Monday 28th June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأثنين 14 ربيع الاول


دقات الثواني
علي الطنطاوي,, مات ولم يمت

علي الطنطاوي مات قبل وفاته يوم الجمعة 4/3/1420ه وذلك حين اقعدته الشيخوخة عن العمل والقراءة اللذين كان يشكو من إرهاقهما وقد عبر عن ذلك في آخر مقابلة معه في جريدة المدينة يوم 18/12/1419ه حينما سئل هل تحس بفراغ فقال: (نعم، لقد جربت الإرهاق والبطالة، فوجدت أصعب شيء عبر الإنسان في هذه الحياة هو البطالة، فهي للأسف فراغ كبير جدا يؤدي الى الملل والضجر).
لقد كان الطنطاوي انطوائيا بالرغم مما يبدو عليه من بشاشة في التلفاز وكان لذلك أسباب ذكرها في مقابلته السابقة فقال: (كنت أهرب من الناس والآن اتمنى رؤيتهم باستمرار,, لم يكن لدي وقت آنذاك لمقابلة الناس حيث اقضي يومي بالنظر في ثلاثين قضية في المحكمة الى جانب أعمال مجلس الأوقاف وشؤون الأيتام والبحث بين الكتب والمراجع، اضافة الى كتابة المقالات في الصحف والتسجيل للإذاعة).
لقد مات علي الطنطاوي يوم عزلته الشيخوخة فأحس بالبطالة ولكنه لم يمت حتى بعد موته: لأنه ترك من الآثار المكتوبة والمسموعة والمصورة ما سيجلعه خالدا في صفحات (رجال من الماضي) فذلك عمره الثاني كما قال شوقي:
فأرفع لنفسك بعد موتك ذكرها
فالذكر للإنسان عمر ثانٍ
ومن يريد ان يكتب عنه في سطور سيصاب بالحيرة من أين يبدأ وأين ينتهي فحياته حياة حافلة بالعطاء وكل جانب منها يحتاج الى مقال والوقت وقت بكاء وعواطف على الفراق وذكر محاسن المفارق لازمت دراسة من شأنها التوسع وفاء بحقوق العلماء.
كان الفقيد غزير العطاء قبل ان تظله سماء بلادنا ولكنه كان مثمر العطاء في بلادنا لأنه وجد الجو الملائم لعطاء، كان خطيبا ومؤلفا وكاتبا في أشهر المجلات كالرسالة المصرية ولكن ذلك لم يعط الثمار التي كان يتطلع اليها كما اثمرت برامج (مسائل ومشكلات) و(نور وهداية) و(على مائدة الأفطار) وقد اعترف بذلك في أكثر من حلقة من حلقات برامجه مصرحا بأن المجال الذي فتح له للدعوة من خلال أجهزة إعلامنا جعله يجد المنبر الفعال الذي كان بحث عنه.
جمع الطنطاوي بين التمكّن من فنون الأدب العربي وعلوم الدين مما ميز عبارته المنطوقة والمكتوبة بالجمال والدقة ثم اضاف الى ذلك سعة اطلاع على مختلف العلوم قديمها وحديثها، وكل ذلك كان له أثر كبير في نفوذه الى قلوب الناس مما جعله بحق نموذجا للداعية النافذ الذي يحتاج اليه الإسلام في عصرنا.
اول ما عرفت الطنطاوي من كتابه (صور وخواطر) ثم دلفت الى عالمه بحيث ازعم انني لم تفتني متابعة اي حلقة من حلقات برامجه في الإذاعة والتلفزيون لجاذبية الشيخ في عرضه لمادته ولتنوع المادة في مختلف الفنون المعرفية، ولحسن تقريبه للمعلومة بالمثال، فبرامجه موسوعة لموسوعية معارفه.
رحم الله الطنطاوي فقد لحق بسلف صالح فقدناهم في السنوات الأخيرة، رحمهم الله وعوض عنهم المسلمين خيرا.
د, عائض الردادي

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الادارة والمجتمع
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
الطبية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved