Sunday 27th June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 13 ربيع الاول


الزمن المقلوب
رسائل الأنصاري وانتحار المثقفين2
أحمد عبدالرحمن العرفج

ان المسافة العريضة بين بنية العقل العربي، وبين مقاصد حياته تفجع المشاهد، وتخيف المتابع، وكل مشاريعنا الحضارية والفكرية، منها من قضى نحبه، ومنها من ينتظر، لأنها تفتقر في انطلاقها الى معرفة واقع المجتمع، وأبعاده العلمية,, وقد حاول الأنصاري تلمس الخلل، في محاولة منه لاختراق هذا الليل الكالح، وعبور اللحظة الراهنة، التي أتت على مشاريعنا التنموية الكبيرة، فضلا عن الصغيرة وجعلتها كالصريم,ولا يسعك - وأنت تقرأ- ما يقوله هذا المفكر الكبير إلا أن تحمد الله على ان في القوم رجلاً رشيداً, حين يقول لابد من معالجة الاشكالات التالية حتى نتجاوز هذا العسر المؤلم، يلخّص هذه التورمات في نقاط أربع، يقول:
أولاً: ان العقل العربي يميل الى اغفال، بل انكار الحقائق والوقائع التي لا توافق تصوراته ورغائبه, بل يكابر بشأنها حتى لو أدى انكارها الى نكبات في واقعه ثم يضرب لذلك مثلا بقوله: فإن قلت مثلا ان الوحدة العربية لم تتحقق لأسباب موضوعية كيت وكيت، قالوا لك: أنت ضد الوحدة، وان قلت ان الديمقراطية تتطلب كذا وكذا من الشروط قالوا لك: أنت ضد الديمقراطية,, وقس على ذلك .
ثانياً: ان العقل العربي يميل الى العموميات والمطلقات، ولا تستهويه إلا الغايات الكبرى والأهداف العظمى، دون أن يتوقف أمام الجزئيات والتفاصيل والدقائق المرتبطة بصميم أية فكرة أو موضوع أو قضية .
ثم يلاحظ الأنصاري على ذلك: ان خدمات الصيانة الدقيقة مهما كانت بسيطة تقوم بها العمالة الأجنبية حتى في المجتمعات العربية المليئة بحمَلة الدكتوراه، فهؤلاء أغلبهم فلاسفة ومنظّرون وأصحاب ايديولوجيات ورسالات خطيرة لا تهتم بهذه التفاصيل والجزئيات التافهة في نظرهم , ولهذا السبب فإن أفكارهم تظل معلقة في الفراغ !!.
ثالثاً: يتصل بهذا النوع من التفكير السائد، ان العقل المسلم قد أغفل السنن الإلهية الكونية والأسباب الطبيعية المباشرة لحدوث الأشياء، والتوصل الى النتائج وأعفى نفسه من التدقيق في اتباع كل سبب بعينه لما يريد ان يتوصل اليه، متوهماً ان الله سبحانه وتعالى سيحقق له كل شيء بإرادته وهو قاعد متقاعس لا لشيء إلا لكونه مسلماً، وهذا فهم خاطىء لحقيقة الدين .
ويعطي الانصاري على ذلك دليلا بقوله:ففي الدنيا تسود ظاهرة (الوساطة) التي هي التفاف على القوانين الاجتماعية والوسائل الطبيعية المنطقية وإلغاء لها لتحقيق الغايات المختلفة في الحياة بطريقة تجاوزية غير طبيعية, وعلى صعيد الآخرة تسود فكرة انتظار الشفاعة لتفادي الجزاء العادل والشفاعة في الفهم الإسلامي الصحيح لا تكون إلا بإرادة الله وبإذنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه ، ولكن العقل الانحطاطي التواكلي حوّل الشفاعة بمفهومها الالهي الدقيق هذا الى نوع من الوساطة الأخروية، ولم يحترم الارادة الإلهية فأدخل فيها وسطاء من أنواع مختلفة: أولياء، قبور، ومزارات، وتعاويذ,, إلخ , رابعاً: من سلبيات هذا العقل السائد ايضا، الفجوة القاتلة بين الأهداف والغايات الكبرى المعلنة وبين السلوك اليومي الملموس للجماهير العربية ولك ان تنظر الى هذه النخب الثقافية لتعرف أي ضياع يتمتع به هذا الواقع البائس، ولنا في الأسبوع القادم انتحار آخر.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
عزيزتي
ساحة الرأي
الرياضية
تحقيق
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved