تحت هذا العنوان صدر للدكتور محمد أحمد النابلسي كتاب عن دار النهضة العربية ببيروت, يقع الكتاب في 375 صفحة من القطع الوسط, ويهتم عبر فصوله العشرة بمعالجة المعاناة العربية والإسلامية في الراهن السياسي العالمي, ففي عرضه للمستقبليات يناقش المؤلف مقولة صدام الحضارات فيرى أن الإسلام قد اختير ليكون عدوا حضاريا دون استشارته, فقد توقعه أحد المستقبليين في هذا الموقع فإذا بالتوقع يتحول إلى تاريخ معكوس بحيث يغير الحاضر ويوجهه باتجاه العداء للإسلام بما يدفع الإسلام إلى موقع العدو ويكاد يجبره على قبول هذا الموقع, ولعل طارح فرضية الصدام جاهل تسامح الإسلام عبر التاريخ مع الآخر واحترامه لحقوقه وعقده للمواثيق معه.
ولعل القراءة المتعمقة للكتاب تبين أن النابلسي يرى في هذه المقولة، وفي كثيرة غيرها شبيهة، شائعات مجردة مدروسة.
فلو عدنا قليلا إلى الوراء، قبل صدور هذه الفرضية، لوجدنا انتشار ما سمي بالإسلاموفوبيا (أي الذعر من الإسلام) علما بأن الإسلام لم يثر الذعر منذ ظهوره إلى انهيار الشيوعية.
ولما انهارت هذه الأخيرة تحول الخوف منها إلى خوف من الإسلام وكأن الخوف حاجة لابد من الاستجابة لها.
أما في سياق الحديث عن الصراع العربي - الإسرائيلي فإن المؤلف يرى استحالة تخلي اليهود عن أساطيرهم ويعطي الأمثلة على موانع هذا التخلي وهي:
1- أن إسرائيل دولة بدون تاريخ، فهي قد فقدت صلتها مع التاريخ منذ خراب الهيكل في العام 70 الميلادي إلى انشاء أول مستعمرة يهودية في بدايات القرن العشرين, أي أن هناك قطيعة امتدت قرابة الألفي عام, ومن هنا تمسك اسرائيل بأساطيرها بسبب انعدام تاريخيتها.
2- إذا تخلت اسرائيل عن أسطورة أرض الميعاد فإنها تعترف بعدم أحقيتها بالأرض العربية.
3- إذا تخلت اسرائيل عن أسطورة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض فإن ذلك يعني اعترافها بأنها دولة استعمارية.
4- إذا تخلت اسرائيل عن أسطورة القبائل العشر الضائعة فإن ذلك يعني الاعتراف بأن يهود الاشكيناز هم من المتهودين الذين لا علاقة لهم بالأرض العربية.
5- إذا تخلت إسرائيل عن أسطورة شعب الله المختار فإنها ستضطر للتعايش مع الأغيار (غير اليهود) بما يعني امكانية ذوبانها في المحيط, كما تخشى ذوبان يهود الشتات في المجتمعات الغربية.
وهكذا واحدة بعد الأخرى تعجز اسرائيل عن التخلي عن أية أسطورة من أساطيرها, لذلك نجدها تلجأ إلى اخفاء المخطوطات التاريخية وبخاصة (مخطوطات البحر الميت) لكي تحافظ على أساطيرها.
ويلمح النابلسي إلى أن الطريقة الوحيدة لإقناع اليهود بالتخلي عن أساطيرهم هو انخفاض المعونات المقدمة إليهم بحيث يصبح دخل الفرد منهم موازيا لدخل الفرد في إحدى الدول العربية المحيطة بإسرائيل, وعندها فقط سنجد أن اليهودي سيتخلى عن أرض ميعاده وعن غيرها من الأساطير ويهاجر إلى بلد أغنى يحقق له دخلا أفضل! ويقول المؤلف إن هذا الاختيار هو الذي يساعد على التفريق بين أصحاب الأرض والعقيدة وبين معتنقي الأساطير.
وعليه يرى النابلسي أن الصراع مع اسرائيل ليس صراعا عسكريا بل هو صراع على أصعدة أخرى أهمها:
1- الصعيد التاريخي - الانتروبولوجي: الذي يكشف أساطير اليهود وزيف ادعاءاتهم.
2- الصعيد الاقتصادي - حيث تمسكهم بالأرض يزول مع زوال الوفرة الاقتصادية في بلادهم.
3- الصعيد الإنساني - حيث يخشى اليهود من الانفتاح النهائي لذلك يرهبون السلام ويهربون منه بحجج وتسويفات معقدة, وهو يذكر بموقف اسرائيل بعد طرح مشروع الملك فهد للسلام العام 1981م حيث كاد هذا الطرح يفقدها توزيعها, وأخيراً اهتدت إلى طريقة لقلب الطاولة على الجميع فلجأت إلى اجتياح لبنان للفرار من هذا المشروع, ويعدد النابلسي عروض السلام العربية ومنها: مصر (في الاعوام 70 و71 و77) ودول المواجهة (في العامين 76 و77) ومنظمة التحرير (في العامين 74 و77) ومشروع الملك فهد (1981م) ومقررات قمة فاس (1982م).
ويخلص النابلسي إلى أن اسرائيل دولة رافضة للسلام ومرعوبة منه لأنه يهدد أساطيرها, إذ يرى المؤلف أن إنشاء دولة إسرائيل لم يكن إلا محاولة يهودية للتمرد النرجسي على صورة اليهودي التائه منذ خراب الهيكل في العام 70 الميلادي, إضافة إلى كونه محاولة للتوحد بالمعتدي النازي الذي كرس إذلال اليهودي التائه وهامشيته, وعليه الشخصية الإسرائيلية هي شخصية ضلالية تنظر للآخر وتتعامل معه وفق ضلالاتها الخاصة, فهي تكره الآخر (أي الأغيار - غير اليهود) وتستغله وتحاول استعباده وتسخيره لخدمتها, ثم تنسب تصرفاتها ومشاعرها هذه لآخر فتعيش ضلالة اللاسامية - أو كره الآخر لليهود , وبحسب هذه الضلالة يصبح الانتقام حقا من حقوقها, بما يدفعها لممارسة الارهاب تحت أسماء وقاية الذات والدفاع عن النفس وغيرها من الأضاليل الهذيانية المريضة.
ويتوقف المؤلف عند رغبة إسرائيل المريضة في إحداث الفوضى الديموغرافية في أي مكان من العالم, وكأنها تشعر بالأمان في الغيتو اليهودي وتعد كل ما يقع خارجه عدوا لها, لذلك يرفض النابلسي تبرئة اسرائيل من أية فوضى ديموغرافية تحدث في العالم وخصوصا فيما يسمى اليوم بموضوع الأقليات .
كما يناقش الكتاب مواضيع العولمة والنظام العالمي الجديد وآثارهما على الهوية العربية - الإسلامية وعلى الوفرة الاقتصادية في المنطقة, حيث يرى فيهما تهديدا للعمق الاستراتيجي - الاقتصادي للعالم الإسلامي.
يقع الكتاب في 375 صفحة من القطع الكبير, وهو صادر عن دار النهضة العربية في بيروت.
د, عبدالفتاح دويدار
أستاذ علم النفس -جامعة الإسكندرية