Saturday 3rd July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,السبت 19 ربيع الاول


من هموم العولمة!!
أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري

تحتل مسألة العولمة في هذه السنوات الاخيرة قلق الخبراء والمتمكنين في تخصصهم,, كما أنها تجر فضول الشادين والمتحاكين من الاعلاميين والادباء (1) .
والعولمة هي افراز الوفاق العالمي، والدولة القطبية الواحدة، والتسلط الايدلوجي والنفعي بعد سقوط القطب الآخر(الاتحاد السوفيتي) على علاته.
وقبل واقع الوفاق العالمي المرير لم يمارس العالم الثالث - بما فيهم العالم العربي، وبعض العالم الاسلامي - ما يجعله جبهة ثالثة على الاقل: تأخذ، وتعطي بحرية الند للند,, لابحتميات بشرية خارجية، وضغوط خانقة.
على ان امر العالم الثالث كان افضل فيما قبل حالة الوفاق من جهتين:
اولاهما: ظاهرة التجمع العربي وان كانت الوشائج هشة,, وكانت هناك جامعة للدول العربية تؤصل ضرورة الوفاق العربي، وتمارسه بالثورات والدسائس والارهاب الاعلامي والتزييف في الدعاية,, وهناك جهود في هذه الجزيرة - ولاتزال باقية بحمد الله - تواصل وتمارس ضرورة الوفاق في العالم العربي والاسلامي.
واخراهما: ظاهرة السنة الكونية المدلول عليها بقول الله تعالى: (,, ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض ولكن الله ذو فضل على العالمين) (سورة البقرة/ 251)؛ فهذا دفع عن العالمين اجمع، وثمة دفع عن اهل الاديان السماوية (2) دل عليه قوله تعالى: (,, ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز) (سورة الحج/ 40),, وهناك دفاع خاص بالمؤمنين اهل الاسلام بعد نسخ الله للاديان السماوية بدين الاسلام، وذلك الدفاع عندما يخلص القصد ويصح السلوك وتبدأ المسيرة، والدليل على هذا الدفاع قول الله سبحانه وتعالى: (ان الله يدافع عن الذين آمنوا ان الله لا يحب كل خوان كفور) (سورة الحج/38)؛ إذن هذا الدفاع محقق للمؤمنين - قبل الوفاق، وحاله، وبعده - عندما يكون النزاع بين مؤمن وخوان كفور من اجل الله,, ولا يكون ذلك الا حال الولاء والبراء.
وما قبل الوفاق كنا بين قوتين:
قوة تريد عولمة ايدلوجية كافرة بكل الاديان، ولا تتظاهر بأي طمع منفعي في اوطاننا ومواردها وقوة تريد نهبنا بمنطق نفعي تحليلي في اطار من العولمة الايدلوجية الكافرة بديننا تريد تنصيرنا او ابعادنا عن دين هو الاحق بالعالمية؛ لان منزل الاديان سبحانه هو الذي ختم به الاديان، وجعله للناس كافة، وجعل امده الزماني الى يوم القيامة.
وخلال ذلك الواقع المرير - وهو الاحلى من واقعنا الامر الان - كانت هناك تنمية محدودة فيما يحقق القوة، والمنفعة الحاجية الضرورية والكمالية,, وهي تنمية وسيعة في المتعة والرفاهية والانمياع مما لا يحتاج اليه الجادون كرخاوة الفن (3) !.
وكنا موزعين بين القطبين ندافع عن وجودنا الضحل بالمساومة الخانعة بين القطبين,, على ان المستعمَرين (بصيغة اسم المفعول) من القطب الاول - القطب الايدلوجي الذي سقط الان - اصحاب دعاوَى عريضة كاذبة عن ملكيتهم حرية القرار، وتقدميتهم,, وكل مَن سواهم رجعيون عملاء!!,, ومن المنطق الايدلوجي الذي استعمرهم كانوا أُمميِّين (وذلك صورة من العولمة) لا تهمهم قضايا وطنية او قومية، وانما رسالتهم الوفاء لألاعيب الافكار الماركسية اليهودية المحكَمة بدهاء صهيوني في الفكر والممارسة,, وكان ماركس طرح لهم رجيعا فمضغوه حتى التخمة!
ومن البديهي ان العولمة بمفهوم منطقي برهاني، وممارسة تفرضها القوة: تعني الثنائية بين ما هو عالمي في طبيعته، وما هو مفروض بالقوة ليكون عالميا.
ان العولمة ممارسة ليست هي المشترك الانساني - ولكنها الاكراه الامريكي - وفي دعم قوته ثقل حلفائه، وهي ممارسة بمنطقي التحليل والايدلوجيا معا.
قال أبو عبدالرحمن: واستراحت في عالمنا العربي والاسلامي حمَّى التسلية الفنية والادبية، او انها لم تسترح بل عجزت عن الاستقطاب، لان العالم الثالث اصبح مشدودا بجدية الى طروح العولمة وما يضادها من هموم حركية (دينية، وقومية، ووطنية).
وبدأ الطرح الجاد للعولمة منذ تقبيل قرباتشوف لما قد نسميه بفخ الوفاق العالمي,, اي سيادة الطرف الواحد، وزيادة رفاهيته على تعاسة الاخرين,, وتعني طرح مسألة المحاورة او الصراع بين الحضارات، والتنبؤات بأحوال ما بعد القرن العشرين ميلاديا: هل ستكون السيادة لقطب واحد، او ان هناك اقطابا منتظرة كالصين او الهند مثلا.
ومن الطروح في هذا المجال كتاب (في مديح الامبريالية الثقافية) لدافيد دو شكويف استاذ العلاقات الدولية بجامعة كولومبيا، وقد ترجمه الى العربية الاستاذ احمد خضر,, وقد نُص في هذا الكتاب على ان الولايات المتحدة الامريكية تهيمن على الحركة الكونية في مجالات المعلومات والافكار,, بل الموسيقى والافلام والبرامج التلفازية وبرامج الحاسوب (4) .
ومن الطروح ايضا كتاب (ياعولميي العالم اتحدوا) - والعنوان اعادة لصيغة الشعار الماركسي الصهيوني عن عمال العالم - لدانيال دربزنر وقد ترجمه الى العربية الاستاذ عبدالسلام رضوان,, درس وحلل في هذا الكتاب خمسة كتب في العولمة وهي:
1- الجهاد ضد السوق الكونية لبنيامين باربر.
2- نهاية التاريخ لفرانسيس فوكومايا.
3- صدام الحضارات واعادة تشكيل النظام العالمي لصمويل هنتنجتون (5) .
4- نهاية الارض رحلة الى بدايات القرن الحادي والعشرين لروبرت كابلان.
5- نهاية الدولة القومية لكنيشي اوماي (6) .
واهم تلك الطروح كتاب (فخ العولمة/ الاعتداء على الديموقراطية والرفاهية),, ألفه اثنان هما: هانس بيتر مارتين، وهارالد شومان,, ولقد ترجمه الدكتور عدنان عباس علي وراجعه الاستاذ الدكتور رمزي زكي، وصدر عن عالم المعرفة التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت (7) .
قال أبو عبدالرحمن: العولمة ذات ميادين عديدة: منها الضروري دائما، ومنها الممكن المؤقت، ومنها المحال الذي تُكره عليه الفطرة الكونية بقوة تكتم الانفاس,, ومصير تلك القوة الى الكسر ولابد.
قال أبو عبدالرحمن: وأخطر مظاهر العولمة - بالممارسة المتغطرسة للدول القوية المتحالفة، لا بالمفهوم المنطقي البرهاني - هزيمتنا نفسيا، وطول رزوحنا ممارسة تحت النير، وذلك عن طريق سيادة القانون الوضعي (فرضا علينا، او قبولا من المتسلطين على ولايات امتنا),, وبسيادة القانون بحيث تكون مخالفته عمدا جريمة تبيح المال والعرض والنفس: يفقد الفضلاء القوامة على اولادهم ومحارمهم,, والارهاب الاعلامي للعولمة يسوِّغ القانون المتجني على الفطرة والحق والخير والجمال بالحق القانوني المفلسف من دعوى الحق الطبيعي البهيمي,, وكل ذلك سيادة الشهوات والشبهات، واسقاط حق فاطر الارض والسماوات,, والطلاء البَّراق لهذه السموم بالسحنات الممكيجة للديموقراطية والمساواة والعدل والحرية وحقوق الانسان والحيوان,, قال الاستاذ عبدالعظيم حماد مساعد رئيس تحرير جريدة الاهرام عن مبدأ كلينتون المعروف في ادبيات السياسة الأمريكية: (مبدأ كلينتون يلخصه السيد ستروب تالبوت وكيل وزارة الخارجية الامريكية ومستشار الرئيس بيل كلينتون في الشؤون الروسية، فيقول: انه كلما اتسع نطاق جماعة الدول التي تختار الديموقراطية نظاما لحكمها، وازداد توثق العلاقات بين الدول المكونة لهذه الجماعة: كلما (8) كان الامريكيون اكثر امنا ورخاء؛ لان الدول الديموقراطية تحافظ على التزاماتها الدولية، وتكون اقل ميلا لاثارة الحروب) (9) والى لقاء.
* حواشي:
(1) قال أبو عبدالرحمن: الادب رمز الضحالة العلمية، ورمز الظرف بالمفهوم الممارس في مأثورنا التاريخي,, ولكنه في العصر الحديث رمز العلم والفلسفة - الينبوعين الكبيرين لموهبة الاديب الفطرية الابداعية -؛ فمثلا الروائي التشيكي ميلان كونديرا اديب روائي بمفهوم الادب والحديث، ولكنك قبل ان تستمتع به فنيا تُكبره علميا وفلسفيا,, انظر اضافة الى اعماله المعربة اللقاء الجميل معه المنشور في مجلة الفيصل عدد 272 ص 81 - 96.
(2) قال أبو عبدالرحمن: ينكر بعضهم نسبة الدين الالهي الى السماء,, ولا محذور في هذا؛ لانه دين رباني ينزل به الروح الامين عليه السلام الى انبياء الله ورسلهم عليهم الصلاة والسلام من السماوات والتعبير عن الحقائق بالمجاز وسيع في لغة العرب التي نزل الشرع على قوانينها في البيان.
(3) قال أبو عبدالرحمن: كتب الاستاذ خلدون الشمعة في جريدة الشرق الاوسط عدد 2150 في 26/6/1998م ص 26 عن الهم الفرنسي تجاه العولمة الامريكية ان فيلم (الحديقة الجوارسية) كلف انتاجه ستين مليون دولار اضافة الى خمسة واربعين مليون دولار للترويج والدعاية لهذا الفيلم!!!,, وهذا الترف في دولة صناعية منتجة,, وخطوات العرب الى العولمة بدأت بالبذل السخي للفيلم وهم لم يصنعوا سيارة - تأسيسا لا تركيبا وتلفيقا -؛ لتعرض في متحف، ودعك من بعض الاكتفاء الذاتي!!
(4) انظر مجلة الفيصل العدد 269 ص 16,, قال أبو عبدالرحمن: وفي مقالة الاستاذ خلدون الشمعة المشار اليها -آنفا - وهي بعنوان المواجهة بين نموذجين للعولمة الثقافية,, ووصف موضوعها بأن ها نتنجتون اغفلها في كتابه صراع الحضارات: لخَّص الغبن الفرنسي من جراء العولمة الامريكية في ميدان الثقافة في ثلاث:
أ- اللغة الانجليزية التي هي اداة توصيل أمريكية.
ب - الكوكاكولا التي تملكها شركات متعددة الجنسية وليست امريكية بالضرورة,, الا ان تركيبها السحري يستورد من الولايات المتحدة!
قال أبو عبدالرحمن: لا اعلم الوجه لحشر الكوكاكولا في العولمة الامريكية الثقافية!؟
ج - هوليوود، وهي غبن على فرنسا، لان السينما اختراع فرنسي سبقت به هوليوود بسنوات!!
وجسد الشمعة هذا الغبن باحصائية ذكرت ان ستين في المائة من واردات صناديق التذاكر في دور السينما الفرنسية مصدرها الافلام الامريكية المعروضة هناك,, ومن ثم اضطرت فرنسا الى اصدار قانون يلزم قنوات التلفزيون الفرنسي ان تعرض ما نسبته ستين في المائة من البرامج ذات المنشأ الاوروبي! وذكر ان الحكومة الفرنسية تنفق ما يزيد على مائتي مليون جنيه استرليني في العام لمساعدة القطاع السينمائي.
ولم يوثق الشمعة معلوماته باحالتها الى مصادرها، وذكر ضروبا من المواجهة الفرنسية للعولمة الثقافية الامريكية اتركها لمناسبة تأتي ان شاء الله عن العولمة الثقافية بعمومها.
(5) قال أبو عبدالرحمن: أثار هذا الكتاب ضجة في الصحافة العالمية والعربية بما فيها الصحافة السعودية,, وآخر ما قرأته مقابلة لجريدة الجزيرة في عددها 9388 في 18/2/1419ه ص 23 مع الدكتور احمد كمال ابو المجد حول هذا الكتاب.
(6) مجلة الفيصل عدد 269 ص 17.
(7) انظر دراستين عنه في مجلة المعرفة التي تصدر عن وزارة المعارف بالرياض عدد 49 شهر محرم سنة 1420ه ص 96 - 98، ومجلة الفيصل عدد 272 ص 120 - 128.
(8) قال أبو عبدالرحمن: كلما الثانية لحن لاوجه له وفضول,, وكبير جدا ان يصدر هذا اللحن دون تنبيه عن مجلة تصدر عن وزارة المعارف!!
(9) مجلة المعرفة عدد 46 ص 28 - 29.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
ملحق جــــدة
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved