شيعت قلوب الملايين في الأمتين العربية والإسلامية عالماً جليلاً وداعية فذاً هو الشيخ علي الطنطاوي رحمة الله عليه, كان فارساً من فرسان البيان والكلمة الصادقة يقولها بأسلوبه المتميز من روح هاشة باشة لماحة, ويرسل الكلمات عميقة المعنى خفيفة الظل فتتسرب إلى الروح وتؤثر في النفوس وتجتذب المستمع, عرف الناس الشيخ رحمة الله عليه من خلال جهاده الطويل في الدعوة الإسلامية ومواقفه السياسية ضد الاحتلال الفرنسي لسوريا ومواقفه الإصلاحية بعد الاستقلال, وعرفوه أيضاً من خلال برامجه الإذاعية، وإطلالته التلفازية، ومن خلال سيل لم ينقطع من المحاضرات والمقالات التي ناقشت كل مشكلات الحياة وطافت على كل الأجيال وسعت في الخير لكل بلاد الإسلام.
ولكني عرفته زيادة على ذلك لأنني كنت من المحظوظين الذين درسوا على يديه في عامي 1388- 1389ه مادة الثقافة الإسلامية عندما كان أستاذاً لها في كلية التربية في مكة المكرمة، عرفه طلابه قدوة فارعة القامة، له سمت العلماء ووقارهم على الرغم مما يضفيه على حديثه من روح مرحة, واتصف بالعدل في معاملة أبنائه فلا يميز أحداً بجاهه أو اسمه أو مكانته بل كان الجميع سواسية أمامه، وكان وجهه مرحباً بالجميع، أما إذا تحدث فإن قريحته الفياضة، وأسلوبه الجميل، ووصفه البديع، وأمثلته الغزيرة المنبثقة من خبرات الحياة تجعل المستمع مشغوفاً بحديثه مؤملاً بالمزيد من هذا البحر الزاخر, يتحدث عن الثقافة الإسلامية بروحه قبل بيانه يحفظ مراجعها ويحيل إليها بمعرفة عميقة مستقصية، يدافع عن المفاهيم الإسلامية بحب عميق قائم على العلم والمقارنة والحجة ويرد على خصوم ثقافة الإسلام وحضارته بروح الحوار المتجرد وأسلوب العالم الباحث عن الحقيقة المتعطش دوماً للمعرفة والمتقن لأساليب المعارك الأدبية والفكرية والثقافية العامة.
رحمة الله على معلمنا وشيخنا الجليل علي الطنطاوي, وجزاه الله تعالى خير الجزاء عن أمته الإسلامية والعربية التي أحبها ونذر عمره في خدمة كتاب الله وسنة الرسول الكريم واللغة العربية وقضايا العرب والمسلمين، وسخر بيانه الرائق وأسلوبه المحبب وروحه اللماحة لتبسيط أعقد القضايا الفقهية والاجتهادات وجعل المفاهيم الإسلامية في متناول العامة مثلما هي مبسوطة للخاصة.
أدعو الله تعالى أن يتغمده برحمته وأن يلهم أمتنا الصبر والثبات وأن يعوضها خيراً, وأرجو أن يتمكن محبو الشيخ وتلاميذه من جمع تراثه العظيم المقروء والمسموع والمرئي وتجديد بثه وطباعته ليبقى مناراً لأجيال شبابنا وأمتنا.
د, عبدالرحمن بن سبيت السبيت
وكيل الحرس الوطني للشؤون الفنية