المدير يرفض الموظف المبدع,, لماذا؟ يهدد كرسي إدارته,, يخشى الأعباء الجديدة,, يحب التقليدية في العمل الشخص: المدير غير المبدع يعاني من معوقات إدراكية ترفض إبداع موظفيه |
* كتب- المحرر الاداري
يعاني بعض الموظفين المبدعين من عدم ترحيب مديريهم المباشرين بأفكارهم المبدعة,, بل ان بعض المديرين يحاولون قدر الامكان التخلص من هذه النوعية من الموظفين واذا لم يستطيعوا ذلك فانهم يحاولون تشويه صورهم كموظفين امام الادارة العليا في الجهاز وتقديمهم على انهم يتصفون بصفات عكس حقيقتهم.
فلماذا يفعل بعض المديرين ذلك؟!
لاشك ان هناك اسباباً سلوكية وثقافية وادراكية ونفسية ايضاً تقف خلف تلك التصرفات.
وللوقوف على التفسير العلمي لحالة المدير الذي يخشى ابداع موظفيه ويعتبرها تهديداً لكرسي الادارة الذي يجلس عليه فقد توجهنا لأحد ذوي الاختصاص في السلوك الاداري وهو الاستاذ اديب الشخص عضو هيئة التدريب بمعهد الادارة بالرياض, فقال:
مما لاشك فيه ان طبيعة العلاقة بين الرئيس والمرؤوس في مختلف منظمات العمل في هذا العصر تلعب دوراً جوهرياً مهماً تنعكس نتائجها ايجاباً او سلباً على فعالية تلك المنظمات لما للجوانب الاجتماعية والنفسية من تأثير مباشر على مستوى الانتاجية فيها كما ونوعاً فباعتبار ان المنظمات تتكون من وحدات واقسام وادارات مترابطة ترابطاً عضوياً وثيقاً تدار بواسطة افراد فهي تشكل مجتمعاً مصغراً يربط بين افراده علاقات رسمية تحددها الانظمة واللوائح وعلاقات غير رسمية تعتمد على ابعاد شخصية متعددة كالقيم المشتركة والمصالح الذاتية والرغبات الخاصة بالافراد.
وفي خضم هذه المعطيات التنظيمية والانسانية اللامحدودة يبرز دور العلاقة بين الرئيس والمرؤوس كعامل دفع للعمل في مناخ صحي ملائم يحتضن تعددية الآراء المتباينة ويشجع الابداع والتنافس الشريف ويقيم الافكار بناء على مدى مساهمتها في حل مشكلة معينة او اضافة لبنة جديدة في طريق التطور لا بناء على علاقات شخصية او ولاء مطلق للرئيس, وعلى النقيض من ذلك قد يبرز دور العلاقة بين الرئيس والمرؤوس كعامل احباط يهيىء جواً من التوتر النفسي ويدعم روح الانهزامية والركود الفكري وانعدام الابتكار لدى الموظفين.
والعلاقة بين الرئيس والمرؤوس علاقة جدلية غير ثابتة اي ان كلاً منهما يعمل على التأثير في سلوك الآخر بوعي او بدون وعي بغض النظر عن مستواهما الوظيفي، خلافاً للمفهوم السائد بأن سلوك المرؤوسين يعتمد على سلوك رئيسهم, ويشكو بعض الموظفين وخصوصا المبدعين منهم من ان علاقتهم برؤسائهم علاقة السيد بالمسود ويجب الاذعان لجميع اوامرهم والانصياع لرغباتهم وذلك خوفاً من اتخاذ اجراءات نظامية تعسفية ضدهم او سوء التعامل معهم ان هم حادوا عن المسار المرسوم لهم من قبل اولئك الرؤساء او ان اختلفوا معهم في رأي حتى وان كان هذا الرأي يتضمن حلاً ابداعياً لمشلكة ما او اسلوبا ابتكاريا من شأنه ان يسهل الاجراءات او يطورها دون الاخلال بنظام او تعليمات معينة ما دام ذلك لم يصدر منهم.
ولكن لماذا يا ترى يرفض بعض الرؤساء الافكار الابداعية ويحاولون طمس ما يتفتق عن اذهان بعض مرؤوسيهم من افكار بناءة ويئدونها بطرق شتى؟ الاجابة على هذا السؤال تتطلب تحليلاً نفسياً واجتماعياً شاملاً لشخصيات هؤلاء مع الاخذ في الاعتبار القيم الاجتماعية السائدة بمجملها والثقافة التنظيمية التي يعملون في اطارها بكل مكوناتها ومعطياتها وعناصرها المتداخلة.
انما نستطيع القول وببساطة متناهية ان لذلك عدة اسباب منها ان الرئيس ذاته قد لا يتمتع بصفة الابداع بل يميل بطبعه الى اختيار الحل الاول الذي يطرأ على ذهنه وينفذه دون عناء البحث عن حلول اخرى لأن ذلك يتطلب جهداً عقلياً لا يرغب بذله والولوج في تعقيداته، فان كان الرئيس من هذا النمط اللامبدع فهو يعاني من معوقات طبيعية تحجب عنه الرؤية من زوايا مختلفة وتمنعه من قبول افكار مرؤوسيه ومقترحاتهم فبداءة هو يعاني من معوقات ادراكية وهذه تشمل الالحاح على سماع ما يتوقع ان يسمعه من مرؤوسه وعدم قدرته على تجزئة المشكلات وتحليلها والنزعة الى تأطير تفكيره بنفسه في اطار محدد لا يستطيع الخروج عنه والافلات عن حدوده ليس بسبب عدم رغبته في ذلك انما لمحدودية سعة ادراكه وقلة تدربه على التفكير الابداعي خلال مسيرته العملية مما جعله عاجزاً عن كسر الحواجز الذهنية التي قوقع ذاته بداخلها وبنى شرنقة حول رحاب تفكيره.
والتفكير الابداعي لا يأتي نتيجة لعوامل فطرية بحتة فقط، بل يمكن ان يكتسب من خلال التدرب ويصبح مهارة تضاف الى المهارات الاخرى الضرورية التي يجب ان يتحلى بها الرئيس, فالرسامون مثلاً يدربون على النظر الى الاشياء من اتجاهات مختلفة لينتبهوا الى تأثير سقوط الضوء عليها وتشكل الظلال على سطوحها ,ومن بين المعوقات الادراكية التي تعيق هذا النمط من الرؤساء عن تقبل الافكار الابداعية عدم تدربهم على استغلال جميع مدركاتهم الحسية كالسمع والبصر.
وثانياً ربما يعاني هؤلاء من معوقات انفعالية كالخوف من تحمل المسؤولية وعدم القدرة على تحمل الغموض وتفضيلهم لإصدار الاحكام على الافكار بدلاً من توليدها بالاضافة الى عدم استطاعتهم تخزين الافكار وتخميرها في اذهانهم لفترة طويلة للتأمل فيها.
وثالثا المعوقات الاجتماعية وهذه جلية حيث تعمل بعض عادات المجتمع وأنماطه السلوكية على التأثير على شخصية الرئيس وتوجيه سلوكه وجهة محددة تاركة مساحة ضيقة لحرية الابداع لديه وهو بدوره يمارس نفس الشيء مع المبدعين من مرؤوسيه.
ورابعاً قد لا يكون الرئيس مؤهلاً اصلاً للمنصب الذي يتقلده فربما يتطلب هذا المنصب مؤهلات دراسية معينة لم يحصل عليها او خبرات عملية محددة لم يمر بها او صفات قيادية فطرية ومهارات ادارية لم يكتسبها مما يسبب له الشعور بالنقص فيلجأ الى استخدام سلطاته النظامية لمحاولة التعويض برفض اي رأي لم يكن نابعاً منه والتفرد باتخاذ القرار خاصة عندما يكون فهم الرأي الآخر يستلزم خلفية معرفية معينة او معلومات لا يمتلكها.
ومع هذا كله هل الموظف المبدع يشكل بالفعل تهديداً لرئيسه؟ ليس بالضرورة بل على النقيض من ذلك فقد يكون المرؤوس عوناً لرئيسه وعنصراً فاعلاً في زيادة الانتاجية وتطور القسم او الادارة التي يعمل بها اذا ما اتيحت له الفرصة للتعبير عن آرائه وطرح الحلول والبدائل من وجهة نظره خاصة في الامور المتعلقه مباشرة بعمله الفعلي والتي يمارسها بشكل يومي ويرصد خباياها ويعاني من مشكلاتها عن كثب, فالموظف المبدع لا يشكل تهديداً لرئيسه ان هو ترك له هامشاً من الحرية في المشاركة في اتخاذ القرار وسعى الرئيس الى تفجير الطاقات الكامنة لديه وامتدحه من وقت لآخر لإعطائه شحنة من الثقة بالنفس فسيؤدي ذلك الى اطراد دافعية العمل لديه والتفاني في بذل الجهود المستمرة وتقديم افضل ما يمكن ان يقدمه حتى وان كان الهدف النهائي وراء ذلك اثبات ذاته ان كان ما يقوم به يصب في النهاية في صالح العمل.
ويتساءل بعض الموظفين في حيرة ما عسانا ان نفعل للتكيف مع الرؤساء الذين يكنون العداء لكل فكرة خلاقة وكل رأي يحمل بين طياته بصيصاً من نور لا تستشعره مداركهم؟ ارجو ألا يغيب عن ذهن الموظفين ان الرؤساء بشر ايضاً لديهم حاجات نفسية لابد من اشباعها والتعامل معها بحذق وكياسة والاخذ في الاعتبار الانماط المختلفة للرؤساء واختيار الاسلوب المناسب للتعامل مع كل نمط من هذه الانماط.
وهناك اساسيات عامة ضرورية للتعامل معها جميعاً منها:
* اختيار الوقت المناسب لطرح الفكره او الاقتراح.
* طرح الفكرة بأسلوب غير هجومي.
* اشراك الرئيس في الفكرة حتى لو لم يكن قد شارك في توليدها كأن يقول الموظف لرئيسه لقد نبهتني الى فكرة عمل كذا, او ان يقول ذكرت ذات مرة ان نقوم بعمل كذا وكانت هذه فكرة رائعة فماذا لو فعلنا ايضاً كذا؟
فباستخدام هذه الاساليب وأساليب اخرى مشابهة من حيث تلبية بعض الحاجات النفسية لدى الرئيس يستطيع المرؤوس التأثير في سلوك رئيسه والتقليل من عدم تقبله لآرائه ومقترحاته لتفادي شعور الرئيس بالتهديد والنقص.
سعيد القحطاني- اخصائي جودة ومشرف قسم الحاسب الآلي بمستشفى اليمامة تحدث عن موضوع العلاقة بين المدير ومرءوسيه المبدعين وخشيته منهم فقال:
في الحقيقة الوقوف في وجه المبدع من قبل مديره المباشر قضية تحتاج الى الدراسة ومعرفة الاسباب ومحاولة علاجها ومن وجهة نظري فقد تكون الاسباب شخصية ومنها:
- عدم حصول المدير على المؤهلات الكافية ووجود شخص مبدع يعتقد انه ربما يحل مكانه!!
- كثرة الاحراجات التي تواجه المدير من قبل الموظف المبدع وخصوصا اثناء المناقشة حيث ان ضعف ثقافة بعض المديرين تعيقه من ذلك.
- يعتقد المدير بأن صفة الابداع غير موجودة في القطاع الحكومي ويحتاجها القطاع الربحي الخاص .
- عدم قدرة المدير على ايصال فكرة الموظف المبدع الى الادارة العليا وبالتالي يرفضها من البداية حتى لا يدخل في متاهات.
وهناك اسباب عملية لها علاقة بالعمل منها:
- يعتقد رئيس القسم بأن الافكار الابداعية تزيد حجم العمل وتسبب مشاكل عديدة.
- يتوقع ان الفكرة الابداعية تتطلب تكاليف مالية لتنفيذها.
- يخشى المدير من وصول فكرة الموظف المبدع الى الادارة العليا ومعرفتها بالمصدر الرئيسي الموظف وبالتالي تقل اهمية المدير امام الادارة العليا وتهتز شخصيته وبحكم انني رئيس قسم ولكي اشجع الموظفين على الابداع والابتكار فقد تم وضع جائزة تحت مسمى موظف الشهر وربما تكون مادية او معنوية لمن يحصل عليها ويتم وضع معايير واسس تطبق على جميع العاملين بالقسم ومن يحصل على اعلى الدرجات يكون هو موظف الشهر اضف الى ذلك انني طلبت من موظفي القسم عدم التردد في طرح فكرة حتى لو يراها صغيرة فربما تناقش في الاجتماع الاسبوعي وتصبح فكرة ابداعية واذا طبقت وتم لها النجاح فهناك جائزة تنتظر صاحبها واقرب مثال على جائزة موظف الشهر هو ان من يحصل عليها تكون له الاولوية في حضور الندوات والمؤتمرات وايضا الدورات التدريبية خارج او داخل المستشفى ونتيجة لما سبق وجدت ان موظفي القسم لديهم الاصرار الكامل تجاه ذلك واود ان اشيد بدور الادارة العليا وعلى رأسها مدير المستشفى الدكتور محمد الغريميل الذي دعمنا ماديا ومعنويا من اجل تطوير القسم والحفاظ على المبدعين.
وللتعرف على مواقف بعض الذين تعرضوا لمثل تلك الحالات من الموظفين فقد التقينا اولاً ب الموظف احمد اليحيى الذي اكد تعرضه شخصياً لهذا الموقف اذ ان مديره في العمل كان يحاول بشتى الوسائل والطرق تهميش كل موظفي الادارة ويحاول ان يكون دورهم تنفيذياً بحتاً وفقاً لما يمليه من اوامر وتوجيهات فهو لا يرحب بأي فكرة او اقتراح يقدمهما اي موظف وقد نما الى علمنا انا وزملائي في الادارة من بعض زملائنا في الادارات الاخرى بحكم العلاقة التي تربطنا ان مديرنا نقل صورة سيئة عنا الى الادارة العليا باننا غير منتجين وغير مبدعين واتهمنا باننا سبب تعثر الكثير من اعمال الادارة بسبب محدودية قدراتنا وامكاناتنا وبصراحة بعد ان عرفت هذه الحقيقة المرة عن مديرنا وانه وضعني وزملائي في الادارة كبش فداء لفشله كمدير قدمت فوراً طلباً بالنقل من ادارته وبالفعل استطعت التخلص منه ومن اساليبه الادارية السيئة والتحقت بادارة اخرى استطعت من خلالها ان اقدم افكاراً ومبادرات في اسلوب وطريقة العمل نالت رضا واستحسان مديري الجديد بل انني ضاعفت جهدي اكثر واكثر لابعد تلك التهمة التي الصقها بي وبزملائي مديرنا السابق باننا محدودو العطاء والامكانات وغير مبدعين.
واذا كنت انا قد نجحت في ذلك فاني اتحسر على وضع زملائي في الادارة السابقة الذين لازالت تهمة التقصير والضعف تلاحقهم, وكان الله في عونهم.
مشاري الغنام موظف تسويق في شركة قال بأنه فوجىء ان المدير العام في الشركة يستدعيه ليناقشه بشكل شخصي في تقرير سري رفعه اليه مدير ادارة التسويق يتضمن طلباً بدعم الادارة بموظفين أكفأ نظراً لعدم قدرة الموظفين الحاليين على الوفاء بمتطلبات عملهم كما يجب ولان المدير العام يعرفني جيداًخصوصاً وانني احمل مؤهلاً جامعياً في التسويق من احدى الجامعات الامريكية فقد اراد المدير العام ان يتأكد بنفسه عن حقيقة الوضع في الادارة وماهي المشاكل التي تعاني منها ولماذا انتاجيتها محدودة.
وحقيقة فقد فوجئت بذلك التقرير السري الذي كتبه مديري المباشر الذي كان دائماً يثني على عملنا وعلى قدراتنا انا وزملائي ويؤكد لنا ان المشاكل والعقبات التي نعاني منها في الادارة يعود سببها الى الادارة العليا في الشركة التي لا تتساعد معنا ولا توفر لنا الامكانيات اللازمة لنؤدي عملنا كما يجب.
وذكرت للمدير العام كل ذلك ولم يكتف بما قدمته له من معلومات فقد استدعى بقية زملائي في الادارة واستمع منهم لحقيقة ما يحدث في الادارة, واصبحت الصورة واضحة تماماً واضحى امام خيارين اما ان يغير طاقم موظفي الادارة البالغ عددهم ستة موظفين ويأتي بآخرين بدلاء عنهم او ان يغير مدير الادارة ليعرف اين الخلل ومن هو المسؤول عنه وكان خيار تغيير شخص واحد وهو المدير افضل من خيار تغيير ستة اشخاص, وبالفعل تغير المدير فتغير الحال في الادارة واصبحت من افضل وانجح الادارات في الشركة.
|
|
|