Sunday 27th June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 13 ربيع الاول


المخدرات,, تلكم الجريمة وذلكم الأخطبوط

** الدراسات والبحوث والاستطلاعات الواسعة عن المخاطر والمهددات التي تحيط بالانسانية في عصرنا السائد، حيث يخطو العالم نحو مدارج الصعود الى القرن المثير الجديد القرن الحادي والعشرين والكل يرصد ويراقب بل ويتخوف مما هو آت.
تلكم الدراسات التي اضطلعت بها مراكز البحوث والمنظمات والهيئات,, العلمية والاجتماعية والأمنية بل والاقتصادية والسياسية، وعلى مستوياتها المختلفة وطنية واقليمية وعربية ودولية، جامعية وأكاديمية وبحثية عامة,, حرصت الاصدارات والدوريات العلمية والاعلامية على ابرازها والخوض فيها طيلة الفترة المنصرمة فيما اعتبر وقفة متأملة بالجرد والمسح العام والاستطلاع بمستوى العصر وايقاعاته، وما يترتب على ذلك من مسؤوليات المتابعة والمواكبة والتفاعل الايجابي بآفاق مدركة ومشاعر حيّة قادرة على المشاركة والاسهام الفاعل.
من هنا - وفي محور المخاطر والمهددات التي تمسك بخناق البشر وسلامتهم وتميزهم النوعي الراشد والرفيع,, تكشفت الوضعية المعقدة في تشابكها وتلونها، بل والتصاعد والتطور المتسارع التي تمثلها آفة المخدرات فهي المهدد الأخطر والأفدح والأكثر شمولية,, بجوانبها وأنواعها الهلامية- الاخطبوطية التي تنهش الانسان وحضارته من كل اتجاه وفي كل جانب ومجال.
ففي مجال الجريمة والاجرام، تبين بالوثائق والاحصاءات وأنواع الرصد والدراسات أن المخدرات تطورت بوتيرة قافزة خلال النصف الأخير من هذاالقرن، الذي بات يودع أيامه، فأصبحت هي الجريمة الأم التي تفرخ بصورة أو بأخرى معظم الجرائم وأنواع الانحراف والشذوذ التي تتهدد أمن الانسانية والطمأنينة العامة، وبذلك فهي المهدد المباشر للانجازات العلمية والنقلات الانمائية والعمرانية،والمظهر الأساس للعصر وما تميز به من طفرات ومستجدات تقنية لم تكن تخطر على بال، بما أكسبه تميزه المحدد من حيث كونه تجسيدا لمجمل محصلة المسعى الانساني، منذ فجر التاريخ عبر المسار والتراكم الحضاري الراشد الطويل,, ولكن المخدرات تفجرت فأحدقت الأخطار واضطرب اليقين العام.
وفي مجال التوظيف القذر للمخدرات واستخدامها كسلاح لادارة الصراع والتعامل والمعاملات,, لتحقيق أهداف غير مشروعة وغير أخلاقية، ومن أبرز تلكم الاستخدامات القذرة، ما يوجه لدولة أو لشعب ما من دولة أخرى، فكانت حرب الأفيون التي شنتها بريطانيا في القرن الماضي على الشعب الصيني وبمؤازرة ومباركة فرنسية وأمريكية وكان استخداما أكثر قذارة بل هو عار أبدي,, وكما يحدث في الصراع العربي - الصهيوني- حيث لا تتورع الدولة العبرية عن استخدام هذا السلاح القذر وبطرائق وأساليب ملتوية قذرة، وذلك بهدف تحطيم الخصم من الداخل,, أي تحطيم الشباب واحالتهم الى مرضى مدمنين، وما تستخدمه المافيا العالمية كسلاح سياسي واقتصادي واجتماعي في ايطاليا، وفي غواتيمالا والاكوادور والارجنتين واسبانيا والبرتغال ودول أمريكا اللاتينية وغيرها,, إلا أن استخدامات وكالة المخابرات الأمريكية CIA يتخذ وضعية مقلقة كما كشفته احداث بنما وحاكمها السابق نورييقا، والذي هو في الأصل تاجر مخدرات وعميل لوكالة الاستخبارات الأمريكية، وما الى ذلك من صور الاستخدامات القذرة لجريمة المخدرات - لا أحسب خفاءها على ذي بصيرة وبصير كما ان المقام هنا ليس مقام تفصيل- .
وفي جانب التطور والتصاعد واخطبوطية الانتشار والذيوع بين بني البشر,, غنيهم وفقيرهم، المتقدم منهم والمتخلف، الجاهل والمتعلم، بما جعل تدميرها شاملا للانسان في رشده وتميّزه الآدمي، حيث اضحت المخدرات تمثل الاستمتاع المزاجي بالحياة ومباهجها لاسيما بين الفئات الأكثر فاعلية,, فئة الشباب، وبهذه الهلامية والاخطبوطية المستغلة لمستجدات العصر العلمية، تفشت بين قارات الدنيا وتغلغلت بين صفوف كل فئات البشر.
إن المتتبع لداء المخدرات ,, منبعه ومصبه وطرائق استخدامه وأساليب انتشاره، وما تشير اليه كل الدراسات قديمها وحديثها ,, يلحظ ان أوروبا الغليظة القلب والغرب بشموليته وبأنماطها الحضارية الآلية المادية، والمتنكرة لكل القيم والمعايير الأخلاقية يلمس أنها هي المسؤولة دون غيرها من ذلكم التصاعد المفزع لهذه الآفة الجريمة.
ثم ارتد السحر على الساحر، ارتد السهم كله الى قلب أوروبا، حينما تحولت المخدرات الى سلعة للانتاج الرأسمالي التنافسي، ولما كان جيل أوروبا وأمريكيا خاليا تماما من المعايير السلوكية والأخلاقية، فقد تفشت ظاهرة التعاطي والادمان، وما تهيئه في مثل هذا الخواء الروحي وانعدام الأسرة والانتماء تفشت بشكل وبائي شامل وسط فئات الصبية والمراهقين والشباب، ووسط الأماكن العمالية الغليظة في المناجم وترسانات السفن والمصانع الكبرى والمدن الصناعية والعواصم الصاخبة,, فتضاعف اختلال الحواس، الهذيان، الهلوسة، الانحطاط العام، الهلع والخوف الهستيري,, فضلا عن أمراض الايدز حسب دراسات مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي F.B.E والبرنامج الدولي للأمم المتحدة لمراقبة المخدرات .
إن الأسرة الدولية، وهي تحتفل اليوم باليوم العالمي لمكافحة المخدرات,, ممثلة بالمؤسسات والمراكز والمعاهد والأجهزة المناط بها مهام كفالة الأمن وتحقيق الحماية الضرورية للانسان وصون كرامته، والسعي الى اسعاد المجتمعات وتهيئتها بشتى المجالات,, ان تنتبه اليوم أكثر من أي وقت مضى وبمستوى شامل الى الوضعية المعقدة والجريمة الاخطبوطية التي تشكلها آفة المخدرات على الانسان وأمنه وصحته وفاعليته، والانسانية تدخل الآن أبواب القرن الحادي والعشرين,, فهي أخطر الجرائم والآفات وأكثر المهددات لأمن الانسان ورشده الآدمي,, تحطيما ودمارا، بل تحولت هذه الآفة الى قاعدة أساس تنطلق منها كل الجرائم وأنواع الأوبئة والأمراض الوبائية، وأنواع المهددات النفسية والعقلية للرشد والرقي القيمي لهذا الكائن السامي الانسان الذي كرّمه خالقه الله تعالى ونفخ فيه من روحه، وأمر ملائكته أن تسجد له: (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين).
كما يوجب الأمر وقفة جامعة راشدة شاملة للجهود العلمية والأمنية والصحية والتربوية والدينية والاعلامية، قبل فوات الأوان واستفحال الأمر الى الأمر .
* هاتف :
البيت العلمي الأمني العربي ,, بذل ويبذل جهودا مشهودة ومتميزة في مجال مكافحة المخدرات,, علم ويعلم بها القاصي والداني,, وكلاهما يشهد بذلك,, فتحية تقدير الى أكاديمية العرب، أكاديمية رجل الأمن العربي الأول,, اليك أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية ذلك وأنت تشاركين العالم احتفاله باليوم الدولي لمكافحة المخدرات,, وتحتفلين بذلك من خلال انجازاتك العلمية,, تدريسا وتدريبا وبحثا وإسهاما فاعلا في الاطار الإعلامي والتثقيفي والتوعوي.
فؤاد العاني

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
عزيزتي
ساحة الرأي
الرياضية
تحقيق
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved