Saturday 3rd July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,السبت 19 ربيع الاول


حول مجالس إدارات المؤسسات الحكومية:
خلل في التشريع والتنفيذ وانخفاض في التهيب والتحرز

لقد بدأت في كتابة هذا المقال ثم ترددت في اكماله، معتقداً انه لم يحن الاوان لمثل موضوعه، واذا بي اقرأ خبر استدعاء سمو ولي العهد حفظه الله لاعضاء مجلس شركة الاتصالات السعودية، لمناقشتهم في بعض الامور المتعلقة بأداء الشركة، وذلك اثر تلقي سموه لبعض الشكاوى والملاحظات من المواطنين حول اعمال الشركة، فأدركت اننا فعلاً دخلنا مرحلة جديدة في قضايا نقد الذات، والتأكد من جودة الاداء، والصراحة والمكاشفة، لقد قرر ذلك الموقف من قبل سمو ولي العهد الكثير من الامور، منها ان جميع المسئولين في الدولة افراداً او مجالس عرضة للمساءلة لمقتضيات تحقيق المصلحة العامة، لذا عدت فأكملت المقال، وارسلته للنشر,
توجد على رأس بعض الجهات الحكومية، وخصوصاً المؤسسات العامة، مجالس ادارة، منحتها الدولة صلاحيات واستثناءات مالية وادارية، جعلتها في حل من التقيد بالكثير من تعليمات وتوجيهات وأنظمة الجهات الحكومية المختصة في التشريع والرقابة بالدولة، وذلك بغية منح تلك المؤسسات مساحة كبيرة من السلطة تمكنها من سرعة الحركة في تنفيذ اهدافها، وتجنبها مساوىء اتباع كثرة الأنظمة واللوائح والتعليمات الصادرة عن الجهات المختصة، والتي يخضع لها القطاع الاكبر من الاجهزة والادارات الحكومية عادة.
ولاشك ان لهذا الوضع النظامي منافع وايجابيات كثيرة انعكست على درجة جودة الاداء بهذه المؤسسات، وكذلك على آلية وفترة اتخاذ القرار في اداراتها، غير ان ذلك لايعني انه ليس لهذا الوضع من سلبيات، فلاشك ان له بعض السلبيات التي لايقتصر انعكاسها بالسلبية على الاداء الاداري، او الاوضاع الوظيفية لمنسوبي هذه المؤسسات فحسب، وانما يتعدى ذلك الى الجوانب المختلفة للعلاقات الانسانية بين العاملين داخل هذه الاجهزة.
وحيث ان هناك عدة صيغ لهذه المجالس، فان الحديث منصب هنا على صيغة واحدة فقط، لعلها هي الاسوأ من بين جميع الصيغ, وفقا لهذا الصيغة، يكون عدد اعضاء المجلس خمسة اشخاص فقط، ويكون رئيس المجلس هو رئيس المؤسسة، ونائب رئيس المجلس هو نائب رئيس المؤسسة، والثلاثة الآخرون يكونون من خارج المؤسسة ، ولايحتاج القرار لكي يمرر الا الى ثلاثة اصوات فقط.
كما انه ليس المقصود هنا هو استقصاء جميع سلبيات تلك الصيغة من مجالس الادارة، وانما فقط محاولة ذكر الاهم والاكثر حساسية ومساساً بأوضاع العاملين فيها كالتالي:
1-يكون المجلس في هذه الحالة هو السلطة النهائية، لاصدار الانظمة في المؤسسة التي يأتي على رأسها، وبالتالي فهو المرجعية الاخيرة بالنسبة لموظفي هذه المؤسسة.
2-ولكن حيث ان المسئول الاول عن هذه المؤسسة- كما ذكرت- هو نفس رئيس مجلس الادارة، فأصبح بذلك هو السلطة النهائية والمرجعية الاخيرة للمؤسسة ومن فيها، وذلك لانه لاطريق لاي موظف في هذه المؤسسة في الاتصال بالمجلس الا من خلال هذا المسئول.
3-وفقاً للطبيعة البشرية، فان اعضاء هذه المجالس يتحولون مع مرور الوقت الى فريق او قل جماعة متجانسة ذات توجه ومزاج واحد، وبذلك تنعدم مزية تعدد الاشخاص في المجلس، وخصوصا انهم قليلون من الاساس، وبذلك يستحيل المجلس الى رجل، وخصوصا ان رئيس المؤسسة ونائبه لايحتاجون الا الى صوت واحد من اصوات الثلاثة الباقين لاصدار اي قرار يريدونه.
4-نظراً للسلطات المطلقة للمجلس في اصدار الانظمة، بل في تقرير مصير العاملين في المؤسسة، فيما يخص وضعهم الوظيفي من ترقيات وعلاوات وغير ذلك، فالمال مشرع على مصراعيه امام المجلس لاصدار قوانين وانظمة تكون أو غير مدروسة تماماً، أو غير مناسبة، بل غير عادلة، وبالذات انه لاتوجد مشاركة للموظفين في اي مرحلة من مراحل تبني تلك القوانين واصدارها.
5-نظراً لاستقلالية هذه المجالس وصلاحيتها في اصدار القوانين، وعدم الالتزام بأنظمة الدولة فيما يتعلق ببعض قوانين الخدمة المدنية، وغيرها، فان الموقف القانوني للموظف في مثل هذه المؤسسات يكون ضعيفاً، حينما يتعرض بحكم تطبيق قوانين المجلس لأي نوع من الغبن او الظلم، وذلك للصلاحيات المطلقة لهذه المجالس، وعدم إمكانية اجهزة الدولة المختصة كديوان الخدمة المدنية مثلاً في التدخل وفرض النظام المتبع على هذه المؤسسات.
6-وكما ان الخلل موجود على صعيد الجانب التشريعي في عمل هذه المجالس (اصدار الانظمة)، فكذلك هناك خلل في التطبيق والتنفيذ، فطالما ان المجلس هو المشرع، ورئيسه هو المنفذ، فإن ذلك يتيح المجال، لظهور الكثير من صور الاجحاف وعدم المساواة في التطبيق، وبالذات فيما يتعلق بالحقوق الوظيفية للعاملين بالجهاز وبالتالي يكون هناك العديد من صور ممارسة الواسطة والمحسوبية، تبعاً للهوى والامزجة الشخصية لصانعي القرار.
7-وبسبب ماذكر اعلاه، وغير ذلك من العوامل، تكون مصادر السخط والاستياء في هذه المؤسسات عديدة، الامر الذي ينعكس على نفسية الموظفين وعلاقاتهم مع بعض فيكون الرضا الوظيفي في حالة انخفاض، كما يكون هناك غياب او خلل في مدى تواجد الروح الاخوية، وكذا الحال مع المبادأة والابتكار بين الموظفين.
8-ثم ان هذا الوضع من كون هذه المجالس هي السلطة النهائية لأجهزتها، يوجد في نفوس بعض قادة هذه الاجهزة الذين هم اعضاء في مجلس الادارة في نفس الوقت، شيئاً من التعالي، وربما الكبر والنظر بدونية لموظفي الجهاز، وذلك يؤدي الى وجود فجوة هائلة بين قيادة هذه المؤسسات والقاعدة في هذه المنظمات وهم مجموع الموظفين، الامر الذي ينعكس سلبا على مجمل الاداء بالجهاز.
9-نظراً للامن من المساءلة وعدم الحاجة للتوافق مع انظمة الدولة المتعلقة بالخدمة المدنية في بعض الجوانب، يكون هناك انخفاض في درجة التهيب والتحرز عند اعضاء المجلس، ذلك التهيب الذي من المفروض ان يكون ملازماً لعملية اصدار الانظمة وسن القوانين، والذي من شأنه ان يدفع نحو اتباع اقصى درجات الدقة والتحري لبلوغ اكبر قدر من العدل والصواب حين اصدار الانظمة.
الدكتور/أحمد بن علي سالم المبارك
الأحساء

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
ملحق جــــدة
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved