Monday 28th June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأثنين 14 ربيع الاول


التشكيلات الوزارية والقيادية الجديدة,.
صياغة عصرية واقعية لمسار الحكم والإدارة

تحليل إداري أعده :د, ثامر المطيري
لا شك ان القرارات او الاوامر الملكية التي صدرت مؤخرا 2 ربيع الاول 1420ه بشأن التشكيلات الوزارية والقيادية للاربع سنوات القادمة جاءت لتؤكد متانة البناء المؤسساتي في المملكة وديناميكية النظام السياسي والتزامه بالقواعد النظامية والتنظيمية المحكمة لعملية التغير في جوانبها الموضوعية والزمنية لقد جاء التشكيل في وقته وموعده حتى وان اتسم بالتغيير المحدود وليس الشامل,, مما يؤكد على المصداقية السياسية ووضوح المنهجية وسلامة الثوابت الوطنية وهذه بذاتها تمثل نجاحات ثرية للوطن والمواطن.
وبنظرة تحليلية تنظيمية لعملية اعادة التشكيل نجد انها جاءت في مجملها متوازنة مع التوقعات الى حد كبير,, اخذا في الاعتبار الظروف المحيطة بالمملكة على كافة الصعد السياسية والاقتصادية المحلية والاقليمية والعالمية,,, هذه الظروف المتمثلة بشكل رئيسي في مد جسور الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع العديد من الدول المهمة والتي كانت محصلة خير للزيارات الخارجية التي قام بها سمو ولي العهد الى عدد كبير من الدول الاسيوية والاوروبية والامريكية والافريقية,, وبالتالي فان احتياجات المرحلة القادمة تتطلب من الوزارات والمؤسسات الادارية في الدولة كل فيما يخصه المتابعة الفعلية لنتائج هذه الزيارات وتنفيذ مقرراتها على النحو الذي يكفل تحقيق الاهداف والمصالح الوطنية، هذا بالاضافة الى ان الاوضاع الداخلية للمملكة في حالة مراجعة وتعديلات جوهرية على أنظمتها الادارية والمالية والاقتصادية والتشريعية لتواكب المستجدات والمتغيرات والتحديات التي تفرضها وتتسم بها آليات واحداث المنظومة العالمية الجديدة.
من هنا فان هذا المسار الاداري - السياسي لعملية التشكيل الوزاري والقيادي لاجهزة الدولة يدلل بجلاء على الفطنة والحكمة وبعد النظر وحنكة السياسة لدى القيادة الوطنية العليا التي ما فتئت تسعى جاهدة لخير هذا البلد وعزه ونمائه, وهو امر لا يغرب عن البال لحظة بدليل الرغبة المتواصلة في التطوير والتحديث وتعزيز قدرات الوطن واكساب المواطنين المهارات اللازمة لتولي زمام الامور والاتجاه المسحوب نحو بناء وبقاء مجتمع آمن عامل متجانس، وهذا بلا ريب يعني ان القيادة ارادت ان تضع المواطن جنبا الى جنب معها في تحمله للمسؤولية وادائه للواجبات وليكون بذلك - فعلا - في دائرة المسؤولية الحقة المنوطة به.
ان هذا التشكيل الجديد - كما كان السابق له - جاء حتما تتمة للمراحل التنموية التي مر بها الوطن وعاشها بمختلف نتائجها وصاغها وفق رؤاه وقيمه واخلاقياته، وهو ايضا تثبيت وتأصيل لمسيرة الحياة السعودية واتجاهاتها الداخلية والخارجية وتحديث لاسلوب العمل وتفاعلاته وتجديد لخلايا الاداء داخل المؤسسات وضخ الحياة فيها مرة تلو الاخرى لتكون اكثر مواكبة للمستجدات بما يعود بالنفع العميم على الوطن والمواطنين وهو ما يحرص خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده على تحقيقه والتأكيد عليه بالقول والفعل في اكثر من مناسبة وفرصة.
ومن الناحية الموضوعية فان خطوة التشكيل الوزاري والقيادي كديناميكية مستمرة تمثل اطارا ومنطلقا لصياغة ادارية افضل,, تضع البلاد على طريق دولة المؤسسات الراسخة القائمة على تنظيم مدروس يحدد المسؤوليات والصلاحيات ويرسم الهياكل والبناءات لاجهزة الدولة الادارية والتنفيذية بكثير من التأني والروية والبصيرة, اننا بذلك نسعى لان نتفادى ونتجنب الممارسات القيادية (الطائشة) الظاهرة في البيئات الادارية للعديد من الدول,, والتي نجد فيها هذه الممارسات اما انها متسمة بالجمود والتكلس,, فتحرم البلاد من روافدها الشابة المتحمسة للعطاء، وتصيبها بالاحباط,, وتحرمها من خبرات الرعيل الاول واما ان نجدها متسمة بالتغير الدراماتيكي السريع الذي يثير البلبلة ويقضي على مناخ الاستقرار اللازم للانجاز.
لقد تكشف للمحللين حينما اصدرت الدولة في الاعوام القليلة الماضية (النظام الاساسي للحكم ونظام مجلس الوزراء ونظام الشورى ونظام المناطق,, وما تلا كل ذلك من تشكيلات ادارية متعددة) ان المملكة بدأت بالفعل بارساء الدعائم لدولة قوية حديثة بكل المقاييس وهذا اتجاه يتناسب بطبيعته مع مسار انجازات هذه الدولة الفتية والخطوات الوثابة التي قطعتها في بضع سنوات على طريق التحديث والتنمية كما يتناسب ايضا ودور المملكة الفاعل والمتزايد في محيطها العربي والاسلامي والدولي, انها قفزة تحضرية تنموية شاملة,, وكان لابد ان يلازمها بناءات ادارية وتنظيمية حديثة وقادرة على مواكبة التطورات العصرية واحتياجات البلاد وشعبها المستقبلية.
اذا هذا المسار الاداري - السياسي بأنظمته الجديدة وتشكيلاته يعد تصورا شموليا لاجهزة الدولة الحديثة ورؤية مستقبلية ثاقبة تتجاوز كثيرا ما دار في اذهان المراقبين والمحللين, لقد تميز ولاة الامر في هذه البلاد حفظهم الله عبر حياتهم العملية الحافلة بالمسؤوليات الجسيمة والانجازات العظيمة بالقدرة على تفهم احتياجات الشعب وتحسس متطلباته بل وكثيرا ما تسبق استجابتهم مجرد التعبير عن هذه الاحتياجات ولذا فليس مستغربا لقادة او ولاة بمثل هذه المواصفات ان تأتي تصوراتهم بشأن البناء السياسي الاداري للبلاد بمثل هذه الشمولية والحكمة والتجرد.
ان مهمة تأسيس هياكل دولة حديثة ووضع نظمها ولوائحها وتشكيلاتها الادارية والقيادية مهمة عسيرة وشاقة وتترتب عليها نتائج مهمة للغاية بالنسبة للاجيال القادمة، ومثل هذه النقلة الادارية الشاملة تصبح اكثر صعوبة في مجتمع نام اذا اخذنا في الاعتبار الاضطرابات الاجتماعية الخطيرة التي عصفت بكثير من تجارب الاصلاح السياسي والاداري في العالم.
وفي مجتمعنا السعودي بمميزاته وسماته الخاصة كان لابد ان يتصدى لهذه المهمة ولاة امر من المعيار الثقيل ولاة اتشربوا قيم شعبهم وواكبوا تطور تجربته السياسية وعايشوا همومها وتفاعلوا مع انجازاتها وادركوا بلبهم وحصافتهم مصادر قوة هذه التجربة المتفردة والمزالق التي يكمن فيها الخطر.
ومن هنا كان لزاما ان تأتي تصورات ولاة امرنا الحكماء متميزة بكثير من الاصالة والخصوصية,, فلم يكن مطلوبا ولا مرغوبا ان نستورد تجربة معلبة من الخارج مهما علا صوت انصارها في الغرب والشرق لنكتشف اننا زرعنا جسما غريبا ومشوها في بيئة لها مكوناتها الدينية والثقافية والاجتماعية الخاصة وارثها الحضاري العريق ولم يكن مطلوبا ولا مرغوبا ان نتأخر اكثر مما يجب عن ركب التطور الحضاري الانساني من حولنا بشكل ينطوي على مخاطر حدوث صدمات او هزات اجتماعية على المستوى البعيد.
وبمعنى آخر كان قدر قيادتنا الوطنية العليا ان تسير على خيط رفيع يضمن للبلاد استقرارها الفريد وانطلاقتها الحضارية العملاقة ويفتح امام ابناء الشعب ابواب المشاركة في المسؤولية الوطنية وفي الوقت نفسه يحمي المنجزات والمكتسبات الوطنية من اي انتكاسة او (خضة) مربكة بسبب الافراط في جرعة تغيير لا تتناسب مع طبيعة المجتمع المحلي وقيمه الموروثة.
هذه المعادلة الحساسة اخذت من وقت قيادتنا السياسية وجهدها الكثير,, فالقضية ليست مسألة قرارات متعجلة او خطوات مرتجلة قد تترتب عليها نتائج سلبية كما تشهد بذلك الاحداث والاضطرابات في كثير من الدول من حولنا,, والقضية لم تكن في منظور القيادة الشمولي معالجة وقتية لوضع آني او استجابة محدودة لتطورات بعينها,, القضية - كما ظهر الان من نطاق الاصلاحات والتشكيلات الادارية والخطط المستقبلية التي تضمنتها الاوامر الملكية الاخيرة,, وما سبقها من اوامر في السنوات القليلة الماضية - كانت في تصور القيادة ببعد نظرها مسألة ارساء الدعائم لدولة عصرية حديثة بكل هياكلها وأنظمتها واجهزتها التنفيذية والادارية,, وتحديد خيارات المستقبل الاساسية التي يمكن بعد ذلك تطويرها وملاءمتها حسب مقتضيات الحاجة والظروف.
وان المطلوب الان ان نقدم للعالم تجربة ادارية سعودية ناجحة ونموذجا اصيلا للتطور السياسي - الاداري - الاجتماعي - الاقتصادي,, تجربة وطنية تقوم على منهجية التلاحم بين القيادة والشعب والتعاون المشترك في بناء السلطة، وتقدير العمل والمسؤولية ورصانة التعامل مع الاحداث والتطورات الداخلية والخارجية وتنأى عن مزالق الخطر والممارسات السلبية التي شهدتها دول عدة وكانت نتائجها زرع الانقسامات والفتن واثارة الفوضى,, ان تجربتنا السياسية - الادارية الوطنية ينبغي ان تكون مرآة عاكسة لوقار مجتمعنا الكريم المسلم، ومجسدة لرصانة سياسات بلادنا المتعلقة المتوازنة والتي تقف على الارض شاهدة على النجاح والتفرد.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الادارة والمجتمع
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
الطبية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved