* القاهرة - أ,ش,أ
عندما كشفت الهند وباكستان عن قدراتهما النووية في مايو من العام الماضي تصاعدت المخاوف الدولية من ان يؤدي التوتر القائم بين الدولتين منذ عدة عقود بسبب مشكلة كشمير إلى حدوث مواجهة نووية مفزعة تأتي على الاخضر واليابس في منطقة جنوب شرق آسيا خاصة ان الدولتين خاضتا ثلاث حروب منذ انفصال باكستان عن الهند عام 1947م.
وعلى الرغم من توقيع اعلان لاهور عقب زيارة رئيس الوزراء الهندي اتال بيهاري فاجباي لباكستان ووثيقة اجراءات بناء الثقة فيما عرف باسم الدبلوماسية الاوتوبيس الا ان الاحداث الاخيرة كشفت عن ان المنطقة ترقد فوق برميل من البارود يمكن ان يشتعل في اية لحظة وخاصة ان ملف كشمير لايزال ساخنا.
بروز ملامح التعقيد في مشكلة كشمير
ومع استمرار تبادل اطلاق النار بين الهند وباكستان للشهر الثاني على التوالي تظهر ملامح التعقيد الذي تمثله مشكلة كشمير في منظومة العلاقات الهندية الباكستانية ويتضح كم يبلغ عمق المشكلة وكم يتطلب الحل من جهود مضنية لاستئصال بذور الخلاف حتى لا تطرح الارض نيرانا مع كل انتكاسة في العلاقات بين الدولتين الجارتين.
وإذا كان عدد من المحللين العسكريين يرى ان وجود القدرات النووية لدى الدولتين يعد اكبر ضمان لعدم اتساع رقعة الحرب إلا ان ذلك يعني ان الاشتباكات المتفرقة التي تستخدم فيها الاسلحة التقليدية ستطول ويرتفع عدد الضحايا وتتضخم الفاتورة التي لن تستوعبها ميزانية الهند وباكستان المثقلة بديون تمويل التجارب النووية.
الإقليم محصور بين أربع دول
ولعل القراءة المتأنية بملف كشمير المشتعل دائما على خلفية دينية يوضح للمراقب اسباب هذا الاشتعال الدائم حيث تمثل جغرافية الاقليم واقعا مؤسسا للمشكلة إذ ينحصر بين اربع دول هي الهند وباكستان والصين وافغانستان إلا انه يمثل توافقا مع جغرافية باكستان بشكل لا يتوافر للدول الثلاث الاخرى.
وكان اقليم جامو وكشمير تاريخيا مستقلا في اغلب الفترات باستثناء عصور الفوضوية وخاصة في نهاية القرن الثامن عشر والنصف الاول من القرن التاسع عشر عندما تشكلت امبراطورية على ايدي قبائل مايراس والمغول، وأخيرا الامبراطورية البريطانية التي استمرت حتى نهاية الاربعينات وتمتع خلالها الاقليم بحكم ذاتي داخلي.
وعندما دالت دولة الامبراطورية البريطانية في الهند تم تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947 الى دولتين على اساس ديني فأصبحت المناطق الشمالية والشرقية التي تضم اغلبية مسلمة تعرف باسم باكستان تحت حكم محمد علي جناح وبقيت المناطق ذات الاغلبية الهندوسية والسيخية تابعة للهند.
ضم الولايات إلى الهند وباكستان
وقد تم في هذا الاطار ضم كل الولايات التي كانت تخضع للامبراطورية البريطانية في هذه المنطقة الى الهند أو باكستان ما عدا ولايتين هما حيدر اباد وكشمير حيث كانتا من الولايات كبيرة الحجم حيث سيطرت الهند على حيدر اباد عام 1948 حيث كان معظم سكانها من الهندوس بينما بقيت كشمير ذات الاغلبية المسلمة والتي يحكمها حاكم هندوسي مطمعا لكل من الهند وباكستان.
وفي 23 اكتوبر عام 1947 سرت الشائعات عن عزم حاكم كشمير الانضمام للهند فهاجمه رجال القبائل مما أدى إلى تدخل الجيش الهندي الذي سرعان ما احتل الولاية ومكث فيها حتى الآن.
وقد كانت لزعامة نهرو التاريخية دورها في كبح جماح التطرف السياسي حيث حاول الحفاظ على مكانة الهند ودورها الريادي في العالم الثالث وأكد ان ضم الاقليم هو اجراء مؤقت حتى يستتب الامن ويعم السلام.
بعد وقف إطلاق النار عام 1949م
وبعد تنفيذ وقف اطلاق النار بين الدولتين في يناير 1949 أصبح الجزء الشمالي من كشمير يخضع لسيطرة باكستان بينما يخضع باقي الاقليم للهند,, والمثير في الامر ان كل سكان الجزء الواقع تحت سيطرة باكستان من المسلمين وكذلك يدين 60 في المائة من سكان الجزء الواقع تحت سيطرة الهند بالاسلام وهو ما يثير الاغلبية المسلمة ضد الهند التي تسيطر على ثلثي الاقليم.
حرب عام 1965م
وفي اغسطس عام 1965 نشب النزاع المسلح من جديد بين الهند وباكستان بسبب كشمير ايضا وعلى الرغم من تدخل الاتحاد السوفيتي الذي كان قوة عظمى في ذلك الوقت وتوقيع اعلان المبادئ بين رئيس الوزراء الباكستاني ايوب خان ورئيس الوزراء الهندي شاستري في يناير 1966م تحت وصاية اليكس كوسيجين رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي إلا ان النار ظلت مشتعلة تحت الرماد.
وحرب عام 1971م
وفي ديسمبر عام 1971م نشبت الحرب الثالثة بين الهند وباكستان إلا انها لم تكن بسبب كشمير هذه المرة ولكن بسبب انفصال باكستان الشرقية وظهور دولة بنجلاديش,, وكان من نتائج هذه الحرب توقيع اتفاق سيملا عام 1972م بين رئيس الوزراء الباكستاني في ذلك الوقت ذو الفقار علي بوتو ورئيسة وزراء الهند الراحلة انديرا غاندي.
وقد كان اتفاق سيملا من جانب الهند يهدف الى منع باكستان من الاستعانة بطرف ثالث في قضية كشمير خاصة الدول الغربية او تدويل القضية وهذا ما ترفضه الهند,, حيث تخشى حكومة نيودلهي من الاذعان للقرارات الدولية رقم 91 لعام 1951م ورقم 122 لعام 1957 اللذين يؤيدان اجراء استفتاء لتحديد مصير الاقليم.
الهند تخشى الاستفتاء في كشمير
ويرى المراقبون انه على الرغم من امكانية حل مشكلة كشمير عن طريق الاستفتاء إلا ان الهند تخشى ان سمحت بمثل هذا الاجراء ان يكون سابقة تحذو حذوها اقليات اخرى من تلك التي تمثل شبه القارة الهندية وخاصة انه من المؤكد ان تكون نتيجة الاستفتاء اما الاستقلال او الانضمام إلى باكستان المسلمة.
الأرضية النووية الجديدة للنزاع
وإذا كان النزاع الهندي/ الباكستاني قد استمر على مدى خمسة عقود دون التوصل إلى صياغة توفيقية لمصالح البلدين فإن الارضية الجديدة التي يقف عليها البلدان لابد ان تفرض هذه الصياغة، فوجود السلاح النووي في إسلام أباد يضع قيودا على خيارات تصعيد العمليات العسكرية لتتحول الى حرب واسعة النطاق ضد باكستان.
وفي المقابل فإن ذلك التخوف الهندي يدفع باكستان إلى مواصلة دعم المتسللين حتى يطول أمد الحرب مما يلفت نظر العالم الى قضية كشمير المعلقة على اهداب الرغبة الهندية في الاحتفاظ بالاقليم ذي الموقع الاستراتيجي.
ترتيبات اللقاء بين نواز شريف وكلينتون
وفي ضوء الاعلان عن ترتيبات للقاء مرتقب بين الرئيس الامريكي بيل كلينتون ورئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف فإن الرؤية الواقعية للاحداث تقول ان الهند وباكستان قد تخضعان لضغوط دولية لانهاء هذا النزاع التاريخي على ارضية من التفاهم يفرضها انتماؤهما إلى النادي النووي.
ومما يرجح هذا الرأي زيادة التوتر الذي تفرضه وضعية شبه القارة الهندية الحبلى بالتناقضات الاثنية والعرقية والدينية حيث تؤيد الدول الكبرى: الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا اجراء استفتاء لتحديد مستقبل الاقليم باعتباره الطريق الوحيد لانهاء الازمة.
تفعيل مقررات لاهور
ويبقى من المؤكد انه لا يبقى امام الهند وباكستان إلا تفعيل مقررات لاهور واجراءات بناء الثقة المتفق عليها بين الدولتين سيكون بذلك اللبنة الاولى في صرح جديد من العلاقات المعتدلة القائمة على الامن بمفهومه الواسع واغلاق ملف كشمير والكف عن دق طبول الحرب التي من الصعوبة حساب نتائجها هذه المرة، لأن ارض المعركة تظللها هالة من الرعب النووي.
|