]- فين جريدة ال",,,,,,,"؟
- جريدة ال",,,,,,,"في الصندوق اللي جنب الباب,!
- آي والله! صندوق وفيه جريدة ال",,,,,,,"ومعها جريدة ال",,,,,,,"! شيء رائع[.
لا شك أن عدداً كبيراً من القراء استمع، صدفة ورغماً عنه، لهذا الإعلان الذي يمثل عينة من كثير من الإعلانات الإذاعية التي تحض على التخلف العقلي، وتروج له، فما أن تم السماح بالإعلانات التجارية، حتى تقاطر عليها المعلنون، وهذا حقهم، ولهذا وضعت الإعلانات، ولهذا وجدت مكاتب الدعاية والإعلان, وعندما بدأت القنوات الفضائية مرئية ومسموعة ظهر السباق المحموم على اقتطاع أي جزء من كعكة الإعلانات.
هذان أمران لا غبار عليهما، ولكن المشكلة تكمن في أن فن الإعلان صنعة، وصناعته فن في الوقت نفسه، ويختلف كثيراً عن مكاتب سمسرة العقار وبسطات حراج ابن قاسم, وهنا مربط الفرس، فالإعلان فن وعلم، وليس مجرد تصريح من الجهات المعنية ودكان ولافتة كهربائية.
ومعظم إعلاناتنا التلفزيونية لا تخلو من مباشرة، وتفتقر إلى الإبداع، ناهيكم عن افتقادها الشروط الفنية والعلمية للإعلان, ولكن يمكن بلعها بتأثير الصورة والألوان والموسيقى والأغاني وغنج البنات الملاح، وتكفي المقارنة بين إعلان مصنوع عربيا وإعلان مدبلج لنتبين الفرق الرهيب بين السلق والنضج.
ولكن مأساة الإعلانات الإذاعية أنها بلا ألوان ولا صورة، ولا مزوقات، ولا بهاريز أو بهارات، وتحتاج إلى مهارة فائقة وتناول خاص، فالفرق بينها والأخرى التلفزيونية، مثل الفرق بين الدراما الإذاعية والدراما التلفزيونية, ولذلك تكون الإعلانات الإذاعية صعبة لأنها بحاجة للخيال والإبداع والابتكار, بيد أنها أقل كلفة، وأسرع ربحاً في الإعداد والتنفيذ، ولذلك فتكرار إعلان إذاعي سمج لعدة مرات في اليوم يعادل ثمن إعلان ذي نفس المدة لمرة واحدة في التلفزيون.
والخيال والإبداع والابتكار مثلث الجانب الفني، أما الجانب العلمي فيتمثل في علم الاتصال، والاستعانة بعلم النفس الاجتماعي، إذ أن أحد مباحثه هو تغيير موقف الأشخاص لقبول أمر جديد، أو لنبذ منتج والاتجاه إلى غيره.
وأبسط مبادىء الإعلان هي: من يقول ماذا؟ ولمن؟ وكيف؟ وعبر أية وسيلة؟ ولهذا يتم التعاقد مع المشاهير والنجوم للقيام بالإعلان , فيقوم نجم رياضي بالدعاية لأحذية رياضية لا بالدعاية لكريم يحافظ على نعومة البشرة.
ومن يتابع التلفزيونات الأجنبية (التي من دولها جاء علم الإعلان وفنه) يجد أن الأشخاص، وشكل الإعلان، ومضمونه، يتجه إلى فئة عمرية واقتصادية محددة.
أذكر أني منذ سنين عديدة شاهدت إعلانا انجليزيا عن مكنسة كهربائية بالتقسيط وكان بطلاها فتاة وفتى يستعدان للزواج ومظهرهما يدل على أنهما من الشرائح الدنيا للطبقة المتوسطة.
أما في إعلاناتنا العربانية إذاعية كانت أو تلفزيونية فالناس كلهم أثرياء، ومتأنقون، وفي غاية النظافة، ومعرفة الإتيكيت سواء كان الإعلان عن بيع فرن مطبخ بالتقسيط، أو عن حلى ألماسية تباع عداً ونقداً، أو كان دعاية عن الصابون، أو الحليب، أو الأرز، أو السيارات الفارهة، فالكل يقيمون الولائم بمختلف أنواع الأرز، والكل يذهبون لتناول الوجبات في المطاعم، والكل لديه فلوس محتار فيها والكل يفعل كل شيء، ويعيشون في ثبات ونبات ويخلفون صبيان وبنات.
ولولا أن يظن البعض أني أعيد الدعاية لبعض المنتوجات والخدمات لأوردت نماذج لإعلانات إذاعية تجعل مندوب اليونسكو يكتب تقريراً يطلب فيه إعانات عاجلة لعلاجنا من التخلف العقلي, ويكفينا الإعلان أعلاه لنرفع دعوى رد اعتبار, والمشكلة أن الصحيفة موضوع الإعلان من الصحف المتجددة، ويبذل رئيس تحريرها قصارى جهده لتطويرها، ولكنها بهذا الإعلان تبدو وكأنها موجهة لمحدودي الذهن ومتعثري القدرات العقلية.
وهاكم إعلان إذاعي آخر:
] -صوت طفل يبكي
- نوره! وش فالولد يصيح! شوفي وش يبي عطيه اياه!
- مدري وش يبي!
- شوفيه يشر على حليب ال,,,,,, ، عطيه إياه!
,,,, إلخ[.
هذا الإعلان يمثل جريمة تربوية قائمة الأركان، فالأبوان لم يلتفتا إلى الطفل إلا بعد أن أزعجمها ببكائه، كما أن الحل الأمثل لتربية الطفل ومنع بكائه هو إعطاؤه ما يريد! ما شاء الله تبارك الله, والمشكلة مرة أخرى، أن تلك الماركة من الحليب من أجود الأنواع وليست بحاجة إلى إعلان ينضح بالغباء ويحض على العبط .
طبعاً لن تجدي قوانين، ولا مواثيق شرف، ولا غيرها, سيجدي فقط ان يتجه المعلنون إلى من يعرف كيف يقدم الإعلان عارفا به محترما عقول ومتلقيه, وسيجدي أيضا أن تكون هناك جائزة تعطى لأسخف إعلان ويعلن عن الفائز بها في كل الصحف، وكافة وسائل الإعلام.
وإلى أن يحدث هذا سأظل أعيد وأكرر: الإعلان يا سادتي يقوم على فن وعلم، وعلى احترام لعقول المتلقين، وليس على مبدأ التكرار يعلم الشطار !
د, فهد سعود اليحيا