يسرني يا صاحب المعالي أن أبارك لكم الثقة الملكية الكريمة بتعيينكم وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية لتكون بذلك على هرم المسؤولية الكبيرة التي يفرضها واقعنا الاقتصادي بشكل عام وواقع سوق العمل السعودي بشكل خاص, ومما لاشك فيه فإن اختياركم لهذا المنصب الهام لم يأت من فراغ إنما جاء متوافقا مع التطلعات الكبيرة لحكومة هذا البلد الكريم التي لخصها خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله في الجد والاجتهاد والاخلاص في العمل من اجل توفير الخدمة اللائقة للمواطن السعودي الكريم, ولعلي لا أستبق الاحداث إن قلت بأنكم بما تملكونه من رصيد علمي وعملي قادرون بإذن الله على تحمل المسؤولية على الوجه الذي يرضي الله سبحانه وتعالى اولا ثم يرضي ولاة الامر يحفظهم الله ويرضي المواطن السعودي المتطلع لوزارة جديدة في ثوب إداري وعملي جديد يتناسب مع أهميتها الكبيرة.
صاحب المعالي وزير العمل والشؤون الاجتماعية لا أعتقد انه يغيب عن أذهانكم العشوائية التي يتصف بها سوق العمل السعودي مما ولد واقعا صعبا وغريبا سيطر فيه وبموجبه العامل الاجنبي على معظم فرص العمل المتاحة حتى أضحى الشاب السعودي يصارع في وطنه على حقه المشروع, كما لا أعتقد انه يغيب عن احساسكم الوطني المحاذير الامنية والاجتماعية والاقتصادية الملازمة لتواجد العمالة الاجنبية بالكثافة الحالية مما يجعل العمل على سعودة فرص العمل امراً حتميا وواجبا وطنيا وهدفا استراتيجيا يجب العمل على تحقيقه, فجميع المؤشرات الاحصائية تشير إلى ضخامة اعداد الجريمة المرتكبة من قبل العمالة الاجنبية بالاضافة إلى الانماط والاشكال المتغيرة والمتجددة لها حيث بلغت نسبة مرتكبي جريمة السرقة من الاجانب حوالي 49% بينما بلغت لجريمة التزوير 55% للعام 1414ه وأعتقد انها في زيادة لعدم وجود مبرر مقنع لافتراض النقصان, ولعلك خير من يقدر التباين الكبير بين عادات وتقاليد ومبادئ مجتمعنا السعودي وتلك الخاصة بالعمالة الاجنبية حيث شاع الكثير من العادات الاجتماعية المكتسبة التي حولت غير اللائق لائقا وغير المقبول مقبولا مما دفع بالكثير الى تتبع الفرص لمحاولة التوسع في الكسب بغض النظر عن مشروعية المنهج والاسلوب, ان التعايش مع بعض العمالة الاجنبية التي جاءت محملة بطموحات كبيرة دفعتها في النهاية الى محاولة الكسب السريع وبطرق ربما تكون غير مشروعة وغير أخلاقية كمحاولة نشر المخدرات وغيرها من الممارسات غير الأخلاقية قد أثر بشكل أو بآخر في سلوك بعض المواطنين الفاقدين للحصانة الدينية والاجتماعية.
صاحب المعالي: لقد أنهكت تحويلات العمالة الاجنبية النقدية كاهل اقتصادنا الوطني حتى اضحت تستنزف ما يقارب ثلث ميزانيتنا السنوية مما اضعف من قدرتنا الاستهلاكية والادخارية والذي بدوره أضعف قدرتنا الاستثمارية مما حد من فرص العمل المتاحة في سوق العمل السعودي, كما أن فقدان هذه المبالغ الطائلة وبالعملة الصعبة يربك السياسة النقدية في البلد ويضعف من موقف عملتنا الوطنية في مواجهة العملات الاجنبية الاخرى.
لقد أدت الزيادة الكبيرة في العمالة الاجنبية إلى زيادة في الانفاق الحكومي خاصة في المجال التعليمي والصحي والأمني, فمزاحمة العمالة الاجنبية واسرهم للمواطن السعودي في الطرق والمستشفيات والمدارس والجامعات وغيرها من مرافق الحياة الضرورية تتطلب التوسع في الانفاق والتوظيف كما ان ارتفاع اعداد العمالة الاجنبية وعشوائية اقامتها يتطلب توظيف اعداد أكبر من رجال الامن للمراقبة والعناية الامنية.
صاحب المعالي : ان التواجد الكبير للعمالة الاجنبية يعرض العملية التنموية للخطر خاصة في ظل التقلبات الاقتصادية والسياسية التي تتعرض لها منطقتنا الاقليمية, لعلنا لا ننسى النزوح الجماعي للعمالة الاجنبية من دولة الكويت الشقيقة بعد تعرضها للغزو العراقي الغاشم ولعلنا لا ننسى الصعوبات الكبيرة التي يواجهها جهاز الجوازات في مطاردته للعمالة المتخلفة والسائبة, أعتقد انك يا معالي الوزير توافقني الرأي بأن التواجد العشوائي للعمالة الاجنبية يضعف القرار السياسي للبلد خاصة عند الرغبة في التخلص السريع من هذه العمالة او من فئة من فئاتها المختلفة.
صاحب المعالي : لا أشك لحظة بأنك تعي المخاطر الكبيرة المترتبة على بقاء الشاب السعودي القادر على العمل والراغب فيه خارج أسوار سوق العمل ولكنني أجدها فرصة لعرض اخطرها على النحو التالي:
1- الخسارة الكبيرة في الناتج القومي المحلي.
2- ارتفاع نسبة الجريمة في المجتمع مما يكلف الدولة الاموال الطائلة لمكافحتها خاصة وأن الجريمة لها آثار متعدية قد تطال الجميع.
3- عجز الاباء العاطلين عن العمل عن تربية ابنائهم وتعليمهم التعليم المناسب مما يخلف جيلا غير قادر على المحافظة على المكتسبات الوطنية.
4- انتشار الانحراف الفكري والاخلاقي بين الفئة العاطلة والذي قد يسبب الكثير من المشاكل السياسية والاخلاقية.
5- ارتفاع نسبة التسرب العلمي بين ابناء العاطلين عن العمل قبل إنها دورة تعليمية كاملة للمساهمة مع الاب في تحمل المسؤولية والذي قد يضاعف من الجريمة والانحراف الاخلاقي والفكري.
كل ذلك قد يؤدي إلى مشاكل سياسية واجتماعية وفكرية واقتصادية عديدة ربما لا نستطيع محاربتها ومكافحتها بعد حدوثها.
صاحب المعالي: اعتقد انك كغيرك من المواطنين تواجه في هذا الصيف وفي كل صيف ضغطا نفسيا رهيبا نتيجة للجهد الذي تبذله لتحقيق فرصة عمل لابنك الذي تخرج للتو من الجامعة او لتأمين مقعد دراسي في جامعة او كلية متخصصة لابنك الذي تخرج حديثا من الثانوية او ما يعادلها, كما أعتقد انك تسمع الكثير من القصص المحزنة التي يتعرض لها بعض شبابنا ولسنوات عدة نتيجة لعدم قدرته على الحصول على فرصة عمل او نتيجة لعدم قدرته على تحقيق نسبة نجاح عالية تمكنه من الحصول على مقعد دراسي في الجامعة مما أبقاهم حبيسي المنزل تحت ضغط النظرة الاجتماعية الرهيبة التي تصنفهم في خانة الكسالى, أين يذهب شبابنا وعماد مستقبلنا إذا كان القطاع الخاص قد أقفل كل الابواب وإذا كان التعليم العام والتعليم المهني والفني لم يؤهلهم التأهيل المناسب وإذا كان الاعلام مقصراً في توعيته لهم وإذا كان المجتمع متحاملا عليهم؟ ألا تعتقد بأن طرق الجريمة والانحراف ستكون هي البديل المتاح الذي ربما لا يجد له بديلا سواه؟
صاحب المعالي: لقد ساهمنا من خلال سياسة الاستقدام المفتوحة في خلق بيئة تنافسية غريبة لا أعتقد ان الشاب السعودي قادر على مواجهتها وبالتالي فإن القصور ليس في الشاب السعودي ولكنه في سياساتنا العمالية والاقتصادية التي عجزت عن تقدير الواقع والتخطيط للمستقبل.
صاحب المعالي : أعد النظر في سياسة مكتب العمل التي تحتاج إلى عناية خاصة لتؤدي الدور المطلوب بدلا من كونها بابا من أبواب الاستقدام المشرعة, يجب ان تكون مركزا للمعلومات المتعلقة بفرص العمل المتاحة في سوق العمل السعودي تساهم في مساعدة معاليكم على صناعة القرار الاداري المناسب, يجب ان تكون لكل شيء يخدم سياسة الاحلال المنشودة بدلا من ان تكون وسيلة مساعدة للحد من تواجد عنصر العمل السعودي, بشكل عام أعد النظر في السياسات المنظمة لسوق العمل حتى يصبح المواطن السعودي في مأمن من المنافسة الشرسة المفروضة عليه في ظل العشوائية الحالية التي يتظلل بها سوق العمل السعودي, أعتقد أنك من خلال وزارة العمل والشؤون الاجتماعية تستطيع ان تقدم الكثير للوطن ولابناء الوطن فجميع الفرص متاحة وأنت أهل لها بعد توفيق الله فهل نرى وزارة عمل جديدة تلامس حاجة المواطن وتعمل على تلبيتها، وهل نرى وزارة عمل جديدة لها وزن اجتماعي فعلي يوازي الوزن الاجتماعي المفترض.
* أستاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الأمنية