رؤية اقتصادية أقوال الملك عبدالعزيز تأكيد لمنطلقات مبادئه د, محمد بن عبدالعزيز الصالح |
تعتز كثير من دول العالم بأقوال زعمائها وقادتها وحفظ ذلك ضمن سجلات الوثائق الرسمية، كما تمثل تلك الأقوال محل فخر واعتزاز لشعوب تلك الدول خصوصا وانها تعتبر مصدرا للنظام والتنظيم للحكم والسياسة، ويعتمد عليها الحكام الذين يتوالون على حكم تلك البلدان، كما تعمل تلك الشعوب على تلقينها للأجيال المختلفة لتشرئب نفوسهم للمسار الأساسي لنظام الحكم والسياسة في تلك الدولة أو ذلك البلد سواء كان مسيحيا أو يهوديا أو علمانيا أو اشتراكيا أو شيوعيا,,, إلخ.
ويأتي الاهتمام بتعليم أبناء البلاد تلك الأقوال تعظيما لشأن القادة والزعماء وما لهم من إنجازات وأفعال في الرقي بأوطانهم وتقدمها فكل بلد يعتز بعظمائه خصوصا إذا كان هؤلاء الزعماء يسيرون على هدي الكتاب والسنة، لذا وطالما أن منهاج الحكم في المملكة العربية السعودية هو التمسك بالشريعة الإسلامية قولا وعملا، لذا فإن كان لأحد أن يعتز بأقوال قادته وزعمائه، فإن أبناء المملكة العربية السعودية وشعبها أحق بذلك لما تنطوي عليها تلك الأقوال من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتضمنة لحقائق الدعوة الإسلامية, ففي تلك الأقوال من المآثر الدعوية والفكر الإسلامي المستنير والتربية الإسلامية الراشدة في أمور السياسة والحكم والاقتصاد والاجتماع الشيء الكثير, وبمناسبة الاحتفاء بمرور مائة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية، واستلهاما لذكرى التاريخ واسترجاعا لمبادىء التأسيس لهذه المملكة الفتية وما حباها الله من خيرات منذ تأسيسها في عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود - يرحمه الله - وهكذا كان وما زال الأمر بعده في عهد أبنائه البررة الذين تسلموا سلطان الحكم من بعده رحم الله من قضى نحبه منهم، وأمد الله في عمر من خلفهم.
وبمناسبة انعقاد ندوة: (الدعوة في عهد الملك عبدالعزيز - يرحمه الله) فقد كتب الأستاذ الدكتور عدنان بن محمد الوزان وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد للشؤون الإسلامية كتابا عنوانه: الوثائق الملكية عن الدعوة الإسلامية للملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود جمع فيه بعضا من الوثائق الملكية من كلمات الملك عبدالعزيز في الدعوة الإسلامية لتكون سجلا تاريخيا لهذه الندوة، وقد بيّن الدكتور الوزان في مقدمة كتابه أنه يتوجب على القارىء المتأمل أن يعمل فكره ويمعن نظره في قراءة هذه الوثائق قراءة علمية فكرية لكي يستطيع أن يستلهم الحكمة والفائدة في هذه الوثائق وما تحمله من مضامين، هي في حد ذاتها بيان لحقيقة ذلك الملك الفذ - يرحمه الله - وانعكاسات ذلك من الخيرات والبركات في أرجاء بلاده.
لقد قال جلالة المغفور له - يرحمه الله: - أنا رجل ربيت تربية بدوية,, ما أجيد صوغ الكلام ورصفه,, وأهل الصحف يكتبون أشياء منمقة,, يهندسون كتاباتهم هندسة كاملة,, وأنا ليس عندي شيء من هندسة الكلام,, الذي يجول في قلبي عن أساسيات البناء هو الذي أتكلم به,, وليس عندي مقدرة المهندس الذي يعدل البناء ويرتبه .
هذه المقولة وأشباهها تنم عن تواضع هذا الملك الكريم ووضوح منطلقات مبادئه فهو واثق من أنه لا يقول غير مافي قلبه وليس لديه ما يخفيه أو يكتمه، كما توحي أيضا إلى اطمئنان ضميره - رحمه الله - بالنسبة إلى انسجام أعماله كما هو الحال بالنسبة إلى انسجام أقواله, إنك لتشعر - مع عبدالعزيز الملك وما قال - بالقلب الكبير الذي أقام ذلك البناء الشامخ، وبنى ذلك الصرح الوطيد، كيف كان يحرص على إقامة العدل وتوفير أسباب الحماية والحياة لرعاياه جميعاً من منطلقات الدعوة الإسلامية.
تلك هي الحقيقة التي تتجلى في أقوال وشهادات الكثير من الساسة ورجال العلم والفكر ممن عاصروه خصوصا من غير العرب والمسلمين، عرفوه متحدثا ومحاورا وخطيبا ومفاوضا سياسيا ومباسطا اجتماعيا، وفي هذا يقول الدكتور فون ويزل الذي زار الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - عام 1345 - 1926م:
وفي ابن سعود ميزة أخرى وهي أنه كريم صادق وقد حادثته مرتين في شؤون مختلفة بعضها دقيق جدا، فلم ألحظ قط أنه يلبس الباطل ثوب الحق,, نعم كان سياسيا أحياناً في أجوبته - فلا يقول كل ما يعرفه - ولكنه لم يتلفظ بكلمة واحدة غير صادقة,, والظاهر أن هذا شأنه مع الجميع، فإني لما قابلت القناصل الأجانب في جدة قالوا لي: إذا قال لك ابن سعود شيئا فثق أنه يقول لك الحقيقة التي لا تشوبها شائبة .
ويعلق المفكر الإنجليزي وليامز عن الملك عبدالعزيز ومناقبه الخطابية قائلا: مواهب ابن سعود الخطابية عظيمة، فهو يظهر مقدرة عجيبة في أحاديثه العامة والخاصة، وهو إذا تكلم تدفق كالسيل، يحب التحليل ورد الشيء إلى أصله، شديد الولع بتشريح المواضيع تشريحا يدل على ذكاء وفطنة ولباقة، يخاطب البدوي بلهجة البدوي، والحضري بلهجة الحضري، وما استمع أجنبي إليه إلا خرج مفتونا بحديثه .
إنه ما من شك أن هذا متحقق في سيرة الملك عبدالعزيز وحياته وبالتالي فإن تقديم نماذج الوثائق الملكية عن الدعوة الإسلامية للملك عبدالعزيز في كتاب الدكتور الوزان إنما هو تثبيت للمفاهيم التي قامت عليها المملكة العربية السعودية، وتسجيل للتاريخ الأدبي والفكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي في المملكة العربية السعودية من منطلقات الدين الإسلامي، وهو أيضا مشاركة وطنية من الدكتور عدنان بن محمد الوزان في هذه المناسبة وأحسب الكتاب مفيدا لطلاب العلم والباحثين في الدعوة الإسلامية، وكذلك فهو نافع للدارسين في علوم التاريخ والسياسة والاقتصاد وشؤون حقوق الإنسان، وفي الكتاب فصول مناسبة لتكون جزءا من مادة التربية الوطنية التي تدرسها وزارة المعارف خصوصا لطلاب المرحلة المتوسطة.
وأختم حديثي هنا بخالص الدعاء بالرحمة والمغفرة لموحد هذه الدولة جلالة المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن - طيب الله ثراه - وخالص دعواتي بالتوفيق والسداد لحكومتنا الرشيدة لكل ما فيه خير أبناء مملكتنا الغالية، وجزيل الشكر لسعادة الأخ الأستاذ الدكتور عدنان الوزان على إضافته العلمية المتميزة التي تنم عن الحس الديني والوطني المتأصل في أعماق سعادته.
|
|
|