Sunday 27th June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 13 ربيع الاول


مسرح ,, ومردح
حمد المبتلى في رحلته إلى ديار الجن والإنس وما بينهما!
المقام الثامن
محمد العثيم

قال الحاكي وهو من حال زمانه ضاحك باك:
وبعد مسير في الوادي الضيق وجد الرفاق - الاربعة مع جملهم - انفسهم تحت فتحة علوية يبين منها النور على سطح الارض وكأنها فتحة بئر واذا رفع الواحد منهم بصره رآها اضيق من ثقب الابرة تتدلى منها اليهم حبال مفتولة وكان يبدو أن التسلق منها مستحيل ,, لأن عليها بين مسافة وأخرى ثعابين ملتوية تتقافز بينها وبين كهوف في الوسط تلمع لمعان البرق ولكن بألوان طيفية مختلفة.
قرأت الساحرتان تعاويذهما فقفزت الثعابين الى جدران البئر لتختفي بالشقوق الالماسية اللمعان قالت الساحرة هلكوتة: انا لم اخرج للارض من هذا الممر في حياتي فما تلك الاشياء البراقة في منتصف البئر قبل سطح الارض,,؟
قالت الساحرة وردانة: تلك كهوف الالماس السبعة التي لم يرها انسان في حياته الا بهر بجمال الماسها فلا تفوتك رؤيتها ولكن حذار اخذ شيء منه حتى لا تلدغك الرواصيد من ثعابين الصل السود,, وأشارت لها الى اعلى قائلة: انظري اول كهف هو كهف الألماس البلوري والثاني الألماس الاصفر وبعده الالماس الازرق ثم الارجواني ثم الاخضر فالاحمر القاني الدموي وهو الذي لم يحصل عليه أحد وآخرها الازرق السماوي الصافي,, وكان حمد يسمع ويفكر بأخذ شيء من كهوف الألماس، وقرأ حني افكاره فحذره من ان يفعل شيئا من ذلك,, وانتبهت هلكوتة الى الخطر على حبيبها فقررت ان تمسخه جروا صغيرا وتحمله,, وانتبهت وردانة فمسخت نفسها قطة ومسخت الجمل فصار فأرا فخف الحمل فربط حني نفسه الى حبل وربطت هلكوتة نفسها وخرج طعام حمد الذي لم تفكر بالاطلاع على محتوياته واخذت حمد الممسوخ كلبا صغيرا على ذراعها الى حبل وعضت وردانة ذيل فأرها الذي كان جملا واحكمتا ربط نفسيهما وتسلق الجني حني قبل الجميع ثم قرأت الساحرتان تعاويذ رفعت بهما الحبل من البئر الى خارج البئر وأعادت الساحرتان حمد الممسوخ وجمله الى حالهما وكان أول ما سأل عنه خرج طعامه ووجد ان معشوقته الساحرة الممشوقة هلكوتة لم تمسسه بسوء فهذه المجوهرات التي اخذها من اودية البرزخ,, وهذه قنينة العطر المملوءة بإكسير المخلدين اما البندقية فقد ضاعت من جرابها على الجمل مع كل ادوات الشداد لان وردانة عندما مسخت الجمل فأرا صغر على ما فوق ظهره وسقط زمام قياده وهكذا صار الجمل عاريا من شداده وزينته ولجامه ومعها ذهبت البندقية,.
وفكر حمد انه سيشتري بندقية من أقرب بلد يصلونه ولم يدر بخلده انه لن يستطيع شراء تمرة رغم ما معه لأن المتاعب العظيمة لا زالت عقوبته التي تنتظره لما سرقه من اودية البرزخ من مجوهرات.
نظر حمد حوله ونظر في البعيد فلم ير الا امتدادا صحراو يا لا شيء حوله,, وحتى البئر كانت فوهتها الصخرية بمستوى سطح الارض وقد ينزلق اليها العابر دون ان يدري,, قال لرفاقه,, واين نتجه,, لم تجب الساحرتان ويبدو ان الساحرة وردانة وهي من تبنت فكرة الخروج من البئر قد فقدت قدرتها المكانية بعد ايام من الشر والسفه واعمالها السوداء تحت الارض من عهر وترتيب للسحر الاسود، وكانت عيون الجميع نصف مغمضة لانها لم تتعود على النور الباهر فوق سطح الارض في منتصف النهار,, اما حني فلا زال متلبسا الجمل,, لانه كما قلنا يحترق بالشمس مثل ابناء الجن.
قال حمد المبتلى واين نتجه ايها الرفاق؟,, هنا تكلم الجمل بلسان الجني الدليل حني قال مشيرا بساقه الامامي سيروا هكذا,, انه اقرب مكان للماء وللراحة,, لم يعترض احد,, وغاب الركب في الاتساع الكبير.
بدأ الجميع الشعور بالعطش ما عدا الجني حني وبدأوا يسألون اين الماء وحني يجيب بعد قليل والحقيقة انهم في ارض فاصلة ليست بعرض البرزخ لكنها فاصلة لاهل ما تحت الارض عن الإنس,, وساروا لساعات فرأى حمد نهرا يجري معلقا وكأنه في حوض من الزجاج ووقف يتأمله ويتمنى ان يصل اليه لكنه ينتهي مجراه الى سحب سوداء فوق جبال رمادية قد بدا لحمد ان هذا النهر إنما يملأ السحب السوداء بالماء لتنقله السحب بإذن الله الى حيث يسقي به ارضاً ميتة تتشقق من العطش,.
لم ينس حمد بقية عمره هذا الماء المعلق,, فيقول لن يصدقني احد فانا لم اصدق عيني لهول ما رأيت في مفترق العالمين الأنسي والجني.
كان عليهم ان يعبروا تلك الجبال الرمادية التي بدت في الافق لكن صورة النهر وهو يجري بماء متدفق في الفضاء دون ان يندلق شغل حمد وجعله لا يفتأ يرفع رأسه ليتأمل جريان النهر من قاعه المعلق وكيف بأمر الله يجري ولا يندلق من أسفله او ضفتيه,, وكان يقع على وجهه بين فينة وأخرى فيقوم نافضا الغبار عن ثوبه,, قالت له وردانة اسرع يا حمد اما يكفيك ما رأيت من العجائب الا تدري ان امامك في رحلتك منها ما هو اعجب فلا تقف لشيء,, وكانت وردانة تعلم السبب الذي منع ابن شيخ الألف من الزواج في المدينة التي يقصدونها وهو سبب سيجعل مهمة حمد عسيرة ليس لانها بنت الوالي كما قلنا بل بسبب ديك بعرف افرق (محقرص مبقرص) لا يقترب الجن من الحي كله بسببه,, والحقيقة ان الوالي لم يكن يدري بحماية ديك الجيران لابنته من شر حنحون واشباهه من عشاق الجن المردة الأشقياء,, ولو علم بذلك لصنع للديك ودجاجته وسائد من الحرير,, وتماثيل في كل مفترق طريق.
عبروا الجبال الرمادية بجهد جهيد لكنها كانت أوفر ماء وبها اشجار مثمرة توحي بطبيعة الارض التي لم يرها حمد منذ سنين,, وجلسوا واستظلوا وأكلوا من الخيرات الكثيرة من فواكه الغابة وقرب المساء اصطادوا غزالا للعشاء واشعلوا ناراً واشتووها وتلذذوا بأكلها الى منتصف الليل,, وكانت وردانة قد احضرت أواني من الغابة هي عبارة عن حدج جاف يشبه القرع العسلي (الدبا) وملأت الاواني من عصائر الفاكهة التي تمتلئ بها الغابة الجبلية وحلته بأنواع من اصناف العسل البري الذي وجدته في مناحل طبيعية فكانوا يشربون ويلهون الى ان انتصف الليل ثم ناموا حتى قبيل الصباح,, ولانهم لم يناموا منذ ازمنة تحت الارض في ديار الجن فقد بدأ رهق ديار الجن السابق ينهكهم واحسوا برغبة لا تقاوم للنوم ما عدا الجني حني حيث ان ليل الجن هو نهار الانس,, اقول ان الجني حني نشط وخرج من الجمل الذي تلبسه طويلا ووعد بحراستهم الا من الذئاب,, فهذه لا قبل للجن بها,, والحقيقة ان حمد المبتلى كان مشغول الفكر في امر زواجه بهلكوتة,, وهو يتخيلها على صفحة السماء المليئة بالنجوم التي بانت صافية من خلال اغصان الغابة المتوسطة الكثافة,, وشعر انه مصاب بحب لم يتعوده من قبل, وكان قد سمع عن حب العطف (السحري) الذي لا يبرأ المصاب منه بل تتدهور حالته ويموت وسمع ان حب العطف تسببه عظمة الغراب الطافية على جدول يجري من ماء قربة جلد,, لكنه استبعد ان يكون احد عمل له عملا من هذا النوع ولكنه لم يدر انه سيرى صنع هذا السحر الباتع لاحقا في مقبرة بعيدة من شيخ هرم.
ولم يكن بحمد - في الحقيقة - اي سحر الآن ولكن هلكوتة التي يحبها سلبت الجن والانس عقولهم وليست بحاجة الى عمل سحر لتسلبه عقله,, انما هو سحر جمالها الطبيعي يصيب الجميع والدليل انها عندما رقصت في حفل الساحرات بديار الجن سقط نصف المحتفلين مغشيا عليهم كما ذكرنا,, وفي ذلك اليوم اجهد منفذو الحفل برش اكسير النشادر علىالمغشي عليهم ليفيقوا من غشيتهم التي سببتها اللوعة والحب اليائس من امرأة لم تطلع الشمس على أجمل منها فسبحان المصور العظيم أبدع خلقه.
بعد الغابة تكشفت أمامهم مزارع في الانحدار ليس لها عدد ونظر حمد في الخلف فرأى سلسلة من الجبال السود فقال لحني ألم نأت من هنا,, قال له نعم كنا في عالم ونحن الآن في عالم آخر لا تحاول فهم المسافة أو الزمن الذي جئنا منه,, نحن الآن مع الإنس وهذه ديار غير تلك الديار,, وكان يشغل باله كم هو بعيد عن بلدته وأي بلدة يقبل عليها,, ولعل حني كان يدرك هواجسه حول أهله فأبلغه ان هواتف الجن ابلغته ان حالهم احسن من ذي قبل بكثير وان امه واباه عادا الى منزلهم القديم,, اما شيخ الالف فلازال بانتظار ولده حنحون المربوط فعجل بقضاء حاجته كما وعدت.
قال حمد سوف افعل بإذن الله لكني اريد ان أسألك كيف تتهاتفون ايها الجن؟,, قال حني هذه بسيطة فنحن نتناقل الخبر كما تتناقل الإنس الإشاعة فأقول ما اريد فينقله كل جني الى من بجانبه الى ان يبلغ الخبر مداه,, مشكلة الإنس انهم الى الآن لا يستفيدون من مميزات الإشاعة.
اخذهم المسير أياما وليالي الى ان توقفوا عند صف من اشجار الاثل المتراصة,, وكان عرض ظلالها يقرب من خمسة امتار وتطول الى سبعة امتار اما امتدادها فلا يكاد يرى وتشكل سياجا طبيعياً بين منطقتين,, هنا تكلم الجني حني من خلال فم الجمل وقال قف يا ابن بهيج ما خلف هذا الاثل قوم لا نعبر خلالهم,, المدينة ليست بعيدة هي خلف التل الثاني من تلك التلال هل اعيد عليك ما تفعل,, قال حمد لا سأقول لك انا المطلوب مني ان اذهب للمقبرة فأنادي حنحون,, واذهب وسيلحق بي واقول له ان اباك في ضيق وهو يريدك في التو والساعة,, وهكذا اكون اديت الرسالة فاذهب في حال سبيلي.
ضحك الجني حني لتصورات حمد بسهولة الامر لانه انسي ولا يدري كم سيعاني قبل ان يتاح له فعل مايريد.
انتهى المقام الثامن ويليه المقام التاسع
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
عزيزتي
ساحة الرأي
الرياضية
تحقيق
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved