارف من جهود جبارة في سبيل التربية والتعليم من بداية انشائها وتولي خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - لوزارتها إلى يومنا هذا، وهذه الجهود لا تحتاج إلى بيان أو تعليق لأنها تتحدث عن نفسها.
(2) ذكر الكاتب ان وزارة المعارف ترحب بالنقد الهادف البناء وتهتم بالمواهب والتجديد والابداع، ولاشك ان ذلك شيء حضاري وظاهرة صحية، وهو سبيل من يقصد النجاح ويبحث عن الكمال، ولكن ان يناقض الكاتب نفسه مباشرة بقوله: (وانني لأعجب مع هذا التطور وهذه السياسة المنفتحة من وجود بعض الألسنة التي مازالت ولا تزال تنعق بالابواق محاولة اكثار الضغوط على تلك الوزارة بقصد أو بدون قصد لكي تتراجع عن بعض قراراتها,,, الخ) فهذا هو الذي لا يقبل بأي حال من الاحوال!! إذ كيف تذكر ان الوزارة ترحب بالنقد ثم تعجب لما يلقيه بعض المعلمين من آراء ومقترحات تعالج بعض القصور او تنشد الاحسن والافضل؟؟ ألا تعلم ان النقد والتوجيه وابداء الرأي ظاهرة صحية؟؟ ألا تعلم ان الناقد مثل الطبيب يبحث عن العلة لعلاجها وذلك من خلال طرحها للمناقشة وصولا للحق والصواب؟؟ ألا تعلم ان الترحيب بالنقد يعني الاستعداد الكامل لسماع رأي الناقد ومن ثم دراسته وبعد ذلك قبوله أو رده؟؟ ثم ألا تعلم ان الذي يحدد ان الناقد ينقد لقناعات في نفسه تفتقد الموضوعية والنظرة المستقبلية - كما ذكرت - هم اهل الشأن والاختصاص وأنا أسألك: أيهما أكثر التصاقا بالعملية التعليمية والتربوية المعلم الذي يعيش يومه الدراسي في التعليم، ويتعايش مع الانظمة والمقررات والطلاب لحظة بلحظة أم الموظف الذي يقبع خلف مكتبه ويقتصر دوره على ايصال ابنه للمدرسة دون علم بما يجري فيها؟؟ إذن يا أخي لا تحكم على ما يكتبه غيرك حكما سلبيا إذا لم تكن من أهل الاختصاص، والوزارة ما فتحت باب المناقشة وطلبت ابداء الرأي إلا لتبحث عن الافضل وتضع يدها على مكامن الخلل!! ولذا نرى التغيير في بعض الانظمة والتعديل في بعض القرارات.
(3) تعجب الاخ الفاضل من بعض الانتقادات والاقتراحات الموجهة للوزارة وذكر أن عجبه يزداد حينما يكون اولئك ممن درسوا في ظل هذه الوزارة وتعلموا القراءة والكتابة بمدارسها، وأنا يزداد عجبي زيادة على زيادة عجبه!! وأسأله: هل يعني تفضل شخص على شخص آخر عدم انتقاده أو مطالبته ببعض الامور التي يرى فيها مصلحته؟؟ لا يا أخي! بل الشرع والعقل يدعوان الى أن تنصح له وان تنبهه لما فيه صلاحه، وهذا من رد الجميل له، أما السكوت عن الخطأ او عن بعض الانظمة التي قد تحد من العملية التعليمية والتربوية فهذا هو الذي نتعجب منه لا العكس، أخي الحبيب: نحن نعرف ان الاب صاحب فضل كبير على ابنه ويكفي انه سبب وجوده بعد الله، فما رأيك لو شاهد الابن والده يدخن مثلا، أو علم انه يريد الدخول في مشروع خاسر، أو شاهده يعمل عملا شاقا عليه، وهناك طريقة اخرى يعلمها الابن اقل مشقة وأكثر جدوى، هل ينصحه ويرشده لما فيه الخير والصلاح، ام يسكت عن ذلك لان والده صاحب فضل عليه؟ ويا ترى هل نصح الابن لابيه في الامثلة السابقة ينم عن حبه له أم يدل على العقوق والجحود للفضل والإنعام؟
ثم إذا كان هذا منهجك فكيف تقسو على المعلمين ومنهم من قد يكون معلما لابنك أو لأخيك؟ وكيف تسمح لنفسك بوصف الوزارة التي علمتك سابقا بالجمود حينما تكلمت في بداية مقالك عن تطور الوزارة فقلت (واستطاعت ان تنتشل نفسها من مرحلة الجمود إلى مرحلة البحث,,, الخ)؟؟ يا أخ عبدالرحمن ما هكذا تورد الإبل!!
(4) نعم - أخي الحبيب - مهمة التعليم مهمة كبرى ومسؤولية عظمى، والمعلم الجاد يعي ذلك ولا يريد ان يفرش له الطريق بالورود، ولكن ما المانع من تمهيد الطريق له إذا كان ذلك بالامكان؟ وما المحظور إذا طالب المعلم بما فيه راحة له ومصلحة للعمل معا؟ وإذا كان الهدف يمكن الوصول إليه بطريقة اسهل فما المانع من التنبيه عليها, من منا - يا أخي - لا يريد السهولة؟ فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو القدوة للجميع - ما خير بين أمرين إلا اختار ايسرهما ما لم يكن اثما فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه.
(5) صيحات المعلمين وآهاتهم التي صخت اذنيك وهي تنادي بتخفيض النصاب وتقليل الاعمال الكتابية، وتشتكي من كثرة التعاميم ومن طول اليوم الدراسي لا تعني بكل حال بحثهم عن الراحة والدعة والكسل كما شممت ذلك!! يا أخي لِمَ إساءة الظن؟ ألا تعلم ان المعلم قد يطالب ببعض ذلك لمصلحة العمل والطلاب؟ وذلك ان المعلم إذا قلّ نصابه او قلّت اعماله الكتابية التي لا فائدة من ورائها إزداد نشاطه وحماسه داخل الفصل وخارجه، أتمنى لو جربت التدريس بنصاب كامل لترى مقدار التعب الذي يلاقيه المعلم، ولنرى نحن هل تلوم المدرس بعد ذلك إذا تقاعد مبكراً كما تلومه الآن، ثم إني اسألك لِمَ يتقاعد المعلم غالبا قبل الموظف؟ وإذا كنت ترى ان المعلمين يتميزون بميزات يحلم بها كثير من الموظفين كالمرتب المغري والاجازات الطويلة فلِمَ حرمت نفسك من ذلك كله؟ ولِمَ لم تشمر عن ساعد الجد لتحوز على كل هذه المميزات التي تكلمت عنها؟؟
(6) ختم الاخ مقالته بوقفة عاجلة عن قضية الضرب وذلك ان الناس صالوا فيها وجالوا ولم يهتد للصواب إلا القليل، وأنا أقول: كيف حكمت على انه لم يهتد للصواب إلا القليل؟ وهل الصواب ما وافق رأيك؟ لا يا أخي ليس لك الحق بأن تصوب وتُخطىء وأنت بعيد عن هذا المجال، ثم إن من يطالب بالعقوبة البدنية لا يطالب بها لجميع الطلاب ولا في كل الاحوال، ولا يطالب بأن يكون جلاداً أو شبحاً مخيفاً للطلاب - كما ذكرت - بل هو يطالب ان تكون تلك العقوبة آخر علاج بعد نفاد كل المحاولات العلاجية من توجيه وإرشاد واستدعاء لولي الامر ونحو ذلك، ويطالب ان تكون بالشكل المناسب غير المؤذي ولا المبرح، ولا يطالب بفتح هذا المجال للمعلم بل للمدير والوكيل فقط فالمعلم لا يستحسن ان يحمل العصا معه، ولعل هذا، أعني التأديب المناسب والنافع غير المؤذي، هو ما أفتى به عامة علماء هذا البلد حفظهم الله تعالى,أخيراً,, آمل ألا أكون قد اثقلت على أخي الفاضل كماآمل منه ان يتقبل النقد بروح إسلامية فالاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.
أحمد بن محمد البدر
الزلفي